يؤكد محمد الأمراني عضو المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل إبان الإضراب العام لسنة 1981 بأن الدولة كانت ترغب في القضاء على النقابة وعلى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في نفس الآن وشدد على أن الضغط الدولي حال دون إرسال مسؤولين إلى تزمامرت وموضحا كذلك في الحوار الذي أجريناه معه بأن عدة مقابر جماعية أقيمت للشهداء في سرية تامة. ما هي سياقات إضراب 20 جوان 1981؟ في الحقيقة لم تكن هناك عدة سياقات ،كما ادعى البعض ،إذ كان السياق الوحيد هو الدفاع عن حقوق الجماهير الكادحة بعد القرار الذي اتخذته الدولة في الزيادة في أثمان المواد الأساسية :كالسكر ،الخبز، الزيت، والزبدة...وهي زيادات أثقلت كاهل الجماهير الشعبية وزادت من محنتها في مواجهة المعيش اليومي ،وكان لابد للنقابة أن تدافع عن عموم الكادحين والمأجورين.وهذا هو السياق الحقيقي. أليس هناك تداخل بين السياسي والنقابي في الإضراب؟ في الحقيقة أن هناك جدلية بين السياسي والنقابي، لأن الأهداف واحدة وهي الدفاع عن الطبقات المحكومة:الطبقة المتوسطة والطبقة الكادحة،ثم أن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل كانت قد دعت جميع القوى الحية بالبلاد ،من احزاب سياسية تقدمية وجمعيات ونقابات، لأن تقف وقفة واحدة من أجل التراجع عن قرار الحكومة وإرجاع الأمور إلى نصابها.أما قرار الإضراب فقد كان قرار المنظمة النقابية ،أي قراراً مستقلاً .في هذا السياق أشير إلى أن الاتحاد المغربي للشغل قد لبى دعوة الكونفدرالية ، إلا انه دعى إلى الإضراب منفرداً ،أي يوم 18 يونيو، ومع ذلك تم اعتقال العديد من الكونفدراليين :37 قبل إضراب 18 يونيو و 80 قبل الإضراب العام. اتهم الحزب والنقابة بعدم القدرة على تأطير الإضراب. ما رأيك؟ قبل الإضراب تبينت نوايا الحكومة في التعامل مع قرار الإضراب.فمن جهة لم تستجب لأية دعوة للحوار،و من جهة اخرى تجاهلت كلية الإضراب،وهذا كان مؤشراً واضحاً لنية التصعيد الذي كانت تعتزم الحكومة القيام به من اجل إجهاض الإضراب العام وتحويله من إضراب حداثي ومسؤول إلى إضراب فوضوي وتخريبي ستساهم فيه أجهزة الأمن ،بكل تأكيد، لتبرير مخططها من اعتقالات وتقتيل وسط الجماهير على العموم والطبقة العاملة على الخصوص، بعد النجاح الهائل الذي حققه الإضراب العام في الساعات الأولى من صبيحة 20 يونيو، إذ دفعت آجهزة الأمن بالعناصر المخربة بالشوارع والأزقة لتحويل النجاح إلى كارثة وظفتها وزارة الداخلية لتبرير المذبحة التي ستشهدها مدينة الدارالبيضاء وهي شبيهة بمذبحة 1965. البصري حدد عدد القتلى في 66 ،بينما ثبت بأنهم بالمئات، كيف تعاملتم مع ملف الشهداء؟ بالفعل كانت هناك المئات من القتلى وقد تمكنت اجهزة الأمن من إخفاء الحقيقة، وذلك بدفن القتلى كمجموعات في أماكن خفية حتى لا تطلع عليهم عائلاتهم.وهذ الغموض جعل الكثير من العائلات تتأخر في إبلاغنا بالواقعة،ثم أنه في الأيام الأولى من بعد الإضراب كانت الاعتقالات متوالية والأجهزة النقابية معتقلة والمقرات مغلقة،لهذا كان من الصعب تحديد عدد القتلى وبالتالي القيام بالإجراءات الضرورية في مثل هذه الحالات. اعتقلتم بمعية الأموي والمرحوم عبد الرحمان شناف وعبد الكبير البزاوي. كيف كانت ظروف الاعتقال في صبيحة يوم السبت 20 يونيو 1981 ؟ تم استدراج الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل الأخ نوبير الآموي إلى مقر العمالة ،وكأن الأمر يتعلق بفتح حوار مع عامل مدينة الدارالبيضاء في شأن الإضراب،وبعد ساعات طوال من الانتظارتم إلحاقي إلى مقر العمالة مع كل من الأخ شناف عبد الرحمان رحمه الله والأخ بزاوي لكبير، وضعنا في مكتب منعزل على أساس الانتظار لإلحاقنا بالكاتب العام لمسايرة الحوار، إلا أ ن الأ مر ،في النهاية ،كان يتعلق باعتقال فعلي ،وبالفعل تم تنقيلنا إلى مقر الشرطة المعاريف ،حيث تعرضنا لتعذيب نفسي على الطريقة الأمريكية لمدة خمسة عشرة يوماًدون ان يعرف احد مكاننا.لقد كان من المقرر أن ننقل إلى مكان مجهول كتازمامرت مثلاً إلا أن الضغوطات الخارجية حالت دون ذلك ونقلنا إلى سجن غبيلية. لا بد من الإشارة هنا إلى أن الدولة كانت ترغب بالفعل في القضاء، ليس فقط على الكونفدوالية الديمقراطية للشغل، بل أيضاً على حزب القوات الشعبية ،الاتحاد الاشتراكي، وهكذا تم اعتقال كل من المرحوم مصطفي القرشاوي، رئيس قسم التحرير بجريدة المحرر والأستاذ كرم ،كما تم اعتقال المرحوم عبد الله المستغفر ،الكاتب العام للنقابة الوطنية للتجار الصغار والمتوسطين، بالإضافة إلى كل ذلك، تم توقيف جريدة المحرر. كشفت لجنة المصالحة عن مقبرة سرية ،هل كنتم في النقابة على علم بذلك؟ ما كنا متأكدين منه هو سقوط مئات القتلى على أىدي مختلف المصالح ،ورغم اعتقال أغلب مسؤولي النقابة والحزب فقد تتبع المناضلون والمناضلات تفاصيل القتل وهيأوا معطيات عن ذلك ،والمؤكد أن ضحايا 81 دفنوا في مقابر جماعية في أكثر من مكان،وفي سرية تامة وأحيانا ليلا، وذلك لتفادي الضغط الوطني .واليوم سار جزء مهم من الحقيقة متجليا في انتظار حقائق أخرى.