ترددت أنباء متتابعة ومكثفة حول ما يفيد بوفاة عدد من الرضع بشكل فجائي، وفي تواريخ متقاربة، بأنفكو وآيت مرزوك وتمالوت وقرى مجاورة غيرها، بعضهم فارق الحياة فور ولادتهم، وآخرون تتراوح أعمارهم بين أسبوع وأسبوعين وبضعة أشهر قليلة، إلى جانب وفاة عدد آخر من الأطفال دون سن الثالثة في ظروف غامضة، بترغيست ضواحي أنمزي، ذلك دون ملامسة الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة المرعبة، الأمر الذي كان طبيعيا أن يعود بذاكرة المنطقة إلى أجواء كارثة الوفيات المفاجئة بانفكو خلال عام 2003، والتي تجاوزت أكثر 30 طفلا ظلت التقارير حول أسباب وفاتهم الجماعية متضاربة منذ ذلك الحين. وقد ازدادت المخاوف أمام ما سيحدث مع موسم الثلوج والأجواء الباردة، ولم تمر الأنباء الأخيرة دون أن تخلف هلعا حقيقيا وسط الآباء والأمهات، فضلا عن النساء الحوامل اللائي يخشين فقدان مواليدهن خلال فترة الوضع، فيما أجمعت مكونات المجتمع المدني بأنفكو على ضرورة القيام بما يلزم من إجراءات البحث والتحقيق في أسباب وملابسات الوفيات التي قيل بأنها تجاوزت ال 20 رضيعا وطفلا. مصادر متطابقة عادت للحديث مجددا عن مظاهر التهميش والعزلة، وعن الوضع الصحي الفقير بالمنطقة، والمراكز الصحية المغلقة (دوار تمالوت مثلا)، مما يحمل السكان في كل مرة إلى قطع المسافات الوعرة، إضافة إلى قلة عدد الأطر الصحية والطبية، وكم من النساء الحوامل اللائي يجبرهن الواقع السائد على التنقل، على الدواب في غالب الأحيان، إلى أقرب مستوصف، أو إلى تونفيت أو ميدلت أو خنيفرة، من أجل الفحص أو الوضع، في حالة ما لم يجدن من خيار آخر عن وضع مواليدهن تحت سقف منازلهن. هذه المعطيات والأنباء استقبلتها مصالح الصحة بإقليمي ميدلت وخنيفرة باندهاش واستغراب كبيرين. وبخنيفرة، كشفت مصادر طبية من المندوبية الإقليمية لوزارة الصحة في تصريح خصت به «الاتحاد الاشتراكي» أن موضوع الوفيات لا أساس له من الصحة، سيما الرقم الذي تناقلته بعض المنابر الإعلامية ببلادنا، واصفة إياه ب»شكل من أشكال التهويل»، كما أكدت توجه لجنة طبية إلى المناطق المعينة بأنفكو وآيت مرزوك وترغيست، للتحقيق في الوضع الصحي، ومعاينة حالات من بين الأمهات الحوامل، والتأكد من حقيقة وفيات الرضع، ووقفت على حالات مصابة إما بالإسهال الحاد أو أعراض ملموسة، ورجحت نتائج التحري أن تكون المشاكل المرضية لها علاقة بمياه الوديان الملوثة، إذ يعاني سكان المنطقة من انعدام مياه صالحة للشرب، ويجبرهم ذلك على استعمال مياه الوادي التي تقذف فيه مياه الصرف الصحي. وقد أشارت مصادرنا إلى مواطنين من المنطقة امتنعوا عن السماح بتمرير قنوات الماء الشروب فوق أراضيهم. اللجنة الطبية أفادت، حسب مصادرنا، أن حكاية وفاة ثلاثة رضع بدوار ترغيست سببها الإجهاض، على خلفية ما يعرف ب»زواج الأقارب»، ولم تقم المعنيات بالأمر باستشارة المراكز الصحية، فضلا عن ظروف الحمل بمناطق لا تخضع فيها النساء لتتبع طبي منتظم، بسبب المسافة البعيدة بين الدواوير والمراكز الصحية، إضافة لجهل النساء بشروط الحمل والولادة، وبضرورة تتبع حالتهن الصحية أثناء فترة الحمل. وفي هذا الإطار لم يفت مصادرنا التركيز بقوة على برنامج «أمومة بدون مخاطر»، وعلى ما تؤكده وزيرة الصحة، ياسمينة بادو، من «أن المغرب جعل من تقليص وفيات الأم والطفل قضية وطنية»، ولم يفت مصادر مندوبية خنيفرة الكشف عن تقرير أنجزته اللجنة وبعثت به للوزارة الوصية، وضمنه إشارة إلى ثلاثة رضع فارقوا الحياة، أحدهم بسبب جهل الأم لطريقة الرضاعة، والآخران أصابهما مرض ولم يتم نقلهما للمركز الصحي نتيجة التخلف السائد، فضلا عن عدم عرض النساء أطفالهن على الطبيب والممرض المختصين بالمراكز الصحية، بحسب رأي مصادر مندوبية خنيفرة، علما بأن التجهيزات، حسب ذات المصادر، متوفرة والمراكز والمستوصفات موجودة بأنفكو وتونفيت وبواضيل وترغيست وأكديم ولكاغ وأنمزي، كما لم يفت مصادر مندوبية خنيفرة التأكيد على أن قرى تونفيت (بينها انفكو) لم تعد تربطها بمندوبية خنيفرة أية علاقة بعد إحداث إقليم ميدلت وضمها إليه. وبينما سكان أنفكو، ومناطق أخرى مجاورة، يشددون على أن أنباء الوفيات صحيحة وكارثية، مع استنكار ما يصفونه ب»الغياب التام للسلطات المعنية، والجهات المسؤولة على القطاع الصحي»، للوقوف على بشاعة المأساة، انتقدت مصادر طبية من المندوبية الإقليمية لوزارة الصحة بخنيفرة «تقاعس بعض الجمعيات في مجال التحسيس والتوعية الصحية»، فيما رأت بالتالي أن موضوع «الوفيات» مجرد مزايدات من طرف عناصر سياسوية، وأخرى ألفت الضغط والمتاجرة ب»اسم أنفكو» في سبيل الحصول على المزيد من الامتيازات والمكاسب، سيما أثناء الاستعدادات الجارية ترقبا لزيارة ملكية للإقليم، وقد سبق لجلالة الملك أن قام عام 2008 بزيارة للمنطقة، وحرص جلالته على معاينة منجزات مؤسسة محمد الخامس للتضامن، في إطار «العملية الإنسانية تونفيت»، لمساعدة السكان في وضعية صعبة، خاصة الأمهات وأبناءهن، وترأس بأنفكو حفل التوقيع على ثلاث اتفاقيات شراكة لفك العزلة عن المنطقة، تهم مجالات الاتصالات والبنيات التحتية الطرقية، وجرى التركيز، خلال هذه المرحلة، على ضمان ولوج السكان المحليين إلى الخدمات الطبية الأساسية وفك العزلة، وتميزت الزيارة الملكية بحرص جلالة الملك محمد السادس على قضاء عطلة نهاية الأسبوع بقرية أنفگو. وقد اعتبرت المحطة أول زيارة ملكية منذ حصول المغرب على استقلاله.