لقد ذكر في الفيلم كيف يمكن لفنان أن يروي قصة بلد بكامله عبر ريشته أو قلمه إنها حكاية ناجي العلي على فلسطين. إن ناجي العلي مبدع والإبداع أعظم ثورة في العالم. وناجي العلي له ثورتان ثورة ضد المحتل الغاشم وثورة ضد نفسه يجسدها في إبداعه. وقد سلك طريق المبدعين أي طريقا لا يسلكه الجميع ولا يمكن لأحد أن يسبقه ويسابقه في الفكرة. وهو طريق خاص بناجي العلي. وقد صوره وجسده في طفله "حنظلة" إنه الطفل المراقب للأفق البعيد. إنه الطفل الفيلسوف، الجامع يديه وراء ظهره في وضع وموقف أبدي يراقب كل شيء لا نرى ملامحه ولكننا نتصور آثار التفكير والجهد على وجهه. انه الطفل الذي لا يكبر... إن ناجي العلي كأي مبدع له وجوده وله أحاسيسه وله عمله الفني. وهو جندي حامل لبندقية من نوع خاص، لا تقتل نفسا ولا تجرح جسما ولا تأتم طفلا ولا ترمل امرأة ولا تصيب إنسانا بإعاقة جسدية أو نفسية ولا تدمر منزلا أو زقاقا أو دربا... إنها ريشة خلاق مبدع يسلك طريقا مخالفا لكل أقرانه. إن عمله كان ذكيا وكان صحيحا وكان مبدعا. وجمع ناجي العلي بين جمالية الصورة وثورتها وفضحها لواقع شعب ظل ومازال يخضع ويتعرض لأشد أنواع العذاب: قتل وجرح وتنكيل وترحيل واستغلال وعنصرية وتميز ومحاباة.... إن رسومات ناجي العلي لم تكن للتزيين رغم جمالها ولكنها كانت تحمل رسائل إلى الفلسطينيين وإلى الإسرائيليين وإلى العالم، رسائل شملها الدفاع عن حقوق شعب بكامله. ورسوماته كانت مؤثرة ومقنعة ورآها أفضل وسيلة للتعبير عن شخصيته وتفكيره وهي تعبير عن شعب مضطهد ومحاصر. إن التعبير الفني استعمل منذ القدم للدفاع عن الشعوب وعن الاضطهادات وكان مختلفا باختلاف المرجعيات الفكرية والسياسية لصاحب التعبير. وكان تعبير ناجي العلي واضحا وصريحا وقويا وكان سهلا ومفهوما من عوالم المتلقين أصدقاء كانوا أم أعداء. وكان خطابه كاشفا للمعاني الخفية وموضحا للأغراض المبيتة، وكان خطابا سياسيا بدون كلمات موضحا براعة وإبداع ناجي العلي. وكل هذه البنيات وضحها الكاتب الدكتور الحبيب ناصري والمخرج فايق جرادة في الفيلم. فكل من شاهد الفيلم ولم يكن يعرف البطل ناجي العلي، تتوضح له المعالم والجوانب التي تحيط بالقضية الفلسطينية ككل. إن رسومات ناجي العلي ملئت المحل الشاغر وبرهنت بالحجج وأوصلت الخطاب إلى المتلقي وأدخلت الفرجة والجمالية إلى العاشقين وبرهنت على القوة وعلى الثورة بالنسبة للمحرومين وللمحاضرين فهي خليط من الفرجة والشقاء والنشوة والاحتضار فهي جنة وجحيم.... الدكتور بوشعيب المسعودي