نحو خلق شبكة وطنية للأندية السينمائية المدرسية أفرزت الندوات التي عقدت بمناسبة المهرجانات والملتقيات الوطنية والدولية الخاصة بالفيلم " التربوي" منذ دخول الميثاق الوطني للتربية والتكوين حيز التطبيق، جملة من الأسئلة والمطارحات والاستفسارات، بل وتمخضت عن هاته الندوات " العلمية " كومة من التوصيات والاقتراحات التي لم تبرح مكانها وأصبح من قبيل الروتين ترديدها عند كل لقاء متجدد .. ضمن هذا الإطار يبقى السؤال عالقا حول واقع الأندية السينمائية بالمدرسة المغربية وآفاقها، وحول نفعية وجدية الموضوع لدى سلطات التربية والتكوين والجهات الوصية على القطاع السمعي البصري، في أفق خلق مسلك أو شعبة خاصة بذلك في مؤسساتنا التعليمية . في نونبر من سنة 1996م، نظمت المدرسة العليا للأساتذة بتطوان وجمعية نقاد السينما بالمغرب ندوة دولية حول " السينما والتربية "، شارك فيها ثلة من خيرة المتخصصين في المجال السمعي البصري من متتبعين ومهتمين مغاربة وأجانب، لتشخيص العلاقة القائمة والعلاقات الممكنة بين " السينما والتربية "، إن هاته الندوة بالرغم من وزنها الفكري/ العلمي وبالرغم من اعتبارها اللقاء الأساس الذي حاول طرح وملامسة بعض من الأسئلة التي تحولت إلى إشكاليات حول سؤال الصورة داخل المؤسسات التعليمية بالمغرب،... فإنه حين النبش في هذه الإشكالية يتبين أن السؤال نفسه طرح خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي بصيغ مختلفة وإبان ظروف فكرية وإيديولوجية ... أخرى، تختلف عن ظروفنا الحالية، وبأسئلة جنينية تحولت بفعل الاحتكاك - الذي صار في حكم العادي- بالصورة من السؤال البحث عن الأنطولوجي إلى سؤال البحث عن السوسيولوجي والسياسي والسيكولوجي.... بل إن أمكن القول بأن السينما آنذاك كانت معيشا يوميا وهاجسا شخصيا وجماعيا للمربي والتلميذ على حد سواء، وبالتالي فالسؤال عن العلاقة بين السينما والتربية لم يكن مطروحا بنفس الحدة التي يطرح بها اليوم سيما مع عزوف واضح عن زيارة القاعات السينمائية التي كان الرحيل إليها تقليدا أسبوعيا أيام زمان..... إننا نعيش اليوم أزمة عزوف حقيقية... نعيش أزمة استهلاك عشوائي ومن دون مرجعية للصورة والتهام بطريقة " الساندويتش " لها في وقت أصبحت الصورة إيقونة تمثل سلطة وقوة ضاغطة لتغيير أي وضع مشين ... فمن يملك ميكانيزمات الصورة طبعا يملك دواليب امتلاك العالم وتغييره وجعل المتبوع في درجة التابع . بناء على ما سبق، ونحن إذ نقف وقفة تأمل على بعض مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي كاد يستوفي سنته العاشرة في دعامتيه 48 و 132 ومع ما نعيشه من ثورة معلوماتية، نجدها واضحة في تكريس ثقافة التكنولوجيا والوسائط داخل المؤسسات التعليمية ضمن التوجه العام للتنشيط التربوي، وثقافة الصورة هي جزء لا يتجزأ مما تدعو إليه تلك المادة، بل إن المذكرة الوزارية رقم 91 بتاريخ 01/02/2000 بشأن إحداث الأندية السينمائية المدرسية والتي وضعت من ضمن أهدافها : - الإدماج التدريجي للثقافة السينمائية والسمعية البصرية في الحياة المدرسية . - استثمار المادة الفيلمية في الإشعاع الثقافي والتربوي وفي تدريس بعض فقرات المقررات الدراسية. - تربية التلميذ على الحوار والتفاعل . - فسح المجال أمام التلاميذ لتفجير طاقاتهم الإبداعية في المجال السينمائي والسمعي البصري. - إغناء معارف التلميذ السينمائية والسمعية البصرية . - تنمية الحس النقدي واكتساب منهجية للنقاش والنقد الموضوعي البناء . طبعا عبر مجالات وآليات اشتغال حددتها المذكرة الوزارية 91 في ما يلي : - مشاهدة الأفلام السينمائية داخل وخارج المؤسسة بهدف قراءتها وتحليلها ومناقشتها . - إعداد وثائق حول الأفلام وإنجاز مواضيع لها علاقة بالمجال السينمائي والسمعي البصري . - تنظيم عروض وندوات حول السينما والثقافة السينمائية واستضافة فاعلين في هذا الحقل لتأطيرها أو إغنائها . - زيارة فضاءات مختصة في الصناعة السينمائية والسمعية البصرية . - ممارسة الكتابة السيناريستيكية والمشاركة في مباريات كتابة السيناريو . - المشاركة في الملتقيات السينمائية . هاته المذكرة كما أسلفنا - بالرغم من أهميتها - وصفها جل المتتبعين للشأن التربوي/التعليمي بالمذكرة " اليتيمة " بسبب غياب لجان تتبع تطبيقها.. علما أنها مازالت هي السلطة المرجعية التي يمكن الاحتكام إليها في هذا الباب ، بل ويمكن التشبث بها عند النوائب، خصوصا أنه لم يصدر ما ينسخها أو يعدلها، هاته المذكرة/ المرجع تبقى شبه غائبة حتى في أذهان رجال ونساء التربية والتكوين الذين يشاركون بأعمالهم الفنية في مهرجانات وملتقيات الفيلم " التربوي "، بل وغائبة حتى من طرف المتتبعين والمنظمين للشأن التربوي/التنشيطي داخل مراكز القرار إن على المستوى المركزي أو الإقليمي، ولهذا ترى أولئك المشاركين في تلك الملتقيات وفي كل لحظة يكثرون خلال الندوات وأثناء النقاش من البكائيات ويشتكون من غياب الدعم المادي والمعنوي لتلك الخطوات التي يقدمون عليها ومن غياب إطار قانوني يحميهم خلال التصوير، علما أنهم بمحاولاتهم تلك يعتبرون أنفسهم في عداد الهواة، والحال أنه لو استأنسوا بها لكانت خير مدافع عن مطالبهم التي لا تعدو أن تكون مطالب الناشئة من التلاميذ طبعا الجهة المستهدفة في الميثاق، وكثيرة هي الندوات الجميلة والوازنة تحولت من السؤال عن الكيف وعن لمن ولماذا.... إلى السؤال عن الإطار القانوني لكل ذلك بسبب تلك الشكايات والتحسرات. حقيقة أن هناك صعوبات ومعيقات، ولكن هي قبل كل شيء معيقات تشمل عامة التنشيط التربوي بالمدرسة المغربية : طبعا معيقات ذاتية وأخرى موضوعية، خصوصا إذا وضعنا في الاعتبار عامل تدبير الوقت المدرسي أو ما يصطلح عليه :" بالزمن المدرسي " الذي يتماشى في الاتجاه المعاكس للعملية التنشيطية/التربوية الموازية مع الدرس اليومي الذي يتلقاه المتعلم.اعتقد أن اليوم لم يعد كالأمس، فجل المؤسسات التربوية بالمغرب أصبحت مزودة بحد أدنى من ثقافة الوسائط، حتى في العالم القروي .. وخصوصا الثانويات التأهيلية (نموذج الأكاديمية الجهوية للدارالبيضاء الكبرى)، لقد أصبحنا اليوم – بفضل تلك الوسائط - نشاهد أعمالا ومحاولات فيلمية لا يستهان بها خلال ملتقيات الفيلم " التربوي " .. من صنع شريحة- مربين وتلاميذ - شغوفة بقيم الجمال التي تعج بها الصور التي هي من وإلى المنظومة التربوية... وأصبحنا نرى في جنيريك تلك المحاولات أن المشرف على هذا العمل أو ذاك هو " النادي السينمائي المدرسي" كذا وكذا ...، وأصبحنا نرى تقنيات لا بأس بها توظف لذلك، وسيناريوهات قد توازي ما يبدعه المخرجون المحترفون وكتاب سيناريو،... وأصبحنا نرى ممثلين فنانين تلاميذ ... وأصبحنا أمام زخم من الآليات التي أضحت متوفرة بالمؤسسات التعليمية التي تتوفر على طواقم من عشاق الصورة ... لكن بالمقابل وبالرغم من غياب إبداع حقيقي لما يعرض، وأمام تغييب حقيقي لمقتضيات المذكرة الوزارية اليتيمة 91 الخاصة بإحداث أندية سينمائية ، وأمام عجز وغياب تصور واضح شفاف للجهات الوصية التي أصدرت المذكرة ... فإن جل المهرجانات والملتقيات والندوات التي تعقد بهذا الشأن تبقى هي نفسها في وضع فضفاض وضبابي... ولذلك فالأسئلة التي تطرح والأجوبة عنها تبقى في عداد كل ما هو فضفاض . لأجله فإن جل التوصيات التي تحاول أن تلمع من الصورة وتوضيحها لمن يحمل هم عشق الصورة ولكل ما هو جميل ويريد إبلاغها للنشء من منطلق دورها الفعال في منظومة القيم، ومن تم مساعدة هذا النشء على مواجهة بني جيله، وما يأتي به المستقبل بل ليوظفها فيما يخدم مجتمعه ووطنه : أقول تبقى تلك التوصيات التي تتمخض عن تلك الندوات والمحاضرات في رفوف تنتظر من يفعلها، بل في عداد الحديث الأجوف خصوصا إذا وضعنا في الاعتبار ما يلي : 1/ أنه مازال لم يعترف بعد لهاته الملتقيات بالقوة وبالأهمية وبالفعالية. 2/ أن جل توصيات الندوات الرئيسة لا تفعل خلال الملتقيات الموالية . 3/ ليس هناك دعم مالي أو مادي قار لهاته الملتقيات وهنا يظهر دور الشراكات، وأيضا دور الجهات الوصية على القطاع السمعي/البصري، والجمعيات والجامعة الوطنية للأندية السينمائية، ومراكز التربية على الصورة . 4/ إن جل الملتقيات التربوية مازالت تخلط بين الإنتاجات التي يتم إبداعها من طرف الأطر التربوية وإنتاجات التلاميذ، ومن تم تبقى الحاجة ملحة لخلق " ملتقى للفيلم التلاميذي ". 5/ جل الملتقيات لا تضع الطفل/التلميذ نصب الاهتمام حيث تحضر صعوبة تسهيل مأمورية جعل التلميذ حاضرا وفاعلا خلال فعاليات تلك الملتقيات، وبذلك يكون هناك خفوت في تعميم الفائدة في أوساط التلاميذ الجهة المستهدفة في كل عملية تعليمية ، وغير ذلك كثير ..... 6/ جل الندوات التي تبرمج خلال ملتقيات الفيلم التربوي يحضرها بعض من الضيوف، وبالرغم من أهميتها فهي تضعف أمام الحاضرين بسبب غياب ثقافتهم العامة للفعل السينمائي . 7/ جل الندوات التي تعقد بالرغم من أهميتها تعاني مرارة التدوين والأرشفة على أساس أن تجمع في كراسة صغيرة لتوزع على الضيوف الجدد خلال الملتقى الموالي . 8/ جل الجهات المسؤولة/ المنظمة لتلك الملتقيات الوطنية " للفيلم التربوي" مازال لم تتكرس لديها الشعور بدور المقاربة التشاركي، إذ مازالت تحتفظ لنفسها القيام بكل شيء : بداية من إعلان الملتقى بواسطة المذكرة الإخبارية إلى اختتام الملتقى : فهي من يقترح الملصق وهي من تقوم بعملية انتقاء الأفلام وهي من تبرمج ..... فلا تراهن لا على الكيف ولا الكم ولا على عدد الحضور من الأساتذة ولا التلاميذ الجهة المستهدفة، ولا على تجربة المساهمين في عملية التنظيم، إلى غير ذلك من الاعتبارات التي لا يسمح المقام هنا لسردها . و لأجله أيضا تبقى الضرورة ملحة في التفكير في وضع تصور واضح المعالم، يكون بسيطا وسهلا من منطلق التفكير بأن منافعه ستعود على التربية والتكوين بالإيجاب : لأن مقاربة هذا الإشكال بهاته المنهجية سيكون أفضل من المقاربات التي تسعى الحديث في كل ما هو فضفاض ..... ولأن التعليم النافع - كما أجمع على ذلك مختلف الدارسين للشأن التربوي -هو التعليم المتكامل المتوازن الذي يهيئ المتعلم ويذكي فيه روح المبادرة في زمن عولمة قاتلة ومتوحشة، ستبقى فيها ناشئتنا في حالة شرود فكري، إن هي لم تتسلح بما يواكب زمانها . ولأجله أيضا فإن تصورنا ينطلق من تفكير جاد للجهات الوصية على قطاع التربية والتكوين بخلق " شبكة وطنية للأندية السينمائية المدرسية "، على غرار الجامعة الملكية للرياضات المدرسية أو جامعات وشبكات أخرى، هاته الشبكة أو الجامعة سوف تضم في عضويتها فردا مهتما ومتفرغا يمثل الأكاديمية التي ينتمي إليها، وبالتالي ستصبح العضوية الممثلة للأكاديميات 16 ممثلا تناط لهاته الشبكة مهمة التنسيق وتوحيد التصور من خلال إعداد وإنتاج وثائق إجرائية حول الأندية السينمائية بين الوزارة والأكاديميات وبين هاته الأخيرة والنيابات التعليمية، على أن تشكل عضوية كل فرد داخل الشبكة قوة اقتراحية تسهل مأمورية الجهات الوصية وتعمل على لا مركزتها لفائدة المؤسسات التعليمية وليس ضروريا كمرحلة أولية أن تتوفر كل مؤسسة تربوية في المغرب على نادي سينمائي مدرسي بشكل إجباري .... بل فقط حسب الجغرافية والبنية التحتية وإمكانيات كل مؤسسة تربوية، إلا أنه سيتم التركيز على توطيد دعائم - على الأقل - خمسة أندية مدرسية في البداية في كل نيابة تعليمية مع التركيز في البداية على الثانويات التأهيلية، على أساس أن تناط مهمة تشييع ثقافة الصورة لتلك الأندية لفائدة مؤسسات تربوية قريبة إعدادية أو ابتدائية لا تتوفر على أندية سينمائية مدرسية من طرف تلك الأندية الخمسة... وبالطبع من خلال برنامج سنوي دقيق وعملي مع مراعاة حازمة طبعا للزمن المدرسي يشارك فيها الأستاذ وأيضا التلميذ، وبالتالي سنكسب في السنوات الأولى لهاته التجربة ناشئة عاشقة للصورة ولقيم الجمال، ولا ننسى دور النيابات التي سيعهد إليها خلق خلايا لتنشيط الأندية السينمائية المدرسية، والقيام بعمل الوسيط بين المؤسسات التعليمية والأكاديميات الجهوية . ولأجله أخيرا تبقى الضرورة ملحة أولا : في التفكير مليا في خلق مثل هاته الشبكة الإبداعية التي ستجمع شتات تلك الأفكار النابعة من المربي والتلميذ من شمال المغرب إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، في اتجاه خلق " كراسة سينمائية تربوية " تجمع بين دفتيها أبجديات الصورة عموما والسينمائية على الخصوص ووثائق وجذاذات حتى يتسنى للمربي والطفل على حد سواء التوفر على بعض الأسلحة التي تبدو بسيطة، ولكنها في العمق ستعمل على تلميع صورة ناشئتنا في المستقبل، ولن يتأتى ذلك إلا بالاعتماد على دعم الجهات الوصية المدبرة للمرفق السمعي البصري من خلال وزارة الاتصال والمركز السينمائي المغربي الذي لا ننكر تواجده الفعلي في جل الملتقيات حتى ولو كانت هاته التظاهرات صغيرة، وكذا وزارة التربية الوطنية والتي عليها تحقيق العديد من أشكال التواصل والتعاون في أفق إدماج ثقافة حقيقية للصورة إلى المؤسسات التعليمية وفق رؤية تربوية هادفة وفعالة ونافعة، وعلى دعم ومساعدة ذو الاختصاص من مخرجينا وتقنيينا وفنانينا وجمعيات المجتمع المدني ذات الاختصاص في هذا الباب ومراكز التربية على الصورة وغيرها .... في أفق خلق مسلك أو شعبة تهتم بهذا الفعل الحضاري داخل مؤسساتنا التربوية والذي أصبح جزء لا يتجزأ من المقاييس التي تقاس بها درجة تقدم الأمم في وقتنا الراهن ، لنجرب ولننتظر ماذا سيحدث. حسن مجتهد مهتم بالسينما الهاتف : 0670351812 هذا البريد محمى من المتطفلين , تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته الدارالبيضاء المغرب ''الفوانيس السينمائية''