نساء حصلن على مناصب مهمة في الدولة، وقمن بأدوار بارزة داخل المجتمع، في المقابل هناك نساء وراء جدران سوق الجملة بالدار البيضاء يحاربن قساوة الزمن ويقاومن شدة البرد، لم يشفع لهن الصغر أو الكبر في أداء «واجبهن المهني» تجاه أسرهن. تحكي السعدية 53 سنة، عن تجربتها داخل السوق، مشيرة إلى أنها اقتحمت هذا الميدان الذي لطالما كان حكرا على الرجال فقط، وعمرها لا يتجاوز تسع سنوات، كانت تساعد والدها في جمع البطاطس، ولكن بعد وفاة هذا الأخير، اضطرت إلى تحمل المسؤولية لوحدها، فهي تقوم ببيع البطاطس للمستشفيات والسجون والخيريات وبعض المؤسسات الخاصة. أكدت السعدية أنها تضطر في كثير من الأحيان إلى المجيء إلى السوق في الساعة الثالثة صباحا، من أجل اقتناء السلعة ، موضحة أن الجميع داخل السوق يتعاملون معها على أساس أنها «رجل» وليست امرأة، نظرا لصلابتها وإصرارها على العمل حتى ولو كان على حساب صحتها. فمنذ ثلاثة أسابيع قامت بعملية جراحية استأصلت من خلالها الرحم، ومع ذلك لم تأخذ الوقت الكافي لاسترجاع عافيتها، وهو ما يؤكد حبها الشديد للعمل! تختفي وراء جدران سوق الجملة قصص اجتماعية بطلاتها نساء يواجهن قساوة الجو المتقلب وهن يغالبن «الزمن» دون استسلام لتوفير لقمة العيش. رشيدة (42 سنة) لها خمسة أبناء، كانت تشتغل في البداية بمعمل للأحذية لكنها سرعان ما غادرته لتلتحق بالسوق ، ومنذ أزيد من 25 سنة وهي تبيع الفواكه، تقول بنبرة حزينة «إن قساوة الظروف هي التي جعلتني أبيع الفواكه بهذا المكان. أنا التي أتكلف بمصاريف الأسرة وتربية الأبناء» مضيفة «إن المرأة اليوم أصبحت تتحمل المسؤولية أكثر من الرجل في بعض الأحيان». أما بالنسبة لمدخولها اليومي، تقول، « الحمد لله أكسب 150 إلى 200 درهم في اليوم، أما خلال يومي السبت والأحد فيرتفع المدخول حسب الطلب». أمينة (47 سنة) لها ثلاثة أطفال، حكايتها غريبة بعض الشيء، فهي كانت في بداية اشتغالها بالسوق تقوم بحمل الصناديق المملوءة بالفواكه على متن الشاحنة وفي بعض الأحيان تضطر الى الذهاب مع الشاحنة إلى أحد الأسواق من أجل تفريغها من جديد، لكنها الآن تبيع (الربيع) داخل السوق، تقول «إنني كبرت في السن ولم تعد لدي القوة الكافية لحمل الصناديق مثل الأول». تظهر أمينة شاردة الفكر ، عبوسة الوجه ، مضربة عن الكلام إلا للتعبير عن حزنها جراء ضعف مدخولها اليومي الذي لا يتعدى في أحسن الأحوال 50 درهما ! تبقى أمينة و«زميلاتها» مجرد نماذج تعكس المعاناة اليومية لنساء يقاومن ب «شراسة» من أجل لقمة عيش حارة!