احتضنت المكتبة الوطنية بالرباط صباح أمس الأربعاء، انطلاق أشغال يوم دراسي هام حول موضوع «محمد الخامس -دوغول: من نداء لآخر»، بمشاركة أكثر من 300 مشارك، ضمنهم عدد من المتدخلين والمناقشين، من خلال أربعة محاور رئيسية: «القصة التاريخية وأبعاد نداء السلطان محمد بن يوسف يوم 3 شتنبر1939 » و«العلاقات الفرنسية المغربية من خلال الأرشيفات الدبلوماسية الفرنسية ما بين شتنبر1939 و18 يونيو1940» و«دوغول ومحمد الخامس ما بين 18 يونيو 1940 و18 يونيو1945» و«محمد الخامس: من مؤتمر أنفا إلى خطاب طنجة». مثلما حضر أشغال اللقاء، نخبة من تلاميذ المستوى الثانوي الذين يمثلون الشبيبة المدرسية المغربية والشبكة التربوية الفرنسية في المغرب. علما أن نداء الملك محمد الخامس كان حول انخراط المغرب بوعي في الحرب ضد النازية إلى جانب الحلفاء، فيما نداء دوغول هو من أجل مناهضة حكومة فيشي المتحالفة مع النازية، وإنهاض الروح الوطنية الفرنسية للمقاومة. الندوة، هذه، تميزت بإلقاء رسالتين موجهتين من كل من جلالة الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، بصفتهما الراعيين والمبادرين لتنظيمها، في سياق الاحتفاء بذكرى نداءي الزعيمين التاريخيين، الملك الوطني محمد الخامس وزعيم فرنسا الحرة الجنرال شارل دوغول. ولعل النقط الأكثر قوة في الرسالتين، ليس فقط، التذكير بالأهمية التاريخية للزعيمين ودورهما في صناعة المصائر الأخصب لبلديهما، منذ انخراط المغرب رسميا وشعبيا في صف الحلفاء للدفاع عن قيم الحرية والعدل والديمقراطية والحداثة ضدا على قيم النازية والتطرف والعنصرية والإنغلاق.. بل إن قوة الرسالة الملكية أيضا، هي في تنصيصها على أن البلدين قررا منذ ذلك التاريخ الحاسم في صناعة المصائر الجديدة للعالم وللعلاقات الدولية « بناء مصير مشترك، مكننا (يقول جلالته) اليوم من بلورة شراكة متميزة. كما أن تقاسم نفس قيم الصداقة، والتعاون والتضامن، والتشبع بالديمقراطية والانفتاح، والاحترام المتبادل لمقومات بلدينا، كل هذه القيم التي نتشبث بها، جعلت المغرب يتبوأ مكانة شريك متميز في علاقاته الاستراتيجية بفرنسا، ووضعا متقدما في روابطه النموذجية بالاتحاد الأوروبي، وفاعلا أساسيا في الفضاء الأورو- متوسطي والإفريقي». مضيفا في ما يعتبر التزاما بصنع مستقبل أفضل للمغرب وللمغاربة، ضمن خريطة العلاقات الدولية، أن جلالته ما فتئ يعمل سويا مع الرئيس نيكولا ساركوزي «على ترسيخ الارتقاء بها (أي العلاقات بين البلدين) للمكانة الرفيعة لشراكة استراتيجية، لما فيه خير شعبينا الصديقين، وصالح تعاونهما البناء، سواء في المجال الثنائي، الذي هو موضع ارتياحنا الكبير واعتزازنا البالغ.. أو على الصعيد الجهوي، بتضافر جهودنا في نطاق الاتحاد من أجل المتوسط، أو لتنمية واستقرار إفريقيا، ووحدة بلدانها، وخاصة بجوارنا المباشر المغاربي، وببلدان الساحل.. أو على الصعيد الدولي، للإسهام معا في انبثاق حكامة عالمية أكثر إنسانية وإنصافا وتضامنا». والرسالة السياسية هنا واضحة. أهمية اللقاء العلمي، هذا، تأتي أيضا، من أنه فرصة للوقوف عند إبراز أهمية التراكم السياسي للعلاقات الدولية للمغرب، كدولة ذات سيادة وتراكم في عملها الديبلوماسي على مدى قرون، بالشكل الذي جعلها تكون دوما في الموعد مع اللحظات المفصلية في إحداث التحول في نظام العلاقات بين الدول عالميا، من قبيل مؤتمر أنفا، أو رفض قرارات حكومة فيشي ضد اليهود المغاربة، أو مشاركة الجنود المغاربة بشرف، في أشرس معارك الحرب العالمية الثانية بإيطاليا وفرنسا وبلجيكا. واليوم من خلال دورها المغاربي والمتوسطي والإفريقي.