وأخيرا فضح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، التسيب الذي تحدثه الرخص الاستثنائية في مجال التعمير، كاشفا أن المسطرة، التي تحولت من منطق الاستثناء إلى واقع القاعدة، تسببت في اكتساح الإسمنت ل 900 هكتار مخصصة لاحتضان منشآت ذات منفعة عامة، منها 420 هكتارا للمساحات الخضراء. نكرر مرة أخرى ما سبق أن تناولناه في هذه الزاوية منذ سنوات، حين نبهنا إلى خطورة الوضع، ونتساءل هل يمكن قبول أن يفلت المتلاعبون بقطاع التعمير والبناء من المتابعة والمساءلة بشأن ما اقترفوه من جرائم شوهت النسيج العمراني تحت يافطة الاستثناء؟ لماذا لم يتم فتح تحقيق في ملفات الفساد المرتبط بالرخص الإستثنائية، والتي انتعشت لسنوات واغتنى منها عدد من العمال والولاة ؟ لماذا لم يتطرق المجلس الأعلى للحسابات في تقاريره إلى هذه النقطة بالأساس، لفتح تحقيق نزيه بشأنها ؟ وهل كان يكفي تقييد شروط منح الرخص الاستثنائية للقول بأن ملف التجاوزات التي عرفتها من قبل قد تم طيه وفتحت صفحة جديدة للتعامل مع الوضع؟ وهل سيتم التحقيق في الحسابات البنكية لفروع وأصول ومعارف، ومعارف معارف هؤلاء المسؤولين ، لمعرفة حجم الثروة «الرشوة» التي راكموها من خلال هذه الرخص الاستثنائية؟ أسئلة مشروعة ومنطقية تشكل بحق مقدمة لفتح ملف الرخص الاستثنائية ، والتي شكلت ممرا آمنا لمجموعة من المسؤولين في الإدارة الترابية ببلادنا للاغتناء غير المشروع. تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يقر بأن اختلالات خطيرة تم رصدها استدعت البحث عن صيغ جديدة للتعامل معها، لكن الصيغ الجديدة لايمكن، بأي حال من الأحوال، أن تجعلنا نغمض أعيننا عن حجم التجاوزات المسجلة ونوقع شهادة إبراء ذمة لكل من تحكم وتجبر وتلاعب ب «الاستثناء» من أجل الاغتناء. لقد ارتفعت وتيرة استصدار الرخص الاستثنائية التي يتقدم بها عدد من المنعشين العقاريين، التي تسمح لهم بتشييد عمارات سكنية وفق مواصفات مخالفة لنظام التهيئة السكنية المعمول به في المناطق التي تشيد فيها تلك المساكن ، وتم العمل بنظام الرخص الاستثنائية في انتظار أن تنتهي الوكالات الحضرية من إنجاز المخطط الجديد للتهيئة العمرانية. كان ذلك الأصل، أما الاستثناء الناتج عن وضع الاستثناء فكان غير ذلك. لعبة الرخص الاستثنائية حولت بعض المنعشين العقاريين إلى منعشين من نوع آخر، انتعاش تتلوه نشوة خاصة لبعض العمال والولاة والمنتخبين، والنتيجة التحلل التام من الالتزامات المتفق عليها بين العمالة والولاية والمنعش العقاري، و في نهاية المطاف تشوه عمراني وكثافة سكانية مقابل نقص في المرافق الاجتماعية. الأمر لايحتاج إلى توضيح أو تبيان، فالرائحة أقوى من أن تختفي مع تعدد أسماء ملاك العقارات الجدد للتمويه. الأمر يحتاج إلى إرادة سياسية لقطع الطريق على هؤلاء الذين ينتعشون من كل مقاول ومنعش عقاري، الأمر يحتاج إلى «من أين لك هذا؟». فالأخبار الواردة من مجموعة من الأقاليم تفيد بأن الأموال المحصلة من «الصفقات الاستثنائية» تقدر بالملايير وليس بالملايين، وبأن تحقيقا نزيها في الأمر سيكون كفيلا بأن يكشف عن عناصر «المافيا الاستثنائية»، والتي بعد أن تأكدت من حصانتها، شرعت في الترخيص «استثنائيا» لهذا المقاول أو ذاك ، وكل شيء بثمنه بطبيعة الحال! سؤال بسيط للغاية يستوجب طرحه على المسؤول وزوجته وأبنائه وأحفاده وأصهاره وأصدقائه وخلانه، سؤال لن يجرؤ - أكيد - على الإجابة عنه من دأب على الانتعاش مع كل مشروع. ولمن أراد معرفة التفاصيل، ليطلع على كناش التحملات والتسهيلات الممنوحة إلى المنعش العقاري وليقارنها مع ما التزم به هذا «إن أنجزه بالفعل!»، ليدرك حجم الانتعاش الحقيقي.