حينما قرأت خبر وفاة الصديق نورالدين كشطي على صفحة الصديق الشاعر عدنان ياسين على الفايسفوك، وقفت مشدوها أمام هشاشة الموت. أخذتني صور الذكريات إلى عين السبع وإلى تجربة مشتركة مع الصديق نورالدين وأصدقاء آخرين إلى منتصف تسعينيات القرن الماضي، حين أسسنا جمعية دار الوصل للابداع والثقافة وانتخبناه رئيسا لها. كان شريط الذكريات يمر أمامي بتلك الصور الكثيرة لتلك التجربة التي شكلت وقتها حدثا بامتياز في عين السبع. جماعة من اليساريين والفوضاويين وآخرين دون انتماء منهم من كانت له تجربة في الأندية السينمائية في عز أيامها كالمرحوم نور الدين والجمالين، نسطاس وزيد. وكانت سينما بوليو شاهدة على شغبهم وشغفهم، وأصدقاء آخرون تشبعوا بتجربة الحركة الطلابية في كلية الآداب الرباط منهم عبد ربه، يوسف لهلالي، عبد الله أمسقر. في حين كان أصدقاء آخرون قد تربوا في تجربة العمل الحزبي وتجربة رفاق الشهداء كحسن إيفنا، ادريس الصمغور والفوضوي المشاغب الصديق جمال زيد، دون أن أنسى المحجوب الشكواني، خالد جبري وسعيد بحاتي، وطبعا قيدومنا محمد الزاهر. كانت عين السبع وقتها تئن تحت الفراغ الثقافي وتحت عبث تجربة جماعية لم تزدها إلا هما كما الدارالبيضاء. كان تأسيس هذه الجمعية بمثابة قطرة في بركة آسنة في حي سكني مليء بالتناقضات. من جهة السيال وفيلله الكبيرة وذكريات النصارى الذين استوطنوه، والفضاءات الخضراء، بير بولحية، المنابت و الجدرادي، حيث الشابو والمياه الكثيرة التي حولت المنطقة إلى جنة، وطبعا كاريانات هنا وهناك كانت بمثابة الاحتياطي الانتخابي لزعيم عين السبع. دون أن أنسى لينا بارك التي كانت شاهدة على طبخاتنا مع السيد الرئيس وأحيانا ضده. ورغم ذلك كان يدبر تناقضاتنا بابتسامته ونرفزته أحيانا التي تشبه أهل بركان الطيبين. استطعنا بفضل هذه التجربة أن نفرض احترام العديد من المؤسسات في مقدمتها جماعة عين السبع، لأن رئيسها آنذاك لحسن حيروف كان على علم بأحلامنا وشغبنا واقنتع بعدم قدرته على احتوائنا، لذلك فتح لنا باب مكتبه وساند العديد من أنشطتنا. نظمنا عدة نشاطات في مجالات مختلفة، وأتذكر كيف أن المشاغب جمال وهو يحاول استفزاز المرحوم نوالدين يقنعنا بإدراج نشاط سينمائي حتى لا يغضب منا السيد الرئيس رحمة الله عليه. كانت لحظات جميلة عشناها من خلال تلك التجربة. وحتى عندما انقلبنا على رئيسنا وألغينا منصب الرئيس كان يبتسم في وجهنا وبقينا على توادد كبير وبرمجنا نشاطات سينمائية أوكلنا له مهمة تدبيرها، وكانت بحق نشاطات ناجحة. منذ أن غادرت إلى ألمانيا لم ألتقيه إلا عبر صديقنا المشترك الفايسبوك الذي شاء أن ينقل لي رحيله. رحمة الله عليك يا نور الدين، وعين السبع التي كنت تحبها أكيد أنها ستصبح موحشة. كم أنت هش أيها الموت، خاصة إذا جئت عن طريق حادثة سير جبانة!