مهرجان القاهرة السينمائي34: بعد 100 سنة سينما مصر تفيق على عبارة... "مبعرفش سينما مصرية" بداية و نهاية "انها فرصة للتعرف و الانفتاح على ثقافة العالم الثالث" هذه هي عبارة الخاتمة او "الجملة القاضية " في كلمة "ريتشارد جير" اثناء تكريمه، في حفل افتتاح المهرجان، الذي احتفى به و بالنجمه الفرنسية "جولييت بينوش" كضيفي شرف، جرى استضافتهما كمحاولة لتجاوز هذه العقدة ... " عقدة الخواجة" ليقول المهرجان: محدش احسن من حد اهو احنا برضه عندنا .. سينما و نجوم و تاريخ و حضارة و سجادة حمراء .. لكن كلمة " فرصة للانفتاح على ثقافة العالم الثالث" في افتتاج المهرجان .. تثبت ان الامر يحتاج الى مراجعة.. و مراجعة دقيقة ..ماحصة.. فاحصة.. و ياخسارة الفلوس الي اتصرفت.. مصر، التي تستعيد بصعوبة مكانتها السينمائية،في الدورة 34 لمهرجانها ، كانت في العشر السنوات الاخيرة تعيش عزلتها السينمائية في مأمن من اي منافسة، كونها مكتفية ذاتيا، لكن سنة السينما و شريعتها لا تبيح هذا الانعزل، و ان كان عليها ان تكون قبلة السينمائيين، و هوليود الشرق ، فعليها ان تثبت ذلك قبل ان يسحب البساط من تحت اقدامها. فليس كل من فرش سجادة حمراء تسير عليها، "نبيلة عبيد" او "سلمى حايك"، اصبح مركز السينما و هدف السينمائيين، فمصر افاقت من حلم ال "100 سنة سينما "على عبارة " انا لا اعرف من السينما المصرية سوى عمر الشريف " للاسف ، انا لم اشاهد افلاما مصرية.." لا تسالني عن السينما المصرية .. فلم ارى سوى افلام يوسف شاهين .. " وهي عبارات كررها "جير" و "بينوش" بكل تهذيب و صدق.. و بدا انهما قبلا الدعوة، لانهما من المهتمين بثقافة العالم الثالث، ومن المروجي للسلام و حقوق الانسان. كون النجمة الفرنسية تتعاطف مع الشعوب المضطهده، و تراف بهم، و النجم الامريكي "هندوسي" الديانة يميل للتواضع و للبحث عن الناس البسطاء.... اي انهما لم ياتيا لان هناك عالم سينمائي مهم ومبهر في القاهرة 34 انهما حتى لا يعرفان شيئا عن السينما في مصر، سوى ان هناك شاب و سيم، جذاب بشامة اسمه "عمر الشريف" كان متواجدا في السينما الامريكية و الاوربية ، وهو الان متواجد على منصة الاحتفال بجوارهم، كرئيس فخري للمهرجان ليرحب باصدقائه "الخواجات" القدامى. بعد ذلك تكررت هذه العبارات في الندوات الخاصة بالافلام، للمخرجين ايطالين و فرنسيين و روس و عرب مقيميين في اوروبا.. وهذا كفيل لان تفتح القاهرة أعينها باتساع، و تسعى ، لاعتراف السينما العالمية باهيمتها السينمائية ، وان كانت تعمد من خلال مهرجانها السنوي على تكثيف ثقلها، لتبرهن انها فعلا مدينة النجوم، فان هؤلاء النجوم يمكن تواجدهم في مهرجانات دبي و مراكش و دمشق، بسهولة، بما لا يجعل الامر تحت سيطرة القاهرة فقط. فما الذي تحتاجه هوليود الشرق، لتثبت انها فعلا تاريخ السينما و مستقبلها.. !!! ما يميز السينما المصرية عن سواها.. العربية، انها سينما معروفة في كل بيت ، و بها النجوم الذين احسنت صنعهم، ليكونوا هم عنوانها السينمائي،و تضاهي بهم. لكن، ليس بنجم الشباك وحده... تنعش السينما. فهذا الاهتمام، كان عادة على حساب جودة الفيلم المصري، وهذا اخرج مصر من المنافسة، فوصل الفيلم المغربي و الجزائري و السوري الى سينمات اوروبا، و بقى الفيلم المصري في سينمات "وسط البلد" . سيما .. و قيمة و هذا المهرجان يرفع شعار" مصر في عيون العالم" و يستضيف افلام اجنبية تتتحدث عن مصركالكندي "بتوقيت القاهرة" او يشارك فيها نجوم مصرين، كعمرو و اكد و خالد النبوي، في افلام اجنبية، او يعرض افلام اجنبية لروايات مصرية، لنجيب محفوظ كالمكسيكي " بداية و نهاية"و "زقاق المدق". هذه هي محاولات الانتشار و التواصل، ولانها، لن تنال شرعيتها السينمائية، الا باعتراف سينمائي العرب و هوليود و اوروبا و بوليود، فعليها ان تقدم ما ثبت به انها تعرف يعني ايه "سيما". وقيمة مصر السينمائية، جاءت تراكمية و لديها حصيلة من افلام كلاسيكية تملاء المكتبات الفنية اليوم، لكن التراكم لم يعد وحده القيمة التي تضمن الاستمرار.. فهي تحتاج للخروج عن المحلية و للحصول على شرعية و اعتراف الاجانب و العرب. اما بالنسبة للعرب، فالقاهرة لا تريد منهم عبارات الاعجاب، و ابداء الاهتمام و حضور الندوات و عروض المهرجان، بل لكي تكون فعلا "هوليود الشرق" فهي تحتاجهم بشكل دائم. فالسينما الامريكية ليست كلها امريكان.... فتوافد المخرجين و الممثلين من سوريا مثلا، لان السينما المصرية بقيت و اقفة على قدميها في وقت تنهار فيه السينما السورية، يجعل القاهرة هي قبلة السوريين، و كما يحتاجونها، تحتاجهم لا هي .. ولا هي "فبسام كوسا" هذا السوري المتالق كان خلال سنوات غابرة رفع شعار "لا لمصر" يقول الان " لا .. لا لم اقل يوما هذا الكلام" ونحن نصدقه لان "كوسا " هو مكسب للدراما في اي مكان، و اعلن خلال هذا المهرجان ان يرحب بالتواجد فنيا في مصر، التي احتفت به بشكل يليق به، و يليق بطموحها لجذب الموهوبين. ان مصر الان تلعب دور الاغراء الاهم في تاريخها " و لا.. هند رستم" من خلال كل ما يمكنها و الي "تغلبه العبه".. فتدعوهم للتواجد، بصفتها السينما الاكثر بريقا و سهولة في الوصول، و تمزق ورقة " ليه نجيب من بره هو مفيش مصريين" لكن "كوسا" كان متالما وهو يتحدث عن السينما السورية ، فقال " احنا ولو انه لم يكن الفيلم السوري منتشرا.. لكن كنا نفاخر انه كان عندنا سينما نوعية، سينما مهرجانات.. هلا .. صار لا عندنا هي.. و لا هي .." كان المشهد مؤثرا بصراحة ، فدمشق كانت تفاخر انها تملك سينما نوعية او سينما مهرجانات، تقدم للنخبة، و ان كان هذا على حساب صناعة السينما في سوريا، التي كان عليها ان تعتمد ايضا على وجود سينما جماهيرية او سينما تجارية، تضمن بقاء السينما كمورد و كمصدر دخل يحافظ على استمرارها، لكن بسبب سيطرة الدولة فقدت السورية موردا مهما لا ستمرارها، و انتشارها، فالسينما عليها ان تحافظ على الشقين الفيلم النوعي-النخبوي، و الفيلم الجماهيري- التجاري، و هذا الامر متوفر الان في مصر، و بالذات خلال الخمس السنوات الاخيرة، بعد ان عرفت مصر "السينما المستقلة" على يد المخرج "ابراهيم البطوط" لبدء مرحلة جديدة، جددت من عمر السينما المصرية "السينما العجوز" فجدتت شبابها، بافلام نافست في مهرجانات، و حصدت جوائز كافلام البطوط "عين شمس و الحاوي" و هي افلام لا تعرض تجاريا في مصر: و هناك الان فيلم "مكيروفون" لاحمد عبد الله ، الذي رفع شعار كامل العدد في مهرجانات تورنتو وحصل على ذهبية قرطاج، لاول مره في تاريخ سينما مصر. " ميكرفون" الذي يعد التجربة الثانية لاحمد عبد الله و خالد ابو النجا في السينما المستقلة، يبدو به ان "ابو النجا " كممثل واع يريد ان يخرج بالمهنة التي يحبها الى عالم اوسع و يدعو لافلامه المستقله اصدقائه الممثلين الشباب للظهور معه في هذه الافلام كمنة شلبي و قبلها هند صبري في "هيلوبولوس" . و هذا الفيلم يشارك في مهرجان القاهرة الى جانب 4 افلام مصرية اخرى، بعد ان كان هذا المهرجان المصري ، يشكوا من قلة الافلام المصرية، التي تصلح ان تقدم في مهرجانات، بسبب اهتمام المخرجين المصريين، بالسينما التجارية، على حساب نوعية الفيلم المصري، مما اخرجه من المنافسة الدولية ، و حصره في اطار المحلية. فالفيلم المصري لم يصل للمهرجانات الا حين كان يوسف شاهين يحمل افلامه على كتفه و يجوب بها مهرجانات العالم.. و من تلاميذ شاهين الذي يحاول ان يحذو حذوه، يسري نصر الله و خالد الحجر.. وكلاهما له بصمته هذا العام في المهرجان، الحجر ب "شوق" و نصر الله بعرض قناة اي ار تي الفرنسية "لجنية الاسماك" خارج المسابقة الرسمية كمثال على الانتاج المشترك الذي تتبناه القناة للمشاريع السيمنائية الجادة في انتظار داوود و داوود و هنا "داوود اولاد السيد " تجربة فارقة في السينما المغربية الحديثة، و هذا هو اسم المخرج المغربي المدلل في كل دورة من مهرجان القاهرة، منذ "في انتظار بازوليني" وهو فيلمه حاصد الجوائز. هذه المره ياتي بصحبة زوجتة الفرنسية و "الجامع" الفيلم المغربي الاوحد، ان استثنينا السطحية الفجة التي عرضها فيلم مغربي اخر حاز بجداره ، على استهجان وسخرية الجمهورو النقاد و الصحفيين، و لن نتحدث عنه، لان "الجامع" يرغمك ان تتوقف عنده فقط. الفيلم ساخر جدا، و استوحاه المخرج من قصة حقيقية حدثت له بعد تصوير فيلمه "في انتظار بازوليني" مختصره : ان الديكور الذي بناه في القرية "كجامع " للفيلم، استخدمه القرويون بعد ذلك كجامع حقيقي، هدد بالاستيلاء على قطعة الارض الخاصة بالقروي البسيط " موحا" ، الذي لعب الدور الرئيس في الفيلم و بعرضه لاراء رجال الدين، يعري الفيلم مجتمع من زيفه الديني و القيمي، بطريقة "اولاد السيد" السينمائية التي لا تعقد ولا تبتذل و لا تسطح.. الشريط السينمائي المصري على موعد مع "داوود اولاد السيد" المغربي و "داوود عبد السيد" المصري ، فالاول : يعد بمشروع اخبرنا به في ندوة الفيلم الخاصة، و لم يكشف تفاصيله، و قال فقط " الفيلم مصري، قصته مصرية و سيتحدث اللهجة المصرية، و لممثلين مصريين" قالها بلهجته المغربية المميزة ليتركنا "في انتظاره" فسيجعل صاحب "الجامع" المخرج المعروف، للقلة السينمائيه، التجربة السينمائية في مصر مغرية أكثر. واما الثاني ، فهو صاحب "رسائل البحر" الذي سيدخل المنافسة الرسمية للافلام الاجنبية للاوسكار .. الى جانب الفيلم الجزائري "خارجون عن القانون" لرشيد بو شارب ... و الذي حصد ذهبية دمشق السينمائي الشهر الفائت و غازل السعفة الذهبية لكان . فداوود غاب طويلا لان السينما في مصر كانت في فترة غيبوبة، وهو الان يوصل القاهرة للاوسكار لاول مره في تاريخها، بعد غيابه طيلة سنوات من صالات السينما المصرية، التي دائما افلام "خالد يوسف" و "شريف عرفة" تنهش افيشاتها و ايرادتها. و بدون عقد مقارنات بين المخرجين و مدارسهم و تياراتهم فان ، كل هذا يحسب للسينما المصرية التي تحتاج لافلام هؤلاء المخرجين ونجومهم ، وايضا، لا فلام محدودة الميزانية، تحصد الجوائز، و لا تعرض في دور العرض السينمائية. سجادة حسين فهمي و عزت ابو عوف و مهرجان القاهرة السينمائي ليس مجرد سجادة حمراء يتنافس فيها حسين فهمي الرئيس السابق له، او عزت ابو عوف الرئيس الحالي، على من فرش السجاده الاول، او قرر من فين يخش النجوم.. او من جاب نجوم اكثر .. و خلى "فاروق حسني" يلبس السموكينج*.. ليكون هو لبس المهرجان الرسمي وان كان المهرجان هو عرض لاجمل فستان و احلى تسريحة و اشيك جزمة، فان المهرجان الذي يتحول لدور عرض لافلام بعينها، ليس مجرد صالات عرض، و نجوم استعراض، بل هو ايضا مكان لبحث سبل التعاون المشترك و الانتاج المشترك و المشاكل المشتركة.. و بساط ملائم لان تمشي عليه السينما متالقة، لمستقبل لا ينتهى نهاية درامية.. كلاسيكية .. ولكنه يسمح بنهاية مفتوحة.. و تبقى دائما مفتوحة . * ربطة العنق المربوطة بشكل فراشة منى صفوان خاص بمجلة الفوانيس السينمائية