هل يمكن فهم كل العناصر التي ترتبط بالفتنة التي حاولت البوليزاريو والجزائر زرعها في مدن الجنوب المغربي بالصحراء..من الصعب ادعاء ذلك في الوقت الراهن. لقد ظل العقل المغربي، السياسي منه والفكري، منذ العاشر من أكتوبر، وهو التاريخ الذي شرع فيه منفذو خطة زرع الفتنة بإقامة مخيم شرق مدينة العيون،حائرا بين تصديق المبررات التي تم التعبير عنها، وبين النوايا الحقيقية للانفصاليين.هذا بالرغم من أن الهدف السياسي لسلوكهم كان واضحا لقلة من المتتبعين، ملتبسا بالنسبة للأغلبية من المعنيين، سواء من أولي الأمر أو من الاعلاميين المغاربة. إن ما هو متعارف عليه في حقل التعبير عن المطالب الاجتماعية هو اللجوء الى النقابات، وفي المجال السياسي يتم استنهاض الأحزاب السياسية،وفي الميدان الحقوقي تضطلع الجمعيات الأهلية والمدنية بما هي مختصة به.وفي المغرب،توجد كل هذه التنظيمات التي لا تترك أي جهد من أجل التعبير عن هذه المطالب.وإذا سلمنا بأن الصحراء المغربية تعرف وضعا استثنائيا بسبب توجه انفصالي توجد أغلبيته في الأراضي الجزائرية، فإن انفصاليي الداخل يتوفرون ، بالاضافة الى الهيآت المذكورة،على المجلس الملكي الاستشاري للشؤو ن الصحراوية،مثلما يتوفرون على شيوخ القبائل واعيان تلك الأقاليم، وبرلمانييهم، من أجل تقديم مطالبهم والنضال ضمن هذه التنظيمات الخاصة لتحقيق تلك المطالب. لكن الهدف الحقيقي الذي لم ينتبه إليه المغاربة، مسؤولين واعلاميين ، الا بعد مدة طويلة استغرقت ما يزيد عن شهر، هو زرع نفس مخيمات تندوف في قلب المدن الجنوبية الصحراوية المغربية، بدءا بالعيون على أن يتم توسيعها في اسمارة والداخلة وبوجدور.واذا كان هذا هو الهدف القريب، فان الغاية البعيدة التي خططت لها الجزائر هي تدويل قضية الصحراء ووضعها تحت المراقبة المباشرة للمنتظم الدولي. والجزائر ومعها الانفصاليون الذين لم يجدوا بعد طريقة يتخلصون بها من القبضة الحديدية للأجهزة الجزائرية، فشلا في فرض ما يسميانه تقريرا لمصير المنطقة. إن منهجية العمل التي لجأ إليها منظمو مخيم « أكديم أزيك» تفصح عن أشياء تثبت هذه الغاية. فهم نظموا المخيم بنفس الطريقة التنظيمية التي تسير بها مختلف المخيمات في تندوف. ثم إنهم أقاموا تنظيمات و»سلطات» تطابق نفس التنظيمات والسلط التي تسود في مناطق الاحتجاز الجماعي للمغاربة الصحراويين بالجزائر.هكذا شكلوا ادارة تحكم المخيم وأقاموا لجانا خاصة للحراسة و»الأمن» والتموين و»الاعلام» و»التفاوض».ومثلما يحتجز البوليساريو المغاربة الصحراويين في تندوف، فقد كان القصد هو احتجاز مغاربة صحراويين وغير صحراويين في أقاليم الصحراء من أجل توظيفهم لمنازعة المغرب في وحدته الترابية والوطنية كي يتنازل على جزء من الصحراء للدولة الجزائرية، تستغله ليكون لها منفذ الى المحيط الأطلسي. كان حلم البوليساريو، والجزائر في حالة ما اذا فشل مخططهم أن تعم الفوضى وتسود الفتنة لزمن يطول، كي يتم توظيف كل ذلك على المستوى العالمي والدولي حقوقيا وسياسيا. وهو ما لم يتحقق لهم، غير أنه ينبغي الانتباه الى أنهم لا يزالون يشاكسون في البلدان التي يسهل تأليب الرأي العام فيها ضد المغرب، وخاصة في البلدان التي تتوفر فيها قدسية حقوق الانسان.وما لغة الاستجداء الاعلامي،ولغة الأكاذيب، ولغة الافتراء و التلفيق التي تمارس الآن، هنا وهناك، سوى واحدة من الاساليب المتعددة التي تلجأ إليها البوليزاريو والجزائر ومن يدعمونهم من الأوساط الاعلامية الاسبانية والجزائرية... لقد انتبه المسؤولون المحليون في مدينة العيون والمركزيون في العاصمة ، متأخرين جدا، لهذا المخطط الخطير والذي لو قدر له النجاح لكان قد قلب الأوضاع في المنطقة جذريا. وتأخر انتباههم هذا يعرضهم للمساءلة قصد استخلاص الدروس التي تفرض نفسها على الجميع...برلمانا وأحزابا ونقابات ومجتمعا أهليا ومراكز بحث وتتبع. وإذا كانت الحكومة قد ظلت مكتفية بحركة وزارة الداخلية، فإن هذا لا يعفيها من المساءلة في موضوع التساهل بخصوص المخيم المشؤوم..والذي شكل منطلقا لمأساة وطنية ذهب ضحيتها شهداء بررة من القوات الأمنية العمومية نتيجة الأوامر الصارمة بعدم استعمالهم للقوة الرادعة. ما وقع في العيون شأن خطير،ولأنه كذلك فإنه يستدعي الجميع الى محاولة إعادة النظر في الكيفية التي يدبر بها شأن الصحراء المغربية، سواء من الزوايا التي تدبر بها الدولة الأمر أو من الأبواب والنوافذ التي تركتها الأحزاب مترعة كي تدخل منها كافة أنواع الرياح.