حادثة استهداف جبهة البوليساريو منطقة المحبس يوم السبت الماضي بقذائف تزامنا مع احتفال فعاليات مدنية وسياسية بالذكرى ال 49 للمسيرة الخضراء، دليل إضافي على أن قضية الانفصال في الأقاليم الجنوبية وهمٌ انتهى، ولن يعود أبدا. من الطبيعي أن تبادر الجبهة الانفصالية وهي ترى كل مظاهر الهزيمة والاندحار وموت الأطروحة الانفصالية إلى اختلاق واقع أمني جديد من خلال الاعتداء على المدنيين المجتمعين في إطار فعاليات سلمية للاحتفال بذكرى وطنية عزيزة. إنها محاولة يائسة وواضحة لإعادة هذا الملف إلى نطاق الأولويات الأمنية الإقليمية والدولية، ومن ثمّ السعي وراء كبح هذه الدينامية الإيجابية التي تعيشها الوحدة الترابية للمغرب منذ بضع سنوات بفضل توالي الاعترافات بسيادة المغرب على صحرائه، ودعم خطة الحكم الذاتي. تنفيذ هذا الاعتداء الغاشم غايته الأساسية أيضاً هي بث أمل كاذب في نفوس بعض المغرّر بهم في المخيمات، ولا سيّما من الشباب الذين يئسوا تماما من ترّهات القيادة الانفصالية، ودعايات الجزائر، ويعلمون علم اليقين أن إخوانهم الصحراويين الذين اختاروا العيش في بلادهم بكل حرية وأمان، قد مالوا إلى الخيار الحقّ والشرعي. منطقة المحبس الحدودية المتاخمة للجزائر، ليست في الحقيقة سوى جزء من هذا الوطن الرحيم الذي فتح أحضانه منذ زمن طويل أمام العائدين من المخيمات، وأمام المحتجزين المرغمين على البقاء تحت رقابة عسكرية دائمة وفي ظروف لا إنسانية. واحتفال المغرب بهذه الذكرى على أرض المحبس حق شرعي ينسجم مع هذا الإيمان الراسخ بمغربية الصحراء، ومع الحقائق المرصودة على واقع الأرض. ما هي هذه الحقائق؟ إنها ببساطة سيطرة المغرب على أراضيه وأقاليمه الجنوبية بالكامل، وعمله على تحصينها ضد أيّ اعتداء، والرد بشكل حازم ضد كل من سوّلت له نفسه تجاوز المنطقة العازلة لتهديد المدنيين والآمنين. ومن هذا المنطلق فإن العمليات الدقيقة التي تنفذها القوات المسلحة الملكية، ولا سيّما من خلال الطائرات المسيّرة ضد بعض الإرهابيين والمسلحين تمثل الضمانة الأساسية لهذا الأمن وهذه الوحدة والسيادة. ففي الوقت الذي تحقق فيه بلادنا اكتساحا دبلوماسيا غير مسبوق على صعيد دعم الوحدة الترابية، يختار الانفصاليون بإيعاز من الجزائر لغة التصعيد والتهديد، وينفذون عمليات عسكرية كان من الممكن أن تودي بحياة العشرات من الأبرياء الذين كانوا مجتمعين في إطار نشاط مدني وسلمي على أراضي وطنهم. وبينما تستعد الأقاليم الجنوبية لاستقبال المزيد من الضيوف الأجانب لتعزيز هذه الدينامية الإيجابية، على غرار السفير الفرنسي الذي يستعد لزيارة الداخلة والعيون، لم يعد أمام الانفصاليين وقيادة الكابرانات غير خيار الاعتداءات الإرهابية، لإثارة القلاقل الأمنية ومن ثمّ إثارة الانتباه إلى هذه القضية المزعومة. ومع الاعتراف الفرنسي الأخير وعودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى سدّة الحكم في الولاياتالمتحدة من المتوقع أن تشهد دينامية دعم السيادة المغربية زخما جديدا يدفعها نحو آفاق أوسع وأكثر رسوخا، ولا سيّما من خلال دفع هيئة الأممالمتحدة نحو اتخاذ قرارات أكثر جرأة وشجاعة من أجل الطيّ النهائي لهذا الملف. ولعلّ أهم هذه الإجراءات الحسم في عدم شرعية حمل السلاح من طرف تنظيم ماركسي تعود جذوره إلى مرحلة الحرب الباردة، مع ما يعنيه ذلك من تهديد لاستقرار المنطقة وأمن وسيادة دولها. من الضروري أن تفكر هيئة الأممالمتحدة بمختلف مجالسها وأجهزتها التقريرية في مدى أحقية هذا التنظيم الانفصالي في رفع السلاح وتهديد الآمنين والتوعد بالحرب، في منطقة تشوبها أصلا الكثير من بؤر التوتر والنزاعات. بعبارة أوضح لقد حان الوقت كي تتحمّل الأممالمتحدة والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن كامل مسؤولياتها تّجاه هذا الملف، والبدء بوضع أسس سلمية وضمانات أمنية حقيقية لحل النزاع المفتعل، لكن مع الحرص أولا وقبل كل شيء على إنهاء قدرة تنظيمات مثل ميليشيا جبهة البوليساريو على استخدام الأسلحة في مواجهة الدول التي تعترف بها الأممالمتحدة نفسها، وتمنحها حق العضوية.