خريطة 7 أكتوبر بتفاصيل أهمها تعطيل ربع النواب البرلمانيين المنتمين للأصالة والمعاصرة والذين اختارت قيادتهم المعارضة الآلية للحكومة المنتظرة وبقاء تشكيلة من الأحزاب المتواضعة التمثيلية النيابية، كان من المفروض أن يكون عاملا مسرعا لتشكيل الحكومة خصوصا وأن الملك تحمل مسؤوليته وفي أقل من 48 ساعة من إعلان النتائج، جدد ثقته في عبد الإله بن كيران وكلفه بتشكيل حكومة ما بعد 7 أكتوبر، لكن الذي حدث هو العكس، لقد مرت ثلاثة أشهر وحكومة ما بعد 7 أكتوبر لازالت في علم الغيب. معطيات ما بعد 7 أكتوبر تفيد أن العدالة والتنمية حصل على 125 مقعد ويلزمه عدد إضافي من المقاعد لاستكمال بناء أغلبية برلمانية كان من السهل تشكيلها، فماذا حدث؟ فهل غير بن كيران يتحمل المسؤولية في هذا البلوكاج؟ كثيرون يجتهدون ومنهم بن كيران في تحميل المسؤولية للتحكم، التحكم الذي كان مجهولا قبل أن تتم شخصنته في إلياس العمري وتعويضه منذ المؤتمر الاستثنائي للتجمع بعزيز أخنوش. فأين أخطأ بن كيران، ولماذا يتحمل بالدرجة الأولى مسؤولية البلوكاج الحالي؟ الخطأ الأول الذي ارتكبه بن كيران هو طريقة قراءة النتائج، حصول العدالة والتنمية على المرتبة الأولى عمرها الافتراضي لم يتعدى 48 ساعة، فبمجرد تكليف بن كيران من طرف الملك تشكيل الحكومة ينتهي العمر الافتراضي لامتياز المرتبة الأولى لأنها دستوريا وسياسيا تنتهي مع التكليف لتبدأ القراءة الثانية للنتائج، كم يلزم بن كيران من مقعد لبناء أغلبية برلمانية وأين يجدها؟ بن كيران كان في حاجة إلى 73 مقعد في البرلمان، بمعنى أن حزب العدالة والتنمية حصل على 125 مقعد، لكن غيره حصل على 270 مقعد، فحتى لو كانوا ضعافا ومشتتين فهم كأشخاص نواب للأمة، لهم نفس المشروعية الشعبية ولهم نفس الانتداب الشعبي بمجرد إعلان النتائج لبرلمانيي العدالة والتنمية. الخطأ الثاني أن القراءة المغلوطة للنتائج استمرت حتى بعد 9 أكتوبر واستمر معها منطق الشعب لم يصوت إلا للعدالة والتنمية ولم يصوت لغيره، القراءة المغلوطة جرت معها اجترار منطق المواجهة المفتوحة الذي خاض به الحزب الحملة الانتخابية من خلال استهداف المخالفين للحزب حتى ولو كانوا حلفاء محتملين. فلم يكن مفهوما أن يهاجم قادة الحزب وامتداداتهم في الشبكة العنكبوتية والمواقع الإعلامية قادة الأحزاب الأخرى من غير الغريم التقليدي البام الذي يمثل نوابه ربع البرلمان. حملة التقريع وطريقة بن كيران في اختيار مكونات الأغلبية البرلمانية ولدت احساسا بالدونية لدى مختلف الأحزاب السياسية، فمنذ البداية اختار بن كيران التقدم والاشتراكية لكنه ظل في حاجة إلى 61 مقعدا إضافيا لاستكمال الأغلبية البسيطة، وعوض أن يباشر مفاوضات بمنطق الجولات اختار منطق "الصيد فرادي في الغابة اللي طاح الأول نحيدو من الحساب". وهكذا حصل على دعم حزب الاستقلال (46 مقعد) في إطار "هانا صيدني أنا الأول". إن الخطأ القاتل الذي ارتكبه بن كيران عندما وضع حليفين من الأغلبية السابقة في وضع "واحد فيكم" أنا خاصني غير 14 مقعد من يسقط الأول، هذا الخطأ إذا لم يكن مقصودا أبان أن بن كيران ربما يفهم الناخبين المغاربة لكن لا يفهم عقلية الطبقة السياسية المغربية، فلا يوجد قائد سياسي واحد يقبل أن يلعب لعبة "لاروليت الروسية" حتى يستفرد بهم بن كيران سياسيا "يحيي من يريد" و "يميت من يريد"، لذا كان منطقيا أن "يتعزز" الاتحاد الاشتراكي الذي أراد أن يبيع يافطته التاريخية بثمن غال و ربما غير منطقي (رئاسة مجلس النواب)، لكنه عندما تيقن أنه غير ظافر بما يريد تحصن مع ذوي الأعمار المحدودة ليضمنوا عمرهم الافتراضي بشكل جماعي. لقد انتظر المغاربة شهرين ونصف لكي يغير بن كيران منطق بناء الأغلبية والعودة إلى الأغلبية السابقة بعد طلاقه مع شباط حزب الاستقلال بعد واقعة "نهر السينغال"، فلماذا لم يختر بن كيران منذ البداية الأغلبية السابقة التي خاضت معه تجربة خمس سنوات وكان لوزرائها نصيب من "مجد" بن كيران في تدبير الملفات الكبرى والاستراتيجية. فلتسيير حكومة لا يكفي منطق "الخوشيبات" لضمان التصويت في البرلمان، بل أطر وكفاءات قادرة على تحويل الشعارات والبرامج إلى قرارات قابلة للتطبيق محسومة ومضمونة النجاح. بن كيران يريد الكفاءات ولكنه يريدها ذليلة موظفة عند الحزب الأول وليس ممثلة للانتداب الشعبي، لقد كان ضحية "المنطق الإفتراسي" الذي أعطته القراءات الناقصة لنتائج 7 أكتوبر، عندما لا تمتلك أغلبية تبحث عن التوافق ومنطق التوافق يعني التراضي لأنك لا تملك الأغلبية حتى ولو كنت الحزب الأول الذي فقط له حق التكلف برئاسة الحكومة. فهل كان بن كيران يريد البلوكاج ويخطط له بشكل مبيت أم أن البلوكاج يعني انعدام الكياسة السياسية وحس رجل الدولة لدى بن كيران، أكيد أن في الأمر جزء غير يسير من الإثنين. بعض المطلعين على تجربة الإسلام السياسي يرون أن بن كيران حتى لو كان الأكثر نضجا من بين قادة العدالة و التنمية وأكثرهم كياسة، فإن إشراكه للقيادة و الضغط الإعلامي الذي مارسه محيطه في الترويج للجانب الهيمني المتعجرف في تدبير ملف المفاوضات جعل بن كيران يسقط في نفس أخطاء إخوان مصر من خلال خلق بلوكاج، وجر حزب الاستقلال فقط لتركيع مكونات الأغلبية السابقة وتمطيط البلوكاج حتى تعطى مشروعية لتعديل القانون الانتخابي من أجل مراجعة سقف العتبة لإقصاء كل الأحزاب ذات التمثيلية الصغيرة و إعادة توزيع أصواتها على الأحزاب الكبرى حتى يتاح للحزب الأول الحصول على الأغلبية زائد واحد بمجرد تجاوز نسبة 30% من الأصوات استلهاما للتجربة التركية التي مكنت العدالة و التنمية التركي من الاستمرار في الحكومة رغم عدم حصوله على أغلبية الأصوات واعتماده على نظام تقني انتخابي يشرعن للهيمنة، هيمنة الأحزاب الكبرى مع اقصاء أصوات أكثر من 25% من الناخبين لإعادة احتسابها "بالقانون" لفائدة الحزب الأول. تحكم منطق من هذا النوع من أجل افتعال بلوكاج وهمي حتى تعطى مشروعية لمراجعة النظام الانتخابي يعتبر بجميع المقاييس جريمة وعبث سياسي، لأنه بالعكس يولد رد فعلي عكسي لأن المغرب ليس تركيا ومن المنطقي أن يكون غموض الدستور حول نقطة عدم قدرة رئيس الحكومة المعين على بناء أغلبية بالعكس مبررا لمراجعة هذا الفصل الدستوري، لأنه لا يمكن لأصحاب 125 مقعد التحكم في إرادة 270 مقعد أو الهيمنة عليها، وحدها الأغلبيات تسود وتحكم. في كل هذا بن كيران هو المكلف و منطق "انتهى الكلام" يعنيه كما يعني غيره، لم يتحرر بعد 9 أكتوبر من جبة زعيم حزب التي أدار بها المفاوضات وهو يلبس "الفوقية والصندالة" التي تعني البساطة في اللباس والتواضع وتحمل صورة إيجابية عن رجل سياسة من طينة أخرى لو نجحت، ومادام أنها لم تنجح فهي تعني غياب الكياسة في التعاطي مع الشأن العام بمنطق رجل دولة تعطي انطباع عن رجل يتفاوض بلباس النوم ولا يملك إلا سلاطة لسانه التي نفعته في الحملة الانتخابية، لكنها أعاقته في المفاوضات لأنه لم يستطع أن يرمم جسور الثقة مع الذين خاض معهم معركة البناء ويتصور أنهم سوف يجهضون أحلامه في الخلود على رأس الحكومة بعد 2021. لقد اختلطت حسابات 2021 مع حسابات 2016، وقاد الحزب المفاوضات بميزان قوى افتراضي يملك فيه الغريم كلمته رغم ضعف حصيصه، لأن أهل بن كيران كشفوا المستور من المخططات الآتية قبل موعدها الذي يبعد بخمس سنوات الآن وقد انتهى الكلام، فهل ينتظر بن كيران التحكيم الملكي. منذ الأسابيع الأولى للمشاورات وطريقة تدبيرها حزبيا وشخصيا من طرف بن كيران، كانت كل المؤشرات تفيد أنها غادية للطريق المسدود ومع ذلك لم يتدخل رئيس الدولة إلا في إطار شكلي حول ضرورة تسريع تشكيل الحكومة من خلال إيفاد مستشاريه للقاء بن كيران. لكن إلى متى سوف يستمر البلوكاج بعد بلاغ 7 يناير، فهل يتدخل الملك لوضع حد لعبتية المشاورات التي هجرت المكاتب لتستمر عبر البيانات والبيانات المضادة في إطار ملهاة الاستعراض أمام الرأي العام، وهل ينقذ الملك بن كيران كما أنقذه بعد خروج شباط في 2013 أم أن بن كيران يستحلي "البركة في الدار بحال الثرية" ولعبة البيانات والمظلومية المفتري عليها باسم الحسابات السياسوية الضيقة. فمن الأولى الحزب أم المغرب، هل المغرب قبل الحزب أم العكس، أظن أن المغرب أهم وأبقى من البيجيدي فأين حسابات المغرب وإلى متى سيبقى العبث ومن يضع دستوريا حدا للعبث. بقلم: عبد الرحمان المنسي / عن أحداث أنفو