قبل أيام، نشرت المجاهدة جميلة بوحيرد رسالتين جد معبرتين، الأولى موجهة إلى الرئيس الجزائري، والثانية إلى الشعب الجزائري، اشتكت من خلالهما من حالها ووضعيتها الاجتماعية، مؤكدة أنها تعاني من عدة أمراض وفي حاجة للعلاج، وأن المنحة المالية التي تحصل عليها كمجاهدة غير كافية لتسديد مصاريف عيشها، فكيف لها أن تغطي تكلفة علاجها في فرنسا؟ جميلة بوحيرد! من لا يذكر الجميلة جميلة (بالمعنى النضالي للنعت وللاسم الشخصي)؟ جميلة، البالغة من العمر الآن 74 سنة، صارت بذكرها الركبان وتحولت إلى أيقونة ثورية وعمرها لا يتجاوز 20 عاما. حينها، كانت من رواد «معركة الجزائر العاصمة» التي اندلعت بين مجموعة من المجاهدين من جهة، وبين الإدارة الفرنسية الاستعمارية. كانت جميلة تتقن زرع القنابل في الأماكن حيث يتردد الفرنسيون من أنصار «الجزائر الفرنسية» بالعاصمة، بل ساهمت في مواجهات مسلحة مع جنود الاحتلال.. وفي إحدى تلك المواجهات، اعتقلت سليلة حي القصبة بعد إصابتها بجروح بليغة، تعرضت لأبشع أنواع التعذيب الهمجي وصمدت في وجه الغيلان المكلفين بانتزاع اعترافات منها حول هوية ومسؤوليات رفاقها المجاهدين. حكم إعدام جميلة لم ينفذ، ذلك أن الضغط وتعبئة الرأي العام الفرنسي والدولي ضده كانا عارمين بفضل محامين فرنسيين كبار من بينهم جاك فيرجيس الذي ستتزوجه المجاهدة الشابة بعد الإفراج عنها سنة 1962 . خالدة جميلة في الذاكرة. مثلما هي خالدة في الإبداع، في قصيدة بدر شاكر السياب ذات المائة بيت التي تقول: «إنا سنمضي في طريق الفناء/ ولترفعي أوراس حتى السماء/ حتى تروّى من مسيل الدماء/ أعراق كل الناس كل الصخور/ حتى نمسّ الله/ حتى نثور». جميلة بوحيرد، التي أدت شخصيتها بإتقان الممثلة المصرية ماجدة في الشريط الذي أخرجه حول ملحمتها يوسف شاهين، كتبت لبوتفليقة تقول: «لم أتخيل يوما أن أعزز مداخيلي بطرق غير شرعية أصبحت للأسف منتشرة في بلدي». جميلة التمست المساعدة كذلك من الشعب الجزائري، في رسالة ثانية، لأنها مريضة وعليها إجراء 3 عمليات جراحية خطيرة وجد مكلّفة «لا يمكنني التكفل بها»، معلنة أنها رفضت عروضا سخية من بعض أمراء الخليج للقيام بذلك. وبوحيرد تنتظر في جناح المحكومين بالإعدام تنفيذ الحكم ضدها في نهاية خمسينيات القرن الماضي، انهالت الرسائل على الأمين العام للأمم المتحدة حينها، واردة من كل بقاع العالم، وهي تكرر ذات الجملة الإنسانية: « أنقذ جميلة». وها هو الزمن العربي الرديء، المتنكر للبطولي فيه والمنتصر للرداءة والرديئين، يفرض علينا اليوم أن نصيح: «أنقذوا جميلة»، أنقذوا «فتاة من قسطنطينية لم تعرف شفتاها الزينة» وفق توصيف نزار قباني لها.