في سابقة نادرة، في تاريخ وكالة الأنباء الإسبانية «إيفي»، تنشر استجوابا ينتقد انفصاليي البوليزاريو، وهي المؤسسة الإعلامية، التي كانت تتجاهل باستمرار، مثل هذه الموضوعات، رغم توفرها على الحدث، الذي يفرض عليها، مهنيا و أخلاقيا، أن تخبر الرأي العام، الإسباني، وغيره، بحقيقة ما يجري بالمنطقة. الاستجواب الذي نتحدث عنه، تم مع زعيم منظمة «خط الشهيد»، المحجوب السالك، و الذي انتقد فيه البوليزاريو بشدة، واعتبر صحراويي تندوف، «رهائن»، في الأراضي الجزائرية، ورئيس الجمهورية الصحراوية الوهمية، محمد عبد العزيز، «أقدم رئيس في العالم، يخاف من الانتخابات»... بالنسبة للذين يتابعون ما يجري في هذا الصراع، بموضوعية، فإن انتقاد البوليزاريو مسألة عادية، غير أن الوضع مختلف، في الصحافة الإسبانية، حيث يمكن أن تقبل نشر أو بث انتقادات في كل القضايا والمحرمات، باستثناء البوليزاريو. ولا يمكن «لإيفي»، أن تنشر الاستجواب إلا بعد أن تحصل على الضوء الأخضر، على المستوى السياسي. فلماذا بالضبط في هذه الظرفية؟ لا بد من الإشارة إلى أن الوكالة المذكورة، كما هو حال كل الصحافة الإسبانية، ترفض باستمرار نشر أخبار عن العائدين من تندوف، و تحجب الندوات الصحافية التي ينظمون، و تعتم على تصريحاتهم، حول الاعتقالات التي تعرضوا لها والتعذيب الذي عانوا منه... لذلك لا يمكن إلا أن نسجل هذه السابقة، و نتساءل هل تعني حدوث تغيير في مقاربة موضوع الصحراء، من طرف الوكالة المذكورة؟ و ما هي خلفياته؟ هناك مسألة مررتها الوكالة، في استجوابها، وهو موضوع الفيدرالية. والذي يعني أن يتفاوض المغرب، مع البوليزاريو، حول دولتين، تندمجان في فيدرالية، مع تحديد أوجه السيادة. ومن المعروف أن هناك بعض الأوساط السياسية الإسبانية، أخذت تتجه نحو هذا الطرح، بعد أن اقتنعت بأن الصيغة الحالية المساندة للتوجه الانفصالي، أصبحت تتلاشى و تضعف تدريجيا. لقد جرب الخصوم العدوان على المغرب، بقوة السلاح، لكنهم فشلوا، وانتقلوا إلى الضغط الديبلوماسي والحقوقي، والذي لعبت فيه إسبانيا على مختلف المستويات، دورا كبير، لكنه استنزف بدوره، و ظهرت في المنطقة معطيات جديدة، أهمها انتشار المجموعات الإرهابية والجريمة المنظمة و التهريب، و هي المخاطر التي أصبح الوضع في مخيمات تندوف، عنصرا مؤثرا فيه. الوضع الجهوي تغير إذن، والمغرب، صامد، و يتقدم في تنمية الصحراء، وإقناع العالم، بأن مقترحه، هو الأقرب إلى الشرعية والواقعية، وأقصى تنازل يمكن أن يقدمه، هو الحكم الذاتي. أما فكرة دولتين، في فيدرالية، مهما كانت الصيغة، فيعني خروج مخطط الانفصال من الباب، وعودته من النافذة.