أدمجت دساتير الدول العربية نصوصا عديدة تبين المساواة بين الرجال والنساء بحكم - أو افتراض - أنهم جميعا مواطنون في نفس الدولة يتمتعون بذات الحقوق ويتحملون نفس الواجبات ويخضعون لذات القواعد والتشريعات. وإن اتفقت جميع الدول في دساتيرها على مبدأ المساواة: فالمفهوم والتعبير في مواد كل دستور وخاصة القواعد الدستورية قد يختلف عن الدستور الآخر، بل وقد نجد تفاوتا في الصياغة داخل الدستور الواحد. ويمكن إبراز الفارق في معنى «»المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات وأمام القانون»« حسب المواد الدستورية في البلاد المعنية والتي يمكن تصنيفها إلى أربعة أنواع: 1 - المساواة الخاضعة للشروط والتأويل: وجاء النص الدستوري الخاص بالمساواة في النظام الأساسي للحكم/دستور على نحو فريد يختلف عن ملامح باقي النصوص، حيث اهتم في صياغته بالارتباط بالشريعة الإسلامية ولم تظهر فيه المرأة بوضوح من خلال اللغة المستعملة وإنما أكده النص على «»عدم التفرقة بين أفراد الشعب والمجتمع بالنسبة إلى حقوق الإنسان (المملكة العربية السعودية)، وعلى أن «النساء »شقائق الرجال»« ولكن لهن من الحقوق وعليهن من الواجبات ما تكفله وتوجبه الشريعة وينص عليه القانون (اليمن). 2 - المساواة وعدم التمييز ولكن لا ذكر لعدم التمييز على أساس الجنس: وهي نصوص جاء بذات الصيغة أي «»أن المواطنين أمام القانون سواء وهم سواسية في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص والكرامة الإنسانية ولا يجوز التمييز بينهم بسبب اللغة أو الأصل أو العرق أو الدين أو الانتماء السياسي»« دون التنصيص على الجنس باعتباره وجه من أوجه التمييز الممكنة أو المحظورة بين المواطنين أو لم تفصل أوجه التمييز بين المواطنين مطلقا (لبنان، الأردن، الإمارات العربية المتحدة، ليبيا). 3 - المساواة وعدم التمييز بما في ذلك على أساس الجنس: وهي نصوص معظم الدول العربية (الكويت، موريتانيا، جيبوتي، عمان، البحرين، فلسطين، قطروالعراق)، حيث تقر مساواة المواطنين والمواطنات أمام القانون دون تمييز على أساس الجنس، أي بين الرجل والمرأة، وقد وردت جميع تلك النصوص بذات الصياغة تقريبا. 4 - التأكيد على المساواة رجل - امرأة مع التركيز على التمييز الايجابي: وجاءت بعض النصوص الدستورية الأخرى قريبة لنصوص النوع الثالث، مع بعض التحسين في الصياغة بذكر أن المواطنين رجالا ونساء في تفصيل يؤكد الحرص على تفعيل المساواة بين الرجل والمرأة (فلسطين، الجزائر، تونس، المغرب). وتتميز نصوص بعض الدساتير العربية بعنايتها بالمرآة بشكل واضح وتفصيلي في مواد خاصة، وبصورة قد لا تتوافر بالنسبة إلى أية فئة أخرى في المجتمع، وتختلف هذه النصوص في الصياغة وفي معانيها لصالح المرأة ومساواتها بالرجل (السودان، الجزائر، المغرب، سوريا، تونس ومصر). ولئن أحرزت معظم البلدان تقدما كبيرا في تأمين وتحسين الوضع القانوني للمرأة وحقوقها من خلال إصلاح القوانين بداية من قانونها الأساسي أي الدستور وصياغة السياسات لتفعيل هذه المبادئ، نلاحظ تناقضات في التشريعات وفجوة كبيرة على عدد من المستويات: بين ماهو وارد في القانون/ القوانين، مع قوانين أخرى / أو تطبيقها مع السياسات المختلفة التي تمت صياغتها من أجل إزالة التمييز ولتفعيل المساواة ومع الممارسات، سواء كانت فردية أو مؤسساتية. وكما جاء في تحليل محل المساواة في النظام القانوني الوطني، لا تنص كل الدساتير بصفة واضحة على »الجنس« كنعصر تمييز كما فعلت ذلك بالنسبة إلى عناصر عدم التمييز الأخرى (العرق، الدين...) تعتبر لغة معظم الدساتير العربية غير حساسة للنوع الاجتماعي بعدم استعمال المؤنث عند الاشارة إلى المواطنين، مثلا. وفي واقع الأمر، مازال عدم تحقيق حقوق المرأة الانسانية والقانونية متعثرا نتيجة التناقض والتضارب الناشئين عن تطبيق النُظم القانونية القائمة: الدستور والقوانين الوضعية والقوانين العرفية (العادات والتقاليد القبلية والعشائرية) والقوانين الدينية (بين الشريعة الإسلامية والمذاهب المختلفة وما تنص عليه الكنائس بطوائفها العديدة والمتنوعة). وفي كثير من البلدان في الشرق الأوسط وشمال افريقيا الخليج العربي، تجعل المدارس الفقهية الاطار التطبيقي للقانون مزدوجا ويخضع إلى السياق والظروف، وفي بعض الأحيان إلى التأويل الشخصي لمن هو مطالب بتطبيق القانون. وإذا كا مبدأ قدرة القاضي التقديرية في إصدار الحكم قانونيا، فيجب أيضا أن يتسم بكل حياد وموضوعية من أجل ضمان العدالة والسهر على عدم التمييز بما في ذلك على أساس الجنس. فمثلا، في معظم الدول المعنية يتفوق قانون الأسرة على كل القوانين الأخرى، ومنها الدستور وذلك بصفة ضمنية وعملية. وفي البعض الآخر يتضمن الدستور نفسه مادة تلغي مبدأ المساواة وعدم التمييز المنصوص عليهما في مادة أخرى من نفس الوثيقة لإعطاء الأفضلية إلى نصوص ومقاييس أخرى تكرس التمييز بين الرجال والنساء وبين النساء أنفسهن من طائفة إلى أخرى. ومن هنا بين المبادئ والمواقف والواقع الذي تعيشه المرأة، يمكن تلخيص الوضع وتحدياته على مستوى المنطقة ككل أو البلدان المعنية مباشرة بالتغييرات الحاصلة فيها بمايلي: - تمتع محدود بالحقوق لقلة وعي ذوي الحقوق. - إنجازات نحو تحقيق المساواة يعوزها التطبيق. - إنجازات نحو تحقيق المساواة تعرقلها تناقضات القوانين، ومنها الدستور والممارسات ونقص القدرات والخدمات. - إنجازات نحو تحقيق المساواة يهددها مستقبل غير واضح، يتأرجح بين القلق والأمل... محل المساواة بين الجنسين في القانون الدولي والالتزامات العربية من الاتفاقات الدولية بين المصادقة والتحفظ ينص ميثاق الأممالمتحدة 1945 في ديباجته »نحن شعوب الأممالمتحدة (...) إذ نقدر ما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية (...). ويتم التأكيد على هذا المبدأ في البند الخامس من ديباجة إعلان الأممالمتحدة لحقوق الانسان 1948 (...) وبما للرجال والنساء من حقوق متساوية«. زيادة على ما تحدده المادة 2 من الاعلان من عدم التمييز مهما كان السبب بما في ذلك الجنس ودون أية تفرقة بين الرجال والنساء«. وتطبق نصوص المعاهدات الدولية الأساسية السبعة، بصفة متساوية على الرجل والمرأة الولد والبنت. ويعتبر العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بمثابة »الفاتورة الدولية« لحقوق الإنسان بما في ذلك ماهو منصوص في مادتهما الثالثة (3). فهي تنص صراحة على المساواة بين الرجال والنساء في التمتع بالحقوق المنصوص عليها فيهما. ولقد خصصت معاهدة من ضمن السبع حصريا لتحقيق المساواة بين الرجال والنساء لتعد بذلك »الفاتورة الدولية« لحقوق المرأة الإنسانية وهي »اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة« (السيداو) مع توسيع مفهومي التمييز والعنف ضد المرأة وتكييف أحكامها وتطويرها عبر أداة التوصية العامة (19) لرفض الشكوك والالتباسات في ما يخص نواياها. ولن تتأخر الدول العربية على المصادقة على عدد كبير من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان بما في ذلك تلك التي تعمل على إزالة جميع أشكال التمييز العنصري والجنسي والعرقي وتلك التي تستهدف فئات محددة (الطفل، المرأة، المهاجرون والأشخاص المعاقين) أو بعض الحقوق (العمل، التعليم، المشاركة السياسية...) أو بعض الانتهاكات (التعذيب والمعاملة القاسية، الاتجار بالبشر والاستغلال) كما أنها صادقت على عدد من البروتكولات الاختيارية. ولقد تم تحليل امتثال الدول لمبادئ المساواة بين الجنسين والإنصاف وتمكين المرأة والتقدم المحرز في تنفيذ الاتفاقيات عن طريق ضمها في التشريعات الوطنية أو اتخاذ بعض الإجراءات لترجمتها الى واقع يتمتع به المواطنون بصفة عامة والمواطنات بصفة خاصة. ورغم تنوع خلفية بلدان المنطقة وسياقاتها، توجد عناصر مشتركة بالنسبة إلى تلك التي صادقت على المعاهدات الدولية معبرة عن التزاماتها في كل مجال حقوقي نصت عليه أو فئة استهدفتها وتلك التي تخص التحفظات على بعض المبادئ او المواد الجوهرية من جهة، وعدم ترجمة الالتزامات الدولية الى التزامات وطنية، من جهة أخرى، حتى في حالة عدم التحفظ وذلك بالنسبة الى معظم الدول سواء خصت هذه الالتزامات الحياة العامة أو الحياة الخاصة. وما يمكن استخلاصه بناء على تحليل الوضع بالنسبة إلى كل مجال حقوقي في الفصول الأربعة لهذا التقرير، هو أن مواقف الدول العربية تتأرجح كالآتي: بين التحفظات من اتفاقية الى اتفاقية أخرى: تحفظ على مادة المساواة بين الجنسين في اتفاقية ولا اشارة الى ذلك في اتفاقية أخرى. بين التحفظات والأحكام الدستورية والقانونية للبلد بين ما ينص عليه الدستور والتحفظات: يكرس الدستور موقع الاتفاقيات على أنها أعلى وأسمى من القانون الوطني ويتم رغم ذلك التحفظ عليها. وفي نفس الوقت مما يعتبر تحفظا على الدستور نفسه. بين الإصلاح القانوني ورفع التحفظ دون جدوى، إذ أنه يفقد معناه ولن يصبح ضروريا نظرا لإصلاح القانون الوطني، ومع ذلك، تتمسك بتحفظات أخرى يمكن أن يهدد هذا الإصلاح مثلا، تكريس المساواة في منح الجنسية للاطفال، رفع التحفظ على المادة من سيداو والتمسك بالتحفظ على المادتين 15 و 16 بين رفع التحفظات على مواد وأحكام خاصة مع التمسك بالتحفظ العام الذي يعتبر تحفظا عاما على الاتفاقية ككل. بين وضع آلية وطنية تعنى بقضايا حقوق الانسان والمساواة يبن الجنسين وتمكين المرأة لتحقيق ذلك، وبين النقص في الصلاحيات الواضحة والموارد. بين تصور سياسات، استراتيجيات، برامج وخدمات والحاجة الى دعم أكبر بما في ذلك ماليا بين نظام متابعة وتقييم وعدم توفر مساءلة تشمل أساسا تقديم تقارير وطنية دورية حول أوضاع المرأة وحقوقها للجهات الإقليمية والدولية المعنية... حق التقاضي والوصول الى العدالة إنه حق اللجوء الى القضاء وهو حق من الحقوق العامة مكفول لكل الناس ومقرر بموجب الدستور - و/ أو القانون. و هو صورة من صور الحريات العامة. حيث يحق للافراد ان يلجؤوا الى القضاء عارضين عليه ما يدعون وهم أحرار في ذلك. ويرتكز حق التقاضي والوصول الى العدالة على عدد من المبادئ تبقى في غالبية الأوضاع فرضيات نظرا الى الواقع المعيش بالنسبة الى المرأة. فمثلا، من المفروض ان لا يسمح بأي نوع من الحصانة أمام انتهاك الحقوق القانونية والإنسانية، وان يتمتع كل الناس بوصول متساو الى تطبيق القانون دون تمييز بما في ذلك على أساس الجنس.. واجتهدت النظم القانونية العربية في تقرير هذا الحق من عدة جوانب، فنصت بعض الدساتير على حق التقاضي واللجوء الى المحاكم لمواطني الدولة والمقيمين فيها والأجانب (تونس، الجزائر، مصر، العراق، سلطنة عمان، البحرين، السودان، سوريا، السعودية، فلسطينوقطر) ومنها نظم قررت حق التقاضي بشروط خاصة كتخصيصه فقط للمواطنين (ليبيا) وإقراره مع المعونة لاقتضاء هذا الحق (لبنان) أو إقرار نص خاص للجوء النساء للتقاضي (الكويت) وتحديده للاجئين (اليمن) واعتماد مجانيته (المغرب). ونصت بعض الدول العربية في دساتيرها على مبدأ استقلال القضاء وعدم التدخل في شؤونه. وأضافت أن المحاكم مصونة (تونس، مصر، العراق، الكويت، ليبيا، لبنان، فلسطين، قطر، الأردن) ووفقا لما تقرر من أهمية تشكيل السلطة القضائية في الشكل القانوني للدول العربية، فقد نص عدد منها على ترتيب المحاكم في النص الدستوري وعلى أن يتم التقاضي على أكثر من درجة وضمان حق الطعن في الاحكام القضائية الصادرة (الجزائر، تونس، مصر، المغرب، اليمن، الكويت، عمان، الامارات، الاردن، موريتانيا، ليبيا، جيبوتي، السودان، لبنان، سوريا، السعودية، فلسطينقطر) هذا الى جانب النص على حق الدفاع والمحاكمة العادلة والعلنية حيث أنها من النقاط الاساسية التي يعتمد عليها نظام التقاضي في بعض الدول (الجزائر، تونس، مصر، المغرب، العراق، البحرين، اليمن، الكويت، عمان، الامارات، الاردن، ليبيا، جيبوتي، السودان، سوريا، فلسطين، قطر). ومن أهم المبادئ التي قررتها النصوص المتعلقة بحق التقاضي، مبدأ براءة المتهم حتى تثبت ادانته في محاكمة علنية عادلة وعلى أن لا تفرض الجريمة او العقوبة الا بنص. وهو المبدأ الذي ترسخ في معظم دساتير الدول العربية بوضوح (الجزائر، تونس ، المغرب، البحرين، اليمن، عمان، الامارات، الاردن، موريتانيا، ليبيا، جيبوتي، السودان، سوريا، السعودية فلسطين، قطر) و انفرد دستور عربي واحد (مصر) بالنص على وجوب محاكمة المتهم (أمام قاضيه الطبيعي)، وقد اشترك عدد من الدساتير العربية في النص على وجوب اجراء المحاكمات في آجال ومهل معقولة (مصر، تونس. المغرب) وعلى العدالة الناجزة (الأردن، السودان) مع سرعة الفصل في الدعاوى والعمل على تفعيل المحاكمات العاجلة، وقد قرر عدد من بلدان (السعودية، ليبيا)، حق التقاضي للافراد المتزوجين في اقامة الدعاوى المتعلقة بالزواج اعتبارا من بداية الزواج. وتحمل بعض النصوص أفكارا جديدة بشأن حق التقاضي والوصول الى العدالة ومنها إلغاء التمييز في عقوبة الحبس والا ينظر القاضي دعاوى في دائرة تمارس فيها زوجته عمل المحاماة (الجزائر)، ومن المفروض أن يكون العكس أيضا. ونص البعض منها على عدد من الاجراءات كتقرير نصوص الإعانة العدلية والقضائية والمساعدة القانونية مثل إعفاء أرامل الشهداء من مصروفات ورسوم الدعوى في عدد من البلدان العربية (الجزائر، تونس، الأردن، السودان العراق)... ويشترط لتطبيق ذلك ثبوت عدم مقدرة وإعسار المتقاضين ومراعاة التعدد والتنوع المجتمعي وجنس المتقاضين عند إصدار الاحكام (الأردن، موريتانيا، فلسطين) وذلك لمراعاة عدم التمييز بما في ذلك على أساس الجنس عند تنفيذ الاحكام القضائية. ولقد قررت بعض القوانين العربية (عمان، سوريا، السودان، السعودية، قطر) إلغاء عقوبة إعدام المرأة الحبلى مع إمكانية تبديل العقوبة الى الحبس بعد الولادة اذا كانت من أحكام التعزير بالنسبة الى البعض منها. وتوجد قرارات منفردة من بلد الى آخر كعدم عقوبة المرأة المكرهة على الزنا (السودان)، أو تعاميم (تسمى أيضا لوائح أو مناشير) وقرارات التسهيلات والتيسير في اجراءات التقاضي واستخراج الوكالات بالنسبة الى النساء المتقاضيات (السعودية) أو الاحكام والإجراءات الخاصة بمكاتب ومراكز الخدمات والاستشارات القانونية والتوفيق الاسري بالمحاكم (تونس)، وبدلا من الدخول في الإجراءات الصعبة أمام المحاكم، عملت البلدان على إنشاء مكاتب ومراكز الخدمات والاستشارات القانونية (تونس) ومكاتب توفيق لقضايا الأسرة (البحرين)، وكذا فكرة غرفة المشورة لمحاولة التوفيق والاصلاح، كما هو الحال في الطلاق الاتفاقي (المغرب) والذي يعمل لذات الغرض، بجانب انشاء دوائر خاصة يدعمها قضاة مؤهلون للنظر في قضايا جنوح الاحداث (فلسطين) زيادة على وحدات متابعة تنفيذ الأحكام الصادرة لصالح المرأة (الإمارات) ومحاكم خاصة بالجرائم المسماة ب »الشرف« حفاظا على السرية والسمعة (ليبيا) ولابد من الإشارة الى أنه تقرر أيضا في قانون بلد واحد (ليبيا) عدم شمول أحكام مصادرة الزوج لأموال زوجته. وهناك العديد من الدول العربية التي أحرزت تقدما أكثر عند إلغائها حكم عدم السماح للمرأة بالسفر إلا بإذن زوجها (مصر، العراق، البحرين)، وتفرض بعض القوانين (الجزائر، العراق، المغرب) اللجوء إلى القضاء للحصول على الموافقة بتعدد الزوجات. وعلى المستوى الإجرائي والتطبيقي، انفرد بلد واحد (ليبيا) بإصدار قانون خاص فقط بتعيين المرأة في الوظائف القضائية. ولابد هنا من الإشارة إلى أن معظم الدول لن تحتاج إلى هذا النوع من القانون لتعيين النساء في السلك القضائي وفي المناصب المختلفة فيه، كما في الجزائروتونس ومصر والمغرب والبحرين واليمن والإماراتوالأردن وجيبوتي والسودان وفلسطينوقطر على سبيل المثال لا الحصر. وانضمت إلى القائمة موريتانا والكويت سنة 2014، بما في ذلك المستويات العليا (رئاسة مجلس الدولة الجزائري، العضوية في المحكمة العليا في الإمارات والمغرب، رئاسة المحكمة الإدارية في تونس، رئاسة المحكمة العليا في جيبوتي). ورغم كل هذه الإنجازات، يوجد عدد من النصوص أو الأحكام أو الإجراءات التي تتناقض مع المبادئ المنصوص عليها وتتضمن عناصر تكرس التمييز بحجة الحماية. وأمثلة ذلك عديدة، كإصدار الأحكام القضائية باسم أعلى سلطة في البلد (قطر، السودان، أو التحقيق مع النساء دون الرجال - بما في ذلك محارمهن - بحضور أحد أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعدم جواز الخلوة بين المرأة وبين المحقق (السعودية) أو تشتت النظام القانوني لخضوعه لأكثر من قانون بحسب النطاق الجغرافي أو التقسيم السياسي والإداري، كما هو الحال بالنسبة إلى بلد واحد (فلسطين)، مما يكرس التمييز بين المناطق وبين النساء. ومازالت بعض الأنظمة القانونية الوطنية تنص على أحكام تحد من حقوق المرأة وتكرس التمييز ضدها بضرورة إقامتها دعوى للحصول على جواز سفر دون موافقة زوجها (العراق، الكويت، فلسطين)، وسحب جوازات سفر عاملات المنازل (لبنان وبعض دول الخليج) مما »يعلق« هويتهن ويعيق حقهن في اللجوء إلى القضاء وفي حرية التنقل. وأنشأت بعض الدول العربية محاكم خاصة واستثنائية مثل المحاكم الدينية (الأردن) التي تتولى تفسير النصوص الشرعية والقانونية على نحو خاص، فضلا عن استثناء بعض القرارات من رقابة القضاء. ومثال ذلك أيضا المحاكم الشرعية (العراق) التي تصطبغ أحكامها وتفسيراتها بصبغة طائفية واضحة، واستثناء حالات بنصوص ودوائر محاكم خاصة لتكون خارج ترتيب المحاكم (ليبيا) لنظر بعض الدعاوى. وإذا وصلت المرأة إلى القضاء، فلا يسمح لها بالعمل في القضاء الشرعي في بعض البلدان (لبنان). الحقوق المتناقضة يوجد تناقض إن لم نقل صراعا داخل الأنظمة القانونية والتشريعية الوطنية نفسها، بداية بالدستور الذي قد يتضمن مواد تلغي بعضها البعض، أو بين الدستور والقوانين المساوية الأخرى والقوانين غير المساوية وتحديدا تلك التي تسير الحياة العامة كالحقوق الإجتماعية والاقتصادية والسياسية والمدنية والتي تنظم الحقوق في التعليم والصحة و العمل.. من جهة، وتلك التي تسير الحياة الخاصة داخل الأسرة من جهة أخرى، وأخيرا بين الأنظمة القانونية والتشريعية الوطنية و الإلتزامات والضوابط الدولية التي صادقت عليها الدولة. وإذا نظرنا إلى كيفية تطبيق القواعد المختلفة للقانون، وأولها الدستور، في أوضاع قانونية متساوية، تعكس قوانين الأحوال الشخصية العربية التي تشمل كلا من المسلمين/ات وغير المسلمين/ ات الطريقة الأمثل لجعل التمييز بين الجنسين شرعيا وقانونيا وممأسسا في النصوص والممارسات. فمثلا مهما كان مستوى المرأة التعليمي أو موقعها الاجتماعي أو المهني أو السياسي أو المؤسساتي أو دخلها الاقتصادي أو حتى سنها أو حالتها المدنية، فإن عددا من النظم القانونية كانت دائما - وما تزال - تنظر إليها على أنها قاصر وبنفس المرجعية أي قوانين الأسرة. ومن هذا المنطلق، ترى الدول أن هناك مواضيع لابد أن تتحفظ بشأنها عند إبرام الاتفاقيات أو سن القوانين الوطنية وتقدم التبرير للتحفظات أو للفجوات الموجودة والتي تدل على عدم المساواة والتمييز بسبب ممارسات اجتماعية وثقافية ذهنية ذكورية راسخة. وما تزال التحديات قائمة في اعتماد فعال و/ أو إنقاذ الترسانة القانونية المتوفرة بسبب أيضا ضعف نجاعة أنظمة العدالة المعترف بها من قبل الدول نفسها، فيما يخص قلة الخدمات المقدمة نظرا لعددها المحدود وعدم قربها من المواطنين والمواطنات. وهو ما يؤثر سلبا على وصولهم جميعا الى العدالة، وخاصة النساء منهم ويشار كذلك في التقييم إلى البطء الإداري وعدم كفاية التمويل التي تحول دون اعتماد النصوص المقترحة وتنفيذ البرامج التي وضعت، زيادة على عدم بناء قدرات العاملين بقطاع العدل بمختلف التخصصات والرتب، وبالذات السلك القضائي سواء خصت حقوق الإنسان ومبادئها بصفة عامة، أو تلك المختصة بالمرأة وطنيا ودوليا بصفة خاصة. البيئة المواتية لتمكين المرأة والمساواة بين الجنسين يعد التشريع مرآة المجتمع، والنظام القانوني هو انعكاس للبنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. لذلك، فإن ما تتضمنه التشريعات والقوانين والأنظمة من أحكام ومواد وبنود يرسم دور المرأة والرجل معا في الأسرة وفي المجتمع بجميع مؤسساته، وتكون بالتالي وسيلة للحجب أو التعبير الإيديولوجي. في البداية، يتطلب تأسيس نظام المساءلة أمام النساء (مساءلة النوع الاجتماعي) وتعزيزه، رفع عددهن في مسارات اتخاذ القرارات، وتحتاج الحكامة الرشيدة للنساء، كما تحتاج النساء للحكامة الرشيدة لضمان احترام الإلتزامات المتعلقة بالمساواة بين الجنسين وتكريسها على المستويين الوطني والعالمي وكشرط أساسي لتحقيق المساواة بين كل المواطنين. ويقتضي مبدأ سيادة القانون إطار تطبيق يتضمن تقنين حقوق الإنسان كحقوق قانونية، يمكن أن تحل النزاعات عن طريق المحاكم وعلى أساس مسار مبني على الكفاءات، والحياد والاستقلالية. ويجب أن يعامل جميع الناس بصفة متساوية في القانون وأمام القانون ولا يحق لأحد أن يكون فوق القانون. ولقد عولجت التحديات الخاصة بكل مجال حقوقي من المجالات الأربعة التي تم تحليلها باقتراح الإصلاحات القانونية والإجراءات الإضافية لتصحيح الوضع نحو مساواة دون تمييز. ويمكن في النهاية تلخيص تحديات إحقاق المساواة هذه بضرورة: أولا: ترجمة إرادة التغيير من أجل تعزيز المساواة رجل امرأة والمواطنة للمرأة مع إزالة جميع أشكال التمييز التي تم تشخيصها في التناقضات التي تعرقل تمتع المرأة بحقوقها القانونية والإنسانية. ثانيا: سن المساواة رجل امرأة في القانون أي ضمنه وليس فقط أمام القانون مع إجراء التعديلات والإصلاحات الضرورية المطلوبة في الدستور وعدد من القوانين ذات الأولوية مثل قانون الأسرة وقانون العقوبات وقانون العمل. ثالثا: تحقيق مساواة رجل - امرأة بدون تحفظ وتعزيز التزامات الدول الإقليمية والدولية، كي تدعم بعضها البعض، وتساهم في إعمال حقوق المرأة القانونية والإنسانية والمساواة بين الجنسين. رابعا: تأسيس نظام سيادة القانون، نصا و قاعدة، ووضع الأطر والآليات والمؤشرات المناسبة لضمان تطبيق القانون. خامسا: وضع نظام مساءلة يسمح بمطالبة أصحاب/صاحبات الواجبات بتحمل مسؤولياتهم نحو أصحاب/صاحبات الحقوق، سادسا: إيصال رسالة المساواة المنشودة إلى المجتمع عبر عمل دؤوب مبني هو الآخر على محاربة التمييز ومعاقبته بالتعاون مع المجتمع المدني ووسائل الإعلام.