تكشف التجربة عن مشكلةٍ كبيرة تُعانيها الثقافة السينمائية العربية, تتعلق بترجمة عناوين الأفلام الأجنبية إلى اللغة العربية. في حالاتٍ كثيرة, يمتلكُ الفيلم الأجنبيّ عنواناً محلياً لبلد الإنتاج, وآخرَ باللغة الإنكليزية, وتعتمد الترجمة العربية غالباً على المُبادرات الشخصية. عندما أقرأ ما يكتبه الناقد السينمائي اللبناني (محمد رضا) في مُدونته الزاخرة(ظلال, وأشباح), أحتاج إلى بعض الدقائق, أُجري فيها تمارين لغوية لتحويل العنوان الإنكليزي إلى نظيره الفرنسيّ, وأحياناً لا أعرف عن أيّ فيلمٍ يتحدث إلاّ بعد قراءة بعض السطور, والكشف قليلاً عن حكايته. (محمد رضا) يعيش حالياً في (لوس أنجلوس), ومن الطبيعي إشارته إلى الأفلام بعناوينها الأصلية, وهو يُترجمها بدقةٍ إلى العربية, لإتقانه اللغة الإنكليزية أولاً, ولمعرفته بالفيلم, وتفاصيله ثانياً, ولا شكّ بأنه يُعاني من صعوباتٍ عندما يتعلق الأمر بفيلمٍ لا يوجد له عنواناً إنكليزياًُ أصلياً. بدوري, أشعر بحرجٍ كبير مع العناوين الأصلية, والمُترجمة, وهناك حالاتٌ في الثقافة السينمائية العربية تُثير التساؤلات, عندما نقرأ مثلاً تقريراً لصحفيّ سينمائيّ متمرسّ يعيش في فرنسا منذ عقودٍ, ومع ذلك يُخطئ في ترجمة عناوين من الفرنسية إلى العربية, على الرغم من مشاهدته للأفلام التي يتحدث عنها, كما الحال في تقريره عن الدورة الستين لمهرجان كان السينمائيّ (صحيفة القبس الكويتية الاثنين 23 أبريل 2007) , عندما ترجم عنوان فيلم المخرجة الفرنسية (كاترين بريّيا) ب(عاشقة مُسنّة), وهي ترجمةٌ حرفيةٌ لا علاقة لها بالفيلم, أو الشخصية التي تؤديها الممثلة, والمخرجة الإيطالية(آسيا أرجنتو), والترجمة الأنسب وُفق موضوع الفيلم, وأحداثه هي(عشيقةٌ قديمة), ومن يُتقن الفرنسية, يعرف الفرق الكبير بين كلمتيّ (عشيقة/ Maîtresse), و(عاشقة/ Amoureuse). وفي نفس المجال, كيف يفهم القارئ العربي ترجمته السطحية لعنوان فيلم (كلود لولوش) Roman de gare ب(رواية المحطة), وكان عليه التوضيح بأنها تلك القصص, والروايات الخفيفة,السهلة, البوليسية غالباً, والتي لا علاقة لها بمحطة, أو قطارات, ويتخيّر (رواية بوليسية) عنواناً للفيلم . وفي تقريره عن الدورة ال29 لمهرجان مونبلييه2007 (جريدة القاهرة 13نوفمبر2007), يتخير (الحبّة, والسمك) عنواناً لفيلم (La graine et le mulet) لمخرجه الفرنسي,ّ التونسي الأصل (عبد اللطيف كشيش), وبعد فوز الفيلم بجوائز سيزار عديدة, واحتفاء الصحفيّ به في مدونته السينمائية, يعتمدُ أخيراً (الكسكسي بالسمك), وهو العنوان الذي تخيّرته في كتابتي عن الفيلم. ومع ذلك, نتجاوز تلك الترجمات الهزيلة, ونتفهم الالتباس اللغويّ لبعضها, ولكن, كيف نغفر لصحفيٍّ آخرَ من المُفترض بأن يشاهد الفيلم الذي يتحدث عنه, أو على الأقلّ ينقل معلوماتٍ دقيقة . في تقريره, يُشير إلى فيلم كشيش(ويكتب قشيش, وربما يكون مُحقاً) : (غير أن الفيلم الذي ميز الأشهر الأخيرة من العام 2007 كان فرنسيا عربيا, لأن مخرجه عبد اللطيف قشيش فرنسي من أصلٍ تونسي, جاء مهاجراً إلى مدينة نِيسْ في الجنوب الفرنسي قبل 41 سنة عندما كان في السادسة من العمر, وقد حاز إنجازه السينمائي La graine et le mulet "البذرة, والبغل" الذي حصل في مهرجان لاموسترا الأخير في البندقية في إيطاليا علي الجائزة الخاصة بلجنة التحكيم, الفيلم الذي بدأ عرضه في قاعات السينما الفرنسية منذ 12 كانون الأول/ ديسمبر الماضي هو أجمل أفلام عبد اللطيف قشيش الذي بدأ مشواره السينمائي سنة 2000 بأول عمل له يحمل عنوان La faute à Voltaire "فولتير هو السبب", المجلة الأسبوعية الفرنسية لُوبْوانْ قالت عن "البذرة, والبغل" إنه فيلم مؤثر في النفوس يختلط فيه الضحك, بالدموع ، والقسوة بالحنان، لأنه وثيق الارتباط بالعالم الذي يعيش فيه عبد اللطيف قشيش, وزخمه الإنساني, ويتضمن شحنة قوية من الحميمية, والأجواء العائلية الدافئة, وأشياء من سيرة الأب المهاجر, ومسار كل أفراد الأسرة, وحرصت المجلة الفرنسية على وصفه بالفيلم الكوميدي التراجيدي, والسياسي أيضا، وقالت، باختصار، إنه فيلم كبير) . وتكشف تلك الفقرة عن أخطاءٍ عديدة : الفيلم فرنسيٌّ خالص من إنتاج شركة Pathé Renn Productions , ولا يمكن أن يكون عربياً لأن مخرجه من أصولٍ تونسية, كما لا يمكن أن يكون يهودياً لأنّ منتجه (كلود بيري) يهوديّ. لا يوجد مهرجانٌ سينمائيّ في إيطاليا اسمه "مهرجان لا موسترا" في البندقية, وهو يقصد بالتأكيد La Mostra Internazionale d'Arte Cinematografica من المُؤكد, بأنّ الصحفي لم يشاهد الفيلم, فكيف عرف بأنه الأجمل من الأفلام السابقة للمخرج "عبد اللطيف كشيش" ؟ يقدم الصحفي ترجمةًً حرفيةً, طريفةً, ومضحكة لعنوان الفيلم, فقد تخيّر (البذرة, والبغل), وهي ترجمةٌ لا علاقة لها بأحداث الفيلم إطلاقاً, ولا يوجد فيه (بذور, أو بغال). لغوياً, صحيحٌ بأنّ (La graine) تعني حرفياً البذرة, و(le mulet) تعني البغل فعلاً, ولكنها أيضاً نوعٌ من أنواع السمك. كان على الصحفي مشاهدة الفيلم على الأقلّ قبل الكتابة عنه, أو نقل بعض ما جاء في المجلة الفرنسية(Le Point) والمُفارقة بأنها مجلةٌ ذات توجهٍ يمينيّ كي يعرف بأنّ العنوان يشير إلى أكلة (الكسكسي بالسمك) تحديداً, وحولها تدور أحداث الفيلم من أوله إلى آخره, فهي الأكلة التي تُجيد الأم (سعاد) تحضيرها, والطبق الرئيسي الذي يرغب الأب (سليمان) تقديمه في مطعمٍ يتمنى افتتاحه على سطح مركبٍ قديمٍ بعد حصوله على موافقة السلطات المحلية للمدينة. ومن يشاهد الفيلم, لن يحتاج إلى قاموسٍ لغويّ لمعرفة المعنى الصحيح للعنوان, لأنّ الشخصيات كلها تتحدث عن (الكسكسي بالسمك). ويبدو بأنّ الترجمة الخاطئة للعنوان انتشرت منذ عرض الفيلم في مهرجان فينيسيا2007, وحصوله على أكثر من جائزة. حيث نقلت الصحافة العربية الخبر, ونسخته المواقع العامة بدون أيّ تدقيق, حيث تعتمد الثقافة السينمائية حالياً على النسخ, والناسخين. رُبما أتساهل, وأتسامح, وأتغاضى, وأتجاهل...ترجمةً خاطئةً لعنوان فيلم من طرف صحفيّ غير متخصص, ولكن, بعد الانتهاء من كتابة انطباعاتي أعلاه, تصفحتُ كما أفعل من وقتٍ لآخر ما يكتبه الناقد, والمُؤرخ السينمائيّ المصري (سمير فريد) في زاويته اليومية (صوت, وصورة) من صحيفة (المصري اليوم 9 مارس 2008), وكانت المفاجأة قاسية عندما وجدتُ بأنه استخدم بدوره نفس الترجمة الخاطئة, أو ربما استوحاها من مصادر أخرى, أو نقل نتائج السيزار الفرنسية بدون أن يشاهد الفيلم بعد, وإلاّ لما أتصور اعتماده على تلك الترجمة. منذ تلك اللحظات, اكتشفتُ بأنه ليس خطأً عابراً لصحفيّ واحد, وبعد البحث عن العنوان الخاطئ في الأنترنت, وجدته منتشراً في معظم الكتابات الخبرية, والنقدية عن الفيلم, وتبينَ لي استخدامه من قبل عدد كبير من النقاد المُتخصصين, ولحسن الحظ, اعتمدت (ندى الأزهري) في كتابتها عن الفيلم عنواناً صحيحاً, ونبّهت إلى خطأ الترجمة في ( الحياة 11يناير 2008), كما فعل (سعيد ولد خليفة) بدوره في (الأخبار اللبنانية 10 أيلول 2007). على أيّ حال, الأمر ليسَ كارثةً سينمائية, ولكن, انطلاقاً من العناد العربيّ في رفض النقد, والنقد الذاتيّ, واعتباره هجوماً, وتجريحاً, وحقداً, وفشلاً, وتصفية حسابات, وغيرة, وحسداً,...(وقد تعمّدت تكرار حرف واو العطف), لا يسعني إلاّ استعارة عنوان فيلمٍ سابقٍ لعبد اللطيف كشيش (إنها غلطة فولتير)/2001. إنها حقاً غلطة فولتير.... صلاح سرميني