تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    المغرب التطواني يكشف حقائق مغيبة عن الجمهور    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    الحصيلة السنوية للأمن الوطني: أرقام حول الرعاية الاجتماعية والصحية لأسرة الأمن الوطني    مصرع رضيع إثر سقوطه من شرفة المنزل ببرشيد            بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    التوحيد والإصلاح: نثمن تعديل المدونة    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    بعد تتويجه بطلا للشتاء.. نهضة بركان بالمحمدية لإنهاء الشطر الأول بطريقة مثالية    الوداد يطرح تذاكر مباراته أمام المغرب الفاسي        الرباط: المنظمة العربية للطيران المدني تعقد اجتماعات مكتبها التنفيذي        28 ناجيا من تحطم طائرة بكازاخستان    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    مسؤول روسي: المغرب ضمن الدول ال20 المهتمة بالانضمام إلى مجموعة "بريكس"    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ترامب عازم على تطبيق الإعدام ضد المغتصبين    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ونجح الاتحاد في جمع كل الاشتراكيين! .. اِشهدْ يا وطن، اِشهدْ يا عالم    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    الخيانة الزوجية تسفر عن إعتقال زوج وخليلته متلبسين داخل منزل بوسط الجديدة    إمزورن..لقاء تشاركي مع جمعيات المجتمع المدني نحو إعداد برنامج عمل جماعة    ‬برادة يدافع عن نتائج "مدارس الريادة"    "ما قدهم الفيل زيدهوم الفيلة".. هارون الرشيد والسلطان الحسن الأول    الاعلان عن الدورة الثانية لمهرجان AZEMM'ART للفنون التشكيلية والموسيقى    العلوم الاجتماعية والفن المعاصر في ندوة بمعهد الفنون الجميلة بتطوان    الدورة العاشرة لمهرجان "بويا" النسائي الدولي للموسيقى في الحسيمة    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية : البحاثة محمد الفاسي : مؤرخ الأدب والفنون ومحقق التراث        ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    الإصابة بالسرطان في أنسجة الكلى .. الأسباب والأعراض    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المؤتمر الوطني التاسع: الاتحاد الاشتراكي في مفترق الطرق

سفيان خيرات: بداية نفترض أننا أمام مرحلة مختلفة تتضمن بعض عناصر القطيعة مع مرحلة ما بعد التناوب التوافقي.
نحن أمام مؤتمر يمكن أن يكون، من الناحية الايديولوجية و السياسية - متقدما على المؤتمر الاستثنائي كما يمكن أن يكون متخلفا عن المؤتمر السادس. هما المؤتمران المرجعيان في تاريخ حركة سعت إلى إصلاح النظام السياسي من الداخل. لا مناص إذن من قراءة هاتين المحطتين .فالمؤتمر الاستثنائي هو تأسيس لمرحلة سياسية جديدة في تاريخ الحركة الاتحادية بحثت من التجانس و الانسجام بين ما هو إيديولوجي و سياسي و تنظيمي. و المؤتمر السادس هو بداية تفكك الحركة الاتحادية كحركة معارضة. هو نهاية المنظومة المرجعية للمؤتمر الاستثنائي و محاولة تأسيس مرجعية أخرى - سميت بالاشتراكية الديمقراطية -بمفاهيم جديدة و اختيارات أخرى. اليوم نحن أمام إرهاصات قطيعة عناصرها واضحة في تحول بنيات ووظائف المكونات التقليدية المشكلة للحقل السياسي. سياق المؤتمر إذن، هو سياق مختلف لا بد لنا فيه من طرح أسئلة عميقة حول الثوابت التي تشكلت طيلة العقود الثلاثة الماضية. لابد لنا فيه من الخروج من حالة العزلة الإيديولوجية و الثقافية. فالاتحاد لم يعد حزبا مهيمنا - بالمفهوم الغرامشي- حيث لم تعد مرجعياته الايديولوجية محط اهتمام النخب السياسية و الثقافية. هي حالة شبيهة بحالة الأحزاب الشيوعية بعد انهيار جدار برلين. لذلك جرأة السؤال هي شرط لمعاودة الحضور. الأزمة التنظيمية: مفهوم لا سياسي مفارق للواقع لم نستسغ قط توصيف الكاتب الأول للاتحاد خلال انعقاد المجلس الوطني الأخير الوضعية التنظيمية بالانتحار الجماعي الممنهج. فالانتحار الجماعي في السياقات السياسية للحروب هو، عند أصحابه، عنوان للمقاومة و رفض للاستسلام، لوطنية مفترى عليها ربما، لكن له دلالة سياسية. فأية دلالة سياسية لانتحارنا الجماعي؟؟ هناك خطأ في تقدير طبيعة أزمة الحزب. فالاتحاد الاشتراكي لا يعيش أزمة تنظيمية، بل أزمة رؤية و خط سياسي. لذلك لا بد لنا من وقفة تأملية حول سؤال العلاقة بين الاتحاد و التنظيم . لابد من التذكير بأن الاتحاد اعتمد وإلى حدود مؤتمره الأخير - المؤتمر الثامن - على تصور تنظيمي لينيني يجعل من القيادة المركز الوحيد الملهم للقرار. ولابد من التذكير بأن هذا النوع من التنظيم كان الهدف منه هو بناء دولة إلى جانب الدولة القائمة - الدولة القيصرية -. وإذا كان لهذا النوع من التنظيم ما يبرره في سياق العلاقة الملتبسة بين الحزب و النظام السياسي، فإنه اليوم يظل محط تساؤل في ظل الخط السياسي الذي انتهجه الحزب منذ مؤتمره السادس 2001 . فبنية التنظيم المغلق لا تتماشى إطلاقا مع خط سياسي منفتح على المبادرات الإصلاحية للدولة. ومؤمن بالاختلاف كمكون من مكونات الفعل السياسي، بل هو منتج للحلقية و التطاحن الداخلي و الانعزال عن المجتمع. و الحقيقة أن ما يبدو من ازمة تنظيمية «ليس في الواقع إلا انحصار للخط السياسي و غياب أفق استراتيجي معبأ و هذا هو جوهر النقاش. فالمكانة التي أصبح يحتلها «سؤال التنظيم» داخل الحزب ما هي إلا أحد أعطاب الممارسة السياسة وهروب من الإجابة عن سؤال الخط السياسي. لذلك فالنقاش حول الفلسفة التنظيمية يجب أن يعقب النقاش حول الاختيارات السياسية و الأهداف الاستراتيجية العامة. وبالفعل، فالمدكرة التنظيمية - من تيار شعبي عائم إلى حزب سياسي منظم - و التي كانت المرجعية الأساسية في إعادة بناء التنظيم وصولا إلى المؤتمر الاستثنائي بقيت الملهم الرئيسي لاختيارات الاتحاد التنظيمية، حيث شكل المفهوم اللينيني للمركزية الديمقراطية عنصرها الثابت. نحن أمام نموذج تنظيمي مناقض لاختياراتنا السياسية و لا يمكن أن يفضي لا إلى توضيحها ولا إلى إعادة الوهج للاتحاد. سنسعى من خلال هاته المساهمة، لإبداء وجهة نظرنا في طبيعة الأزمة التي عصفت بتنظيمات الاتحاد الاشتراكي، على الأقل منذ حكومة «التناوب التوافقي»، والتي ما فتئت تتفاقم بالموازاة مع مختلف تطورات الحقل السياسي الوطني. كما أنها تسعى إلى استشراف بعض المسالك الممكنة لإعادة روح الثقة فيما تبقى من تنظيمات الحزب. ولا يخفى علينا صعوبة سبر أغوار أوضاع الاتحاد ورسم سبل «الخروج من الأزمة» على اعتبار أنها أوضاع معقدة و مركبة و متراكمة. كما لا يخفى علينا المجهودات المتواصلة والاجتهادات الجادة التي قام و يقوم بها المناضلون، بشكل جماعي أو فردي، لإعطاء فهم معين لطبيعة الأزمة و سبل الخروج منها. غير أننا نفترض، أن منهجية جديدة لمقاربة الوضع اليوم تفرض نفسها بالنظر إلى تحول الشروط الداخلية و التي أفرزت وضعا سياسيا جديدا كان من بين نتائجها المباشرة خروج الاتحاد إلى المعارضة. هذه الشروط مست على الأقل ظاهريا ثلاثة مكونات: موقع الملكية و بروز التيار الإسلاموي كفاعل رئيسي و تفكك الحركة الوطنية كمشروع سياسي. هذه هي عناصر القطيعة المفترضة و التي تسير حتما في اتجاه مختلف عن ما رسمناه في المؤتمر السادس. لذلك لابد لنا في البداية، من الإدلاء ببعض الملاحظات المنهجية و التي سنؤسس عليها جملة الخلاصات و الاستنتاجات. عود على بدء: إعادة النظر في المقاربة النظرية لمآل المشروع السياسي للحركة الوطنية. 1 - لابد لنا من الإقرار بأننا اصطدمنا بمأزق حقيقي في تصور الأفق الممكن للممارسة السياسية للاتحاد الاشتراكي، على الأقل منذ الانتخابات التشريعية لسنة 2007 و الأهداف الاستراتيجية العامة للخط السياسي للحزب. فرغم كل المحاولات (لجنة التقييم، المؤتمر الثامن...) هناك انطباع بأننا لم نراوح مكاننا وجاءت انتخابات 2011 (رغم سياق الربيع العربي) لتكرس مسار الاندحار. ففي نظرنا، يبقى هذا «الأفق الممكن» الملهم الرئيسي للممارسة اليومية و القاسم المشرك للتعبيرات و المكونات المختلفة و المتناقضة أحيانا للحركة الاتحادية و الذي شكل - في فترة ما بعد المؤتمر الاستثنائي - البيان العام للمؤتمر الوطني الثالث أحد تعبيراته القوية أي: الدولة الوطنية الديمقراطية المؤسسة على الملكية البرلمانية. هل تشكل هذه التجربة انحرافا عن المشروع؟ أم هي نتيجة طبيعية لاختيارنا؟ فالمضمر في الوعي الجماعي لمكونات الحركة الاتحادية و النخب التي ارتبطت بها هو هذا السؤال المقلق حول كيف انتقلنا من مشروع الدولة الوطنية الديمقراطية إلى تجربة التناوب التوافقي؟ لقد أسس الاتحاد ، ومعه اليسار عموما ، تصوره لهذا الأفق على مقاربة تاريخانية - هيغيلية تجد جذورها في المناخ الفكري و الثقافي المنتج لنخب الاتحاد خلال عقود الستينيات و السبعينيات و حتى الثمانينيات. إن ما نقصده بالمقاربة التاريخانية هو هذا التصور الذي ينظر إلى التاريخ كمسار خطي تتحول فيه التجربة الديمقراطية الغربية من معطى تاريخي إلى حقيقة تاريخية. أي كونية لا شيء يعلو فوقها. فاختزال أفق الممارسة السياسية للاتحاد في هذه «الحقيقة» كثفها في اتجاه عمل مؤسساتي ضيق ودفع بالحركة الاتحادية إلى التفكك و الترهل، بل و الاغتراب. وكذلك الشأن بالنسبة لليسار السبعيني و الذي لم يتأخر لإنجاز المراجعة الفكرية رغم توفر «الشرط الموضوعي للثورة». إن وهم إعادة إنتاج التاريخ الغربي أفضى تدريجيا إلى نوع من «الاستلاب» الفكري ثم إلى عجز في استعاب التحولات الجديدة للمجتمع. من الناحية النظرية، لم يغفل التقرير الإيديولوجي المقدم للمؤتمر الاستثنائي حدود هذه المقاربة، حيث كان مفهوم «التحليل الملموس للواقع الملموس»، واعيا بضرورة أخذ المسافة، لكن عدا بعض المصطلحات مثل «الخصوصية» و «التأصيل و المعاصرة» ظل الجوهر يمتح من عمق هذه المقاربة و الت معه الممارسة إلى التأويل «الديمقراطوي» لاستراتيجية النضال الديمقراطي. لاغرابة إذن إذا كان المسار العام للحزب منذ المؤتمر الاستثنائي قد عرف تدحرجا واضحا من المشاركة المحتشمة في المجالس الجماعية و البرلمان رغم الحضور الجماهيري الوازن إلى مشروع «التناوب التوافقي» ثم إلى مشاركة مرتجلة في الحكومتين اللتين أعقبتا هذا المشروع. لذلك لابد لنا اليوم من مقاربة أخرى، يمكن أن نسميها بنيوية تستحضر التجربة الديمقراطية الغربية كمعطى تاريخي مرتبط بنماذج و تحولات اقتصادية و اجتماعية و قيمية ثقافية. حيث يجب أن تتحول علاقتنا به من علاقة بالحقيقة الثابتة إلى ميزان قوى يحضر فيه الوطن أولا و التماسك الداخلي ثانيا و النموذج السياسي ثالثا. هل هذا يعني أن الديمقراطية ليست أولية؟ بالطبع لا، لكن لا بد من التمييز بين الديمقراطية كسيرورة تاريخية منتجة لنظام من القيم المؤسسة على تحرير الفرد و الديمقراطية كبناء مؤسساتي أنتج هذا النظام السياسي أو ذاك. فإشكاليات مثل المساواة بين الرجل و المرأة و منظومة الحقوق و حرية المعتقد يجب ان تحظى بالأولوية مقارنة بإشكاليات فصل السلط. فالثورة الفرنسية أنتجت إعلان حقوق الإنسان و المواطن قبل ان تنتج الجمهورية الثالثة. فالمشكل يبقى في قراءتنا للتجربة الديمقراطية الغربية، حيث الأساس هو التوجه نحو فلسفتها و استعابها و ترجمتها إلى اختيارات سياسية و إيديولوجية و ثقافية ثم السعي إلى تجاوزها بالنظر إلى تاريخنا و مكونات هويتنا. هي كونية في ذاتها و لحظتها و ليس في هيمنتها و إشعاعها. من نحن ؟ أو مأزق الوضوح الإيديولوجي. لا نسعى من خلال هذا السؤال إلى البحث عن وضوح إديولوجي (ونحن نفترض بأنها إحدى أخطاء التقرير الإيديولوجي) على اعتبار أننا ضمن نظام سياسي سريع التحول بحكم حجم الضغط الخارجي. بل نسعى إلى تحديد مجال التناقض الذي يحكم فعل الحركة الاتحادية. وراء هذا «النحن» الصغير و الايل للانكماش، هناك هذا المجال الحيوي للممارسة السياسية المسمى الأمة المغربية و الذي له تاريخ و تحدده علاقات قوى فعلية جيوسياسية و تاريخية تحول إلى دولة - أمة بمقتضى تحالف قوى التغيير - الحركة الوطنية - و القوى المحافظة - المخزن - و ليس نتيجة لتدخل أجنبي - هذا الاخير لم يستطع تغيير بنية الحكم - لقد شكلت هذه المفارقة - الحزب الثوري المطالب بالإصلاح - إحدى عوامل الضعف الاساسية للخط السياسي للاتحاد و عنصر من عناصر الالتباس في تمثل المجتمع و نخبه لماهية هذه القوة السياسية و أهدافها. ولعل تمثلنا الضيق لهذه المفارقة هي التي استحال معها الخط السياسي للاتحاد إلى المشاركة في حكومة التناوب التوافقي و أعدمت أي أفق آخر للممارسة السياسية للاتحاد خاصة بالنسبة للنخب الجديدة -الشباب و النساء- فالرهان على هذه التجربة كان يجب أن يوازيها تقوية التنظيمات الموازية للحزب - النساء و الشباب ،النقابة ،الإعلام- و الانفتاح على المكونات التقدمية للحركة الوطنية. لذلك فتعريف عناصر هوية الاتحاد ليست اجتهادا فكريا خالصا يمكن أن يستند إلى هذا النموذج أو ذاك، بل هو جزء من سيرورة إعادة القراءة المستمرة لمشروعنا السياسي و الوقوف على الأخطاء و تبيان الاهداف الاستراتيجية و التحديد الدقيق لدائرة الحلفاء. هي هوية لا يمكن أن تكون إلا متحولة : وطنية في أساسها و تحررية في عمقها و تقدمية في أفقها. الحركة الاتحادية في صلب، على هامش تحولات الحقل السياسي الوطني ظل الاتحاد طيلة الخمسين سنة الماضية في صلب المعادلة السياسية و أحد أطرافها المركزيين كيفما كانت طبيعة التحولات السياسية. فما الذي جرى حتى أصبح عنصرا هامشيا أو على الأقل محدود التأثير بما يجري؟ -قراءة أولية في التحولات من 1998 إلى الربيع العربي. إن القراءة السريعة للتحولات التي شهدها المغرب منذ مطلع الألفية الثالثة و التي تزامنت مع بداية التناوب التوافقي تفضي إلى استخلاص أربع معطيات مركزية:[وهناك مجال واسع للنقاش]: -على المستوى السياسي: حافظت الملكية على أدوارها الهيكلية -المؤسساتية حتى في ظل دستور 2011 وأحدثت بالمقابل تحولا كيفيا في ادوارها الوظيفية. فلقد استطاعت من أن تجعل من «موضوع الإصلاح» إيديولوجيا معبأة للمجتمع و أضحت باقي مكونات الحقل السياسي تلعب أدوارا هامشية و في احسن الحالات مكملة «للبرنامج العام للدولة». - على المستوى الإيديولوجي: ستساهم أحداث هامة «الحرب على العراق وعلى الإرهاب، الحرب على أفغانستان، فشل مخطط التسوية الفلسطينية الإسرائيلية». في موت الإيديولوجيات الكلاسيكية باعتبارها إيديولوجيات كونية و تحولها إلى إيديولوجيات غربية محضة و ستطفو على السطح بالمقابل إيديولوجيات إسلاموية قدمت نفسها كبديل في ظل «صراع حضاري» مفترض ستساهم الثورة الإعلامية
في ترسيخه ونشره. - على المستوى الاقتصادي: ستتنامى المصالح الاقتصادية الخارجية في المغرب بما يهدد سيادة القرار الوطني بالموازاة مع تراجع دور الدولة الاقتصادي و هشاشة الرأسمال الخاص. - على المستوى السوسيولوجي: ستساهم الثورة الديمغرافية رغم بطئها في موت المدينة كفضاء سياسي منتج للفعل الديمقراطي و ستتحول السياسة بمفهومها العام إلى سياسات تمارس داخل غيتوهات معزولة عن بعضها البعض. الملكية: هل نتجه فعلا إلى ملكية برلمانية؟ وهل نحن محتاجون إلى ملكية برلمانية كالملكية الاسبانية؟ بغض النظر عن هذا النموذج أو ذاك، فإننا نحتاج إلى تحديد واضح لوظائف الملكية في المغرب: وظائفها المؤسساتية و السياسية. فالخروج من دائرة الغموض لا بد و ان يساهم بشكل كبير في تحديد الاولويات والأهداف. مع الأسف خرج دستور 2011 من رحم الدساتير السابقة و كرس نموذج ازدواجية السلطة التنفيذية في سياق سياسي يختلف جذريا عن سياق نشأة الجمهورية الخامسة. نحن أمام دستور سيعيد لا محالة السؤال حول دور الملكية و حجم اختصاصاتها (ولو كانت ضئيلة) و سيعيدنا إلى نقطة الصفر في الوقت الذي نحتاج فيه إلى حوار وطني صريح حول الدستور يجمع كل مكونات الطيف السياسي حتى اللاشرعية . لذلك فدستور 2011 لا يمكن أن يكون إلا دستور انتقاليا سيتأثر لا محالة بتطورات القضية الوطنية و حجم الاحتقان الاجتماعي. -التيار الإسلاموي: الإيديولوجيا المعولمة في خدمة الربيع العربي-الأمريكي التيار الإسلاموي في المغرب هو مزدوج الشرعية. فمن جهة هناك السياق العالمي، إيديولوجية جديدة في خدمة توازن جديد. و من جهة أخرى هناك حاجة الدولة إلى توازن اجتماعي جديد. هذه أطروحة تقليدية لكنها تختلف اليوم باختلاف السياق. فنحن أمام تنظيم عالمي- على الأقل على المستوى الإيديولوجي - وصل إلى الحكم في أقوى دولة عربية. فإلى أي حد سنحافظ على السيادة الوطنية في ظل هذا الوضع؟ يمكن لهذا التيار أن يشكل أحد أعمدة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية . إذا ما هو تحلى بالشجاعة وقام بمراجعة إيديولوجية لاختياراته الدغمائية (مرجعية القيم) ويمكن أن يتحول إلى تيار في خدمة أجندة خارجية (ولو بدون وعي) - هل أنتهى مشروع الحركة الوطنية؟ من الناحية التاريخية يجدر بنا التمييز بين الوطنية المغربية والحركة الوطنية في مفهومها المتداول على إعتبار أن الأولى سابقة في نشأتها عن الحركة الوطنية التي نشأت عقب إصدار الظهير البربري سنة 1930 «عبد الله العروي ESQUISSES HISTORIQUES» وبالفعل يلاحظ عبد الله العروي أن الحركة الوطنية المغربية لايمكن اختزالها في هذه الحركة السياسية المدينية التي نشأت فيما بعد الكفاح المسلح وماقبل المقاومة لسنة 1953 ، بل هي جملة الردود عن الضغط الخارجي الممتد لقرون حيث لاتعدو المقاومة بكل أشكالها بما بعد الحماية الفرنسية إلا إمتدادا لها وأحد تعبيراتها إذا استندنا إلى هذا التمييز، فإن مشروع الدولة الوطنية الديمقراطية لازال قائما، لكنه يفترض نخب جديدة وآليات جديدة فنحن نعيش نهاية الكتلة الديمقراطية كمشروع سياسي وليس نهاية الحركة الوطنية . 6/7/2012


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.