انتخاب الجزائر عضوا غير دائم في مجلس الأمن في ولاية تنطلق ابتداء من بداية يناير 2024 يمثل بالنسبة إلى نظام الكابرانات حدثا يستحق كل هذا التهليل والتطبيل الذي يجري في وسائل الإعلام الجزائرية، وفرصة لاسترجاع الأنفاس واستعادة التوازن بعد كل الإخفاقات والأزمات التي عاشتها الدبلوماسية الجزائرية منذ أن اعترفت الولاياتالمتحدةالأمريكية ومدريد بمغربية الصحراء. ولذلك وجد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في هذا الخبر العابر والروتيني فرصة لإعادة بث سمومه ونشر عقده وهو يوجه رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ما هي بالتهنئة ولا هي بالشكر، لكن المؤكد أنها رسالة حقد وكراهية بعد الإشارات التي حملتها عن مغربية الصحراء. لن نناقش مواقف الجزائر والجزائريين فهي معروفة فيما يخص قضية الوحدة الترابية للمملكة. ما يهمنا هنا هو مدى أهمية انتخاب الجزائر عضوا غير دائم بمجلس الأمن، ومدى تأثير هذا الموقع الذي ستحتله على مدى عامين في هذه الهيئة التقريرية العليا لمجلس الأمن. صحيح أن الجزائر ستدخل خلال هذه الفترة دائرة المصوتين في مجلس الأمن، ومن ثمة بإمكانها التعبير عن رفضها أو دعمها للقرارات التي يتخذها المجلس، لكن هذه المشاركة ستظل في النهاية ضمن نطاق الرأي الذي لا يؤثر كثيرا على مصالح المغرب بالنظر إلى أن العضو غير الدائم لا يمتلك حق الفيتو ولا الصلاحيات الواسعة كي يؤثر بعمق في القرارات. المدخل الوحيد الذي ستحاول الجزائر من خلاله إزعاج المغرب والتأثير على مصالحه خلال عضويتها بالمجلس هو محاولة تشكيل تحالفات وتكتلات بين الأعضاء غير الدائمين لتأييد ودعم أطروحة الانفصال في الصحراء المغربية، ومحاولة دفع هؤلاء الأعضاء إلى توجيه قرارات مناهضة للمغرب، ولحقوقه التاريخية الشرعية في أقاليمه الجنوبية. ومع أن هذا التأثير سيظل محدودا إلى أبعد الحدود إلا أننا مقبلون فعلا خلال العامين المقبلين على موجة زائدة من العداء والكراهية ضد المغرب سيحاول الكابرانات خلالها استثمار هذا الموقع إلى أبعد الحدود. ولعلّ هذه البداية الساخنة التي يريد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن يدشنها حتى قبل انطلاق ولاية العضوية الدائمة دليل على أن النظام الجزائري متلهف إلى مثل هذه الفرص. ومصدر هذا التلهف هو الانتكاسة الكبرى التي شهدتها الدبلوماسية الجزائرية في السنوات القليلة الماضية، والحصار الذي أضحت تشعر به في مختلف ساحات العمل الدولي العربية والقارية والدولية. لم يعد هذا النظام المحكوم بعقلية العسكر ونواياه التخريبية يجد المجال المفتوح من أجل توجيه الرسائل السامة المعتادة أو محاولة التأثير على حقوق المغرب، لأنه ببساطة يفتقد الطاقة التي كان يمتلكها في الماضي، بسبب الخطة الاستراتيجية البعيدة الأمد التي يعمل بها المغرب منذ زمن وآتت أكلها في السنوات الماضية بمزيد من الاعترافات الدولية الوازنة بمغربية الصحراء، وتحييد مواقف بعض الدول المؤثرة في الملف مثل إسبانيا، وكذا تغيّر خارطة التحالفات الدولية جذريا منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية. لكن لا يمكن أن ننكر أن هذا الانتخاب يمثل بالنسبة لنظام مأزوم ومحرج داخليا وإقليميا ودوليا متنفسا ولو على الواجهة الدعائية والإعلامية فقط. وهذا ما يحاول الإعلام الرسمي هذا اليوم القيام به، من خلال احتفاء غير طبيعي بهذا الانتخاب على الرغم من أنه حق تستفيد منه كل الدول الأعضاء في الأممالمتحدة بالتناوب. لكن نظرا لتكرار الهزائم التي حصدها هذا النظام في الآونة الأخيرة، وفشله في تحقيق كل أهدافه الاستراتيجية التي أنفق عليها المليارات من أموال الشعب الجزائري وانهيار وهم الدويلة المستنبتة يصبح الحصول على عضوية في مجلس الأمن عرسا دبلوماسيا لا يمكن أن يفوّت الكابرانات الاحتفال به والتهليل له بقراءات مضللة تدّعي انتصارات ومعارك أسطورية تخوضها دولة من ورق.