قريبا سيصبح بإمكاننا أن نشاهد المواطنين وهم يدحرجون كرة القدم أمامهم في كل مكان، أمام محطات وقوف الحافلات أثناء انتظارهم وصولها، وبمواقف سيارات الأجرة بصنفيها الكبير والصغير، وحين تَعطّل أو تأخر القطارات، وبقاعات الانتظار ، سواء بالمستشفيات أو الإدارات العمومية المختلفة وحتى أمام «الكوميساريات»، فالطوابير الطويلة من المواطنين لن تبقى ضحية الملل أو يصاب الواقف بها في انتظار دوره بالحنق ، مادام سيكون مرفوقا بكرة تؤنسه وتساهم في إضفاء البهجة ، ولِمَ لا الفرح ، على نفسه! من اليوم فصاعدا لن يعير المرؤوسون زعيق رؤسائهم أدنى اهتمام وهم ينفعلون عليهم لأبسط الأسباب أو لمجرد محاولة ممارسة بعضهم «ساديته» عليهم. نفس الأمر سيسري على صبية الورشات الحرفية والصناعية فما أن «يطليهم» صاحبها بوصفة من التوبيخ والتقريع وينتهي منها حتى يمكنهم أن يسارعوا إلى أقرب مساحة فارغة لتقاذف الكرة هنا وهناك لإفراغ شحنة الغضب التي يمكن أن تتولدهم! المعطلون أمام قبة البرلمان، المطرودون من العمل لأسباب نقابية والمسرّحون من المعامل والمصانع، قاطنو دور الصفيح وسكان الدور المتداعية للسقوط، المنزعجون من قطاع الطرق ومن ضجيج السكارى وهلوسة «المقرقبين»، أصبح بإمكانهم أن يتجاوزوا الشعور بالحنق أو الدونية، وكل المشاعر التي لاتولد إلا الاكتئاب، فقد أكدت دراسة طبية حديثة أن لاعبي كرة القدم هم الأشخاص الأقل عرضة للإصابة بنوبات اكتئاب، حيث لوحظ أن هذه الرياضة الجماعية تقلل من أعراض الاكتئاب حال الإصابة به بين ممارسيها، وهو ما يعبد الطريق لتطوير أسلوب علاج فعال لعلاج هذا الداء! أبحاث/تجارب أجريت على 104 أشخاص تراوحت أعمارهم ما بين الثامنة عشرة والأربعين عاما حيث تم تقسيمهم إلى 3 مجموعات، مارس أفراد الأولى نشاطا رياضيا في الوقت الذي شارك فيه أفراد الثانية في عدد من مباريات كرة القدم للهواة بينما أفراد المجموعة الثالثة لم يمارسوا أي نشاط رياضي. والنتيجة التي توصل إليها الخبراء بعد تقيييم حالة أفراد المجموعات الثلاث الصحية والنفسية قبل وأثناء وبعد ممارستهم للنشاط الرياضي ولكرة القدم على مدى ثمانية أسابيع ، تبين أن الأشخاص الذين مارسوا لعبة كرة القدم بصفة خاصة ونشاطا رياضيا بصفة عامة تراجعت بينهم بصورة كبيرة ظهور أية أعراض نفسية! حل/إجراء يبدو ملحا في مجتمعنا اليوم سيما مع تكاثر أسباب «الفقصة» وعواملها في كل مكان سواء بسبب الفقر أو العطالة أو تراجع القدرة الشرائية والارتفاع الصاروخي لأثمنة المواد الاستهلاكية مقابل تدني الأجور وأمام معضلة السكن والحاجة إلى الصحة والتطبيب ... واللائحة طويلة من المطالب الملحة التي تكفي فقط الإطلالة عليها وجردها للإصابة بالاكتئاب فبالأحرى المعاناة من إحداها، أما كلها فذاك أمر آخر. وعليه يتعين من الآن فصاعدا أخذ نتائج الدراسة بعين الاعتبار ليس بالضرورة حبا في الكرة ولكن لدواعي «صحية»، والعمل على إطلاق حملة وطنية تحت شعار «كرة لكل مواطن»، يفرغ فيها مكبوتاته وتهدئ من روعه وغضبه، وربما تمنحنا الفرصة لاكتشاف لاعبين في المستوى الجيد يمكن أن نستعين بخدماتهم لتشكيل منتخب وطني والبحث عن ألقاب ضيعتها خيبة السابقين.. فربما الخير قد يأتي مع اللاحقين!