نظمت الجمعية المغربية لعلم الاجتماع خلال يومي الجمعة و السبت 25 و 26 يونيو 2010 بالرباط، ورشة علمية كبرى حول الإنتاج السوسيولوجي بالمغرب، و هي الورشة التي شاركت فيها نخبة من الأساتذة و الطلبة الباحثين في السوسيولوجيا، الذين قدموا عروضا عن مساراتهم العلمية و رسائلهم و أطروحاتهم المنجزة داخل المغرب و خارجه. و يعد هذا اللقاء الأول من نوعه، في تاريخ الممارسة الجمعوية العلمية بالمغرب، و ذلك بالنظر إلى المقاربة المعتمدة في تدبيره، و التي ألح المنظمون على ارتكانها إلى ثقافة الاعتراف و الأصوات المتعددة، فقد استمع المشاركون إلى بعضهم البعض، و تعلموا من بعضهم البعض، في مساءلة التجربة البحثية و التفكير في أدوات الاشتغال و خلاصات الأعمال المنجزة. فقد قدم المشاركون القادمون من مختلف الجامعات المغربية و الأجنبية أزيد من 70 عرضا عن أبحاث أنجزت حول المغرب وفق تيمات و مقاربات متعددة، لم تلغ الاعتراف لدى الجميع بأن الدرس السوسيولوجي بالمغرب ما زال في بدايته، و أن ثمة مناطق ظل كثيرة لم تتأت تغطيتها علميا لحد الآن، و أن هناك بالمقابل مناطق و مواضيع أخرى أشبعت درسا من قبل الباحثين إلى درجة «التخمة». ثقل القروي من خلال تتبع العروض المقدمة خلال هذين اليومين الدراسيين، بدا واضحا أن السوسيولوجيا المغربية آخذة في التحرر من ثقل القروي، أي من الحضور القوي لفرع السوسيولوجيا القروية كمبحث مؤطر و حاضن لكثير من الاشتغالات، فثمة فروع جديدة تم اقتحامها بحرفية عالية من قبل الباحثين السوسيولوجيين، فلم يعد القروي هو الأكثر حضورا في المتن السوسيولوجي المغربي و لم تعد ثلاثية القبيلة، الزاوية و المخزن، هي الأكثر استحواذا على اهتمام الباحثين، خصوصا الباحثين الجدد الذين وجدوا في سوسيولوجيا الإعلام و الانحراف و التنظيمات و الشغل و الاقتصاد و المقاولات مسارات مثلى لتجريب خطاطات البحث و السؤال. و هو ما أوضحه الدكتور مصطفى محسن خلال إدارته للجلسة الأولى من أشغال هذا اللقاء، الذي مست فيه مشاركات الباحثين السوسيولوجيا القروية والسوسيولوجيا السياسية و السوسيولوجيا الاستعمارية و سوسيولوجيا التنمية و السوسيولوجيا الحضرية و سوسيولوجيا الثقافة و الإعلام و سوسيولوجيا الدين و سوسيولوجيا التربية و سوسيولوجيا الانحراف و سوسيولوجيا التنظيمات... لكن و بالرغم من هذا الانفتاح على تيمات جديدة متحررة من ثقل القروي، فما زالت مسألة التغطية العلمية لكافة القضايا و المجالات المغربية مؤجلة، فإذا كانت مناطق قد استهدفت كثيرا بالدرس السوسيولوجي من طرف عدد من الباحثين، فإن مناطق أخرى لم تعرف إلا دراسات قليلة، أو أنها لم تستهدف بالمرة، و بقيت مندرجة في إطار مساحة البياض و الصمت. سوسيولوجيا السوسيولوجيا لقد مورس خلال هذا اللقاء العلمي نوع من النقد السوسيولوجي للممارسة، و ذلك في إطار ما يسمى بسوسيولوجيا السوسيولوجيا، و ذلك بالتفكير رأسا في حدود المنتوج و صيغ إنتاجه بالنظر إلى مقتضيات العقل السوسيولوجي، كما أثيرت في ذات السياق مسألة الحدود الواقعية أو الوهمية بين السوسيولوجيا و الفلسفة، و كذا بين السوسيولوجيا و باقي العلوم الشقيقة و الصديقة الأخرى و هو ما ناقش قويا الدكتور عبد الله الحوزي من جامعة بن طفيل بالقنيطرة. ممارسة السوسيولوجيا على السوسيولوجيا انطلقت أولا مع أثاره الدكتور عبد الغني منديب من جامعة محمد الخامس بالرباط، في اليوم الأول، من نقاش معرفي حول البراديغمات المهيمنة آنا على البحث السوسيولوجي و التي تتوزع برأيه على براديغمين دالين على الأقل، الأول منهما ينتصر للتخصص السوسيولوجي و القطع مع الدراسات الشمولية، و الثاني يعتبر المدخل الرئيس لإنتاج سوسيولوجيا عميقة قائما بالضرورة في تعدد الاختصاصات و تقاطعها. سوسيولوجيا الأفراد قبلا انتبه الأستاذان عبد الفتاح الزين و أحمد شراك، و هما يستجمعان بيبيليوغرافيا الإنتاج السوسيولوجي بالمغرب، إلى أن السوسيولوجيا هي مشاريع أفراد لا جماعات، و أنه ينذر وجود سوسيولوجيا بصيغة الجمع في المتن المغربي. هذا الوضع الملتبس و غير المقبول في ظل ارتفاع الطلب على السوسيولوجيا، هو ما دفع الجمعية المغربية لعلم الاجتماع إلى الدخول في هكذا رهان، فقد أوضح نائب الرئيس الدكتور عمر بنعياش في الجلسة الافتتاحية بأن آل علم الاجتماع بالمغرب ظلوا يعملون في معزل عن بعضهم البعض دون تعارف و تنسيق فيما بينهم. وأملا في تجاوز حالة الشتات، فقد آثرت الجمعية، يقول بنعياش، تنظيم هذين اليومين لاستعراض الأبحاث المنجزة داخل المغرب و خارجه، خلال العقود الثلاثة الأخيرة، لإتاحة الفرصة لبناء و تقوية الروابط بين الباحثين، و الانتقال بالتالي من سوسيولوجيا الأفراد إلى سوسيولوجيا بصيغة الجمع. أصوات متعددة جدير بالذكر أن هذين اليومين الدراسيين نظما بمركز اللقاءات و التكوينات بحي النهضة بالرباط، و ذلك بدعم من وزارة التربية الوطنية و التعليم العالي و تكوين الأطر و البحث العلمي، و قد حضره أزيد من 100 مشارك من أساتذة علم الاجتماع بجامعات الرباط و فاس و تطوان و القنيطرة و مراكش و الجديدة و المحمدية و الدارالبيضاء، و كذا من الطلبة الباحثين في سلكي الماستر و الدكتوراه من ذات الجامعات، هذا فضلا عن عدد من الأساتذة الباحثين في العلوم السياسية و الجغرافيا و التاريخ و الفلسفة، و الذين أجمعوا على أهمية هذا اللقاء و ضرورة الانتقال به إلى مستوى الطقس الاعتيادي في اشتغالات الجمعية، اعتبارا لكونه اللقاء الأوحد الذي كانت فيه ثقافة الأصوات المتعددة هي الأكثر بروزا، بدل ثقافة الصوت الواحد التي لا تفيد بالمرة في إغناء و تطوير المشروع السوسيولوجي بالمغرب. يذكر أخيرا أن الجمعية المغربية لعلم الاجتماع تأسست سنة 1973 من قبل عدد من المنشغلين بالهم السوسيولوجي، و ذلك بهدف توحيد الجهود و تشجيع البحث المعرفي في قضايا المجتمع، و يرأس الدكتور محمد جسوس الجمعية التي يتكون مكتبها الوطني أيضا من عمر بنعياش و محمد المرجان و عمار حمداش و محمد الشهب و المختار الهراس و الزهرة الخمليشي و لحسن خوخو و محمد عبد ربي و عبد الله محسن.