في ديوانه الموسوم بأشواق اللوز« يوزع الشاعر والقاص سعيد منتسب حفنات اللوز على 29 قصيدة هي أضمومة هذا الديوان التي لا تخلو قصيدة منها من لفظة اللوز على الإطلاق، بل إنّ ثمة قصيدتان منها يكلل اللوز عناوينها وهي: قصيدة »مساء اللوز« وقصيدة »لوزة بمزاج حار«، لذلك وابتداء من عنوان الديوان، مرورا بكل قصائده تكون لفظة اللوز هي المفتاح واللؤلؤة والعقد والخيط الناظم، ما يجعل الديوان مهما تعددت قصائده وقُطِّعت فقرات هاته القصائد، أو استرسلت، عبارة عن قصيدة واحدة طويلة وبنفس واحد، ولسان واحد، وبنية جملة شعرية واحدة، تحكي الشوق أو الأشواق إلى الحبيبة القريبة البعيدة، الأم والحبيبة وأرض الطفولة والانتساب. لذلك، يقف الشاعر - الراوي السعيد منتشيا يحكي عن حبيبته ويحكي لها أشواقا وذكريات تقاسماها هنا وهناك وفي الحلم اللامكان، ولذلك فهو يخاطب هذه الحبيبة بضمير المخاطب أو يتحدث عنها باعتباره راويا عنها أو عنه أو عنهما معا. أو يتكلم ويكتب بضمير المتكلم. وبما أن هذا الديوان هو »باكورة« لوز الشاعر سعيد منتسب، فإن جملته الشعرية وبنية هذه الجملة، وتركيبها اللغوي والتصويري والوصفي والتخييلي، قد بدأت منذ بداياتها مكتملة وناضجة ومخلصة لأسلوبها، إلى درجة يكاد القارئ وهو يطالع قصائد الديوان المتعددة - الواحدة، يخال أنها كتبت دفعة واحدة مثل طلقة مدفع. لكن الشاعر في ديوان »أشواق اللوز« هنا، وهو يُجاورُ العديد من شعراء قصيدة النثر من جيله ومن أجيال سابقة، فإن أسلوبه يبدو أجمل وأكثر تطرفاً، خاصة في جل صورة الشعرية كأن يكتب مثلاً: »كأنها ستذهب إلى النوم، قبل أن تداعب الحرب العالمية نهديها اللتين من كافور«. وبطريقة التناسخ في الديانات الشرقية القديمة، يأخذ اللوز عبر مساره في قصائد الديوان أرواحه وأجساده أو تجسيداته، إلاّ أنه يكاد يستقر في العينين، أي عيني الحبيبة. هكذا بالاضافة إلى المعنى العام للوز كشجرة أو حبات أو حفنات، فإن التطرف في الخيال يستطيع وبسرعة أن يحول أشجار اللوز إلى غربان: »حين تتحول أشجار اللوز على وجه السرعة إلى غربان« (ص8). - كانت عيناها لوزتين صغيرتين (ص21) - كان يدرك أن اللوز ينعس أيضا ويغلق عينيه« (ص 44) ولأن اللوزة هي في الغالب الحبيبة - الأم - المرأة، أو عيونها، إلاّ أنها تستطيع مع الشاعر سعيد منتسب أن تتناسخ في حيواتها المتعددة كما يشاء لها الشاعر، لذلك لا تتعجبوا كثيراً إذا ما أخبركم الشاعر - »بكل تأكيد كانت اللوزة في حياة أخرى سحابة« (ص 94) أو حينما يُراجع الشاعر ذاكرته فيكون اللوز لون عين الأم، وتكون الأم شجرته التي ولدته: - »وأحفظ عن ظهر قلب لوز عينها إنها الشجرة التي ولدتني« وتمضي حيوات اللوز في تناسخها حتى تكبر، ويصير اللوز باباً لكل البلاد: »ونمضي معاً يداً في يد نحو بلاد أسوارها نايات وأبوابها هذا اللوز الذي يحتاج إلى يوم واحد فقط كي يجعل كل ضحك الأرض يمشي في صف طويل« وختاماً يحق لهذا السعيد، سعيد منتسب، أن يسعد بكل هذا الانتساب إلى الشعر منذ باكورته ولوزته الشعرية الأولى والأزلية.