شكل مؤتمر طنجة (27 - 30 أبريل 1958)، الذي حل يوم أمس الاثنين ذكراه السابعة والخمسين، محطة بارزة في تعميق وعي الشعوب المغاربية بالمصير المشترك، وحلمها بتكامل الجهود والتوحد من أجل استكمال تحرير المغرب العربي. واضطلعت الأحزاب التي شاركت في المؤتمر آنذاك (حزب الاستقلال المغربي والحزب الدستوري الجديد التونسي وجبهة التحرير الوطني الجزائرية) بدور مهم في تعميق الوعي وحشد الطاقات لإعطاء دفعة جديدة لحركات التحرر الوطني، من أجل استكمال مقومات السيادة والكرامة ووضع حد لمرحلة الاستعمار. وكان قادة هذه الأحزاب، الذين اجتمعوا بقصر مارشان بطنجة، مقتنعين بأن الوقت حان لتجسيد إرادة الوحدة المغاربية في إطار مؤسسات مشتركة، من أجل تمكينها من الاضطلاع بالدور الملقى على عاتقها داخل المحافل الدولية. وتمثل الهدف من مؤتمر طنجة في تجسيد التطلعات العميقة لشعوب المنطقة، بإقامة اتحاد يعزز، بشكل أكبر، العلاقات القائمة بينها، وتحقيق اندماج اقتصادي وسياسي يرقى إلى مستوى الإشعاع التاريخي الذي طالما ميز منطقة المغرب العربي، وتطلعات الشعوب المغاربية اعتبارا لوحدة المصير واللغة والدين التي تجمعها. وصادق المشاركون في ختام هذا المؤتمر على توصية أكدوا فيها إرادتهم في العمل على تحقيق الاتحاد، وعيا منهم بضرورة التعبير عن الإرادة الجماعية لشعوب المغرب العربي في توحيد مصيرها، واقتناعا بأن الوقت حان لتحقيق هذه الإرادة في إطار مؤسسات مشتركة. كما شدد مؤتمر طنجة على حق الشعب الجزائري غير القابل للتقادم في السيادة والاستقلال، داعيا الحكومات والأحزاب السياسية المغاربية، إلى تقديم الدعم الكامل والمساندة غير المشروطة للشعب الجزائري الذي يخوض المعركة من أجل تحقيق استقلاله. وجاء تأسيس اتحاد المغرب العربي في فبراير سنة 1989 بمراكش لإعطاء دفعة جديدة للعمل المؤسس الذي تم إرساء أسسه بطنجة، ويعزز مسيرة تنمية المنطقة المغاربية لتجسيد التضامن الفعلي بين مكوناتها وضمان تقدمها الاقتصادي والاجتماعي. ويعد تفعيل أجهزة وآليات اندماج الاتحاد العربي، الذي بات اليوم بمثابة ضرورة، كفيلا بالنهوض العمل المشترك لتوحيد صفوف الشعوب المغاربية، بهدف تمكين المنطقة من احتلال مكانة متميزة في فضاءها الجغرافي. مقررات مؤتمر طنجة انطوت على الكثير من الأفكار الموضعية ومن الخطوات العملية، سواء لجهة دعم كفاح الشعب الجزائري، أو لضرورة استكمال الاستقلال الناجز لكل من المغرب وتونس، على كافة الأصعدة العسكرية والسياسية والاقتصادية. كان المؤتمرون على درجة عالية من الوعي. فقد ارتأوا مثلاً أن الصيغة الفدرالية هي الأنسب لتحقيق وحدة ثلاثية في مرحلة أولى، مع المحافظة على خصوصيات كل بلد واحترام ظروفه. واقترحوا تشكيل مجلس تأسيسي منبثق عن المجلسين الموجودين في تونس والمغرب، إضافة إلى ممثلين عن قيادة الثورة الجزائرية، وذلك لدراسة القضايا التي تمس المصالح المشتركة، وتقديم التوصيات بشأنها إلى السلطات التنفيذية المحلية. وفي توصية أخرى تنم عن بعد الرؤية السياسية، دعا المؤتمرون إلى أن لا تقوم أي من حكومات المغرب العربي، بصورة منفردة، بربط مصير الشمال الافريقي بأي طرف خارجي في ميداني العلاقات الخارجية والدفاع، إلى أن تتم إقامة المؤسسات الفدرالية. وكان المقصود بالطبع قطع الطريق أمام مناورات القوى العظمى وعلى رأسها فرنسا الاستعمارية آنذاك لبث بذور الفرقة بين دول وأحزاب المغرب العربي. كما دان المؤتمر دعم حلف الأطلسي لفرنسا في حربها ضد الشعب الجزائري. وشكل أمانة من ستة أعضاء، بمعدل مندوبين عن كل حزب من الأحزاب الثلاثة المشاركة لمتابعة تنفيذ التوصيات. ويشكل الاحتفاء بالذكرى 57 لمؤتمر طنجة مناسبة لإعادة إطلاق هذه المبادرة التاريخية المشتركة، ومواصلة العمل من أجل خدمة المصالح المشتركة للدول والشعوب المغاربية، وتوحيد الجهود لتجاوز العقبات وبناء اتحاد مغاربي قوي.