نشرت «لوموند» روبورطاجا مطولا، خصصت له الصفحة الثالثة من عددها ليوم الأحد - الإثنين، تناول الإعتصام، المصحوب بالإضراب عن الطعام من لدن أمينتو حيدر. قالت اليومية الباريزية إن المغاربة فبركوا سيناريوها سيئا من أجل طرد الإنفصالية حيدر، التي أطلقت عليها لقبا يطلق على الثوريات في العالم، «باسيوناريا»، نسبة إلى المناضلة دولوريس اباروري التي ناضلت من أجل ..اسبانيا ضد فرانكو.. وفي الواقع أحسنت السلطات المغربية عندما لم تمنع العدد، وهو ما يجعل بلدنا يفصل بين من يفعل الفعلة ومن يتحدث عنها، ويفصل بين الحق في التعبير، عندما يتعلق الأمر فعلا بذلك، وبين الدعاية المبرمجة.. وعلى كل، لا يمكن لجملة عابرة أن تصنع من السيدة حيدر ما تريده أن تكون، حتى ولو شبهت بالسيدة... الحرة! نحن أمام وضع مثير فعلا للتأمل. فهذه السيدة التي تتجول بجواز سفر مغربي تتنازل عن المغرب كليا، ويراد لها أن تكون رمزا للكفاح الإنساني، وهو ما لا يحصل بالحبر وبالكلمات. فقد تنكرت لجنسيتها، وهي ترفض حتى أن تحال على مغربية والدها أو والدتها، فقد سألوها عن جنسيتهما، فقالت إن والدها رحمه الله مات، وبالتالي فهي لا تعرف جنسيته (كذا!)، وسألوها عن والدتها واعتبرت بأنها غير معنية بذلك، وأن على الذين يسألونها أن يتوجهوا إلى أمها بالسؤال.. ولا نعتقد بأن جوابها، لو سئلت عن جنيستها، كان سيختلف عما سبق. وعليه، لنا أن نسأل عن سيدة تدعي بأنها لا تعرف جنسية والدها فقط لكي لا تحرج نفسها بالجواب الصحيح، وبالجواب الذي تريد أن تتنكر له: إنها مغربية؟ ماذا يمكن أن تقول لابن عمها وشقيقها من الرضاعة، وهو يذكرها بجنسية جدها الأول، جنسيته وهو يعين من طرف الحسن الأول .. وعمهما وهو يتولى شؤون الإدارة الترابية بطرفاية. لقد ذكر بشاد حيدر بقرابته العائلية مع أمينتو وبانتمائهما إلى قبيلة الزرقيين، موضحا أن عائلته المعروفة باسم أهل حيدر تعد مكونا رئيسيا لهذه القبيلة. وأضاف أن السلطان الحسن الأول قام بتعيين جده الأكبر، الذي هو أيضا جد أمينتو حيدر، قائدا على مدينة طرفاية، كما عين جلالة المغفور له الحسن الثاني بشر أحمد حيدر «عمي وعم أمينتو حيدر أيضا» باشا على مدينة طرفاية. وقال إن والده، الذي يدعى حيدر محمد علي، هو أول صحراوي يفتتح تمثيلية لحزب الاستقلال في طرفاية في الخمسينيات، مبرزا أن «تفاصيل العلاقة التي تربط بين عائلة حيدر والعرش العلوي عديدة ومتعددة». كل هذا الدم النقي والمغربي جدا لا يعني لديها شيئا ..! وبطبيعة الحال لا تصنع الأفكار دما آخر وتربة أخرى، حتى عندما تغذيها الحروب الباردة، فالأفكار تأتي دوما بعد الأرض وليس قبلها. لقد حولت السخرية الديبلوماسية الجزائرية إلى أي شيء، إلى مصنوع مشترك للعديد من الأيادي الخفية ولم تستطع أن تحفظ لها ما هي عليه: صحراوية من صحراء شريفة وهائلة.. ورأينا كيف أن عبد العزيز يتجول بها بين العواصم، تارة يدعو ثاباتيرو، وتارة أخرى ساركوزي، ومرة ثالثة هيلار ي كلينتون.. إلخ وفي هذا التجوال يشتغل على قيمة الحقوق الإنسانية كرافعة للدعاية الجزائرية المفتوحة.. لقد وجدت نفسها على أبواب الموت، وعليها أن تحسس المغرب وإسبانيا بالذنب، كما لو أن البلدين كانا وراء مطالبتها بالتنكر لجنسيتها. هذا السيناريو الذي نشهده لا يمكن أن يدفع أي أحد منا إلى التفكير، بما يشبه الشماتة في بلاده، لأنها فقط تتلقى الهجوم الواسع من طرف الجيران الذين لم يوفروا في السابق أية مبررات لكي يهاجموا المغرب ويرفعوا الشأن الحقوقي في وجهه. لو أنها المرة الأولى التي تحدث فيها هجومات جزائرية ديبلوماسية وتحركات مدنية ضد المغرب باسم حقوق الإنسان، لتحدثنا فعلا عن «ورطة» أو عن شيء من هذا القبيل، لكن كيف نقول ذلك والبلاد تتعرض منذ مدة إلى هجوم متعدد الأطراف والجبهات تحت اليافطة نفسها؟ ثم متى كنا نتشفى في بلادنا وهي تواجه وضعا صعبا في الداخل أو في الخارج؟ لا يمكن أبدا أن نتحدث عن «وحلة» ونحن ندافع عن شيء اسمه البلاد، واسمه القرار السياسي. وإذا كان هذا الوضع قائما من قبل، الدخول كيفما اتفق، فإن الوضع كان لا بد له من يعود إلى الأصل: الدفاع عن السيادة، فليس لأن بعض الانفصاليين دخلوا بتلك الطريقة مثلا، تصبح القاعدة، ويكون على المغرب أن يعمل ما في وسعه لكي يهيء للانفصاليين وللجزائر بالخصوص، القاعدة الخلفية لتوطيد الفكرة الانفصالية، وأن يعمل، بدعوى تفادي الظغوط على غض الطرف عن الانفصاليين حتى يعدوا لنا... الخارطة الانفصالية كاملة..