مما جاء في هذا الكتاب الجميل والمثير: « ارتبطت العطور والروائح في كثير من الثقافات بالممارسات الدينية، وثمة فقرات لا حصر لها عن الروائح وردت في العهد القديم والجديد. فقد ورد في سِفر الخروج أن الرب أمر النبي موسى بقدح البخور في الخيمة المقدسة، كما غسلت مريم المجدلية قدمي يسوع المسيح بالمِرّة ثم جففتهما بشعرها. وفي نشيد الإنشاد بالعهد القديم يصف العريس عروسه بأوصاف وتعابير مشتقة من الروائح الزكية والزهور. وفي الحضارتين الفرعونية والإغريقية كانت القرابين المقترنة بإطلاق البخور وسيلة لاسترضاء الآلهة وشفاء المرضي. كما أمر الإمبراطور الروماني نيرون بحرق أطنان من البخور لتتمكن روح بوبايا من العبور بأمان إلى الحياة الآخرة. وكانت كليوباترا، ملكة مصر، والإمبراطورة جوزفين، زوجة نابليون بونابرت، تتعطران بشكل دائم بالمسك والياسمين وعطور فواحة أخرى. كما انتشر «التداوي بالعطور» لعلاج الأمراض النفسية والعقلية والجسمية منذ أقدم العصور، فقد نصح هوميروس - مؤلف الإلياذة والأوديسة- الناس في زمانه بأن يحرقوا الكبريتات في منازل المرضى، واقترح أبُقراط - الطبيب اليوناني الشهير- مكافحة الطاعون بحرق أعواد الأشجار. وفي مسرحية شكسبير «هاملت» المعروفة أمر الملك ليرى خدمه أن يجلبوا له طيب السنور ليستنشقه فتذهب عنه الكآبة والأفكار السوداء. وقد لعب الشم دوراً تاريخياً فى مجال الطب إذ كان الأطباء يُشخصون الأمراض من رائحة أجساد مرضاهم. ومن الأطباء من نصح المرضى بشم روائح الزهور مما لها من تأثير فعال على الجهاز العصبي وخاصة روائح خشب الصندل والبابونج التى تساعد على الاسترخاء. وبمعزل عن العمليات الفسيولوجية المرتبطة بالشم فإنّ الروائح تؤثر على العلاقات والتقاليد والتواصل الاجتماعي، وبدون الشم تفقد حياتنا الكثير من جمالها وبهجتها. ولكل إنسان «جواز سفر شمي» يميزه عن غيره، وتلعب جوازات السفر الشمية دورًا محورياً فى تشكيل الشبكة العنكبوتية الاجتماعية التى تربط الناس بعضهم ببعض كما تساعد الرُّضع على التعرف على أمهاتهم من روائح أجسادهن».