رد قوي وساخن هذا الذي دشنته تنسيقيات الأساتذة المتعاقدين على إصرار الحكومة في المضي قدما في فرض التوظيف بالتعاقد. يومان ساخنان وعنيفان شهدتهما العاصمة الرباط ومناطق أخرى في مختلف أرجاء المملكة، كانت جوابا كافيا على تصريح رئيس الحكومة يوم الخميس الماضي، الذي أكد فيه أن لا تراجع عن خيار التوظيف الجهوي. ورغم أن العثماني حاول في هذا التصريح تجاوز نعت "التعاقد" الذي يعتبر صميم الخلاف بين الحكومة وموظفيها المحتجين، إلا أنه يبدو أن المعركة بينهما ستطول. في افتتاحه لمجلس الحكومة حاول سعد الدين العثماني مرة أخرى إضفاء الطابع الاستراتيجي على خيار التعاقد من خلال ربطه بورش الجهوية. وقال رئيس الحكومة إن الحكومة مضت وبإرادة إلى أبعد ما يمكن من خلال إصلاح النظام الأساسي لأساتذة أطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، مؤكدا أنه لا رجعة عن خيار التوظيف الجهوي تماشيا مع خيار الجهوية المتقدمة وميثاق اللاتمركز الإداري بعدما بدء العمل على تنزيل مقتضياته. إصرار العثماني على الربط بين التوظيف بالتعاقد في قطاع التعليم وبين مسألة الجهوية واللاتمركز محاولة واضحة للاحتماء بالدولة لتقاسم المسؤولية من جهة، ولتقوية موقف الحكومة المهزوز من جهة ثانية. وبعد ليلة السبت الساخنة التي شهدت محاولة لاعتصام الأساتذة المتعاقدين أمام البرلمان جوبهت بتدخل أمني قوي لتفريق المتظاهرين استخدمت فيه خراطيم المياه. وانتزعت التنسيقيات في معركة السبت نقطة إضافية في معركتها مع الحكومة بعد التدخل الأمني الذي خلف مشاهد ولقطات تعنيف جديدة من المحتمل أن تؤثر على صورة الحكومة ومقاربتها التي يشوبها الكثير من الارتباك والتخبط. ومن المرتقب أن تزيد هذه المشاهد من درجة التعبئة النقابية حول ملف الأساتذة المتعاقدين. وفي هذا الإطار يتوقع أن يشهد الإضراب الذي دعا له التحالف النقابي الخماسي للهيئات الأكثر تمثيلية من الثلاثاء إلى الخميس المقبلين نجاحا وتجاوبا كبيرا عقب الأحداث التي شهدتها اعتصامات الأساتذة المتعاقدين. وكان الإضراب الذي نفذه التحالف الخماسي يومي 13 و14 من مارس الحالي، قد عرف استجابة واسعة لشغيلة قطاع التعليم، وشهد تضامنا كبيرا من الأساتذة المرسمين مع زملائهم المتعاقدين. وعزت بعض المصادر النقابية النسبة العالية للاستجابة للإضراب إلى الغضب الشديد الذي لرجال ونساء التعليم من مشاهد التعنيف التي تعرض لها المتعاقدون في احتجاجاتهم. وقد واصل الأساتذة المتعاقدون عبر مختلف التنسيقيات التي تمثلهم مسلسل الاحتجاجات يوم الأحد بعد أن دشنوا مسيرة حاشدة انطلاقا من وزارة التربية بالرباط، وذلك في إطار دعم البرنامج الاحتجاجي التي دعت إليه التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد. وانضمت تنسيقيات المتعاقدين إلى المسيرة التي دعا إليها “الائتلاف المغربي للدفاع عن التعليم العمومي”. وشارك المئات، من النقابيين والأساتذة المتعاقدين في المسيرة التي طالبت بإسقاط “التعاقد” والإدماج الفوري للأساتذة المتعاقدين في نظام الوظيفة العمومية. ومن المتوقع أن تضاعف المقاربة الأمنية من الزخم الاحتجاجي للأساتذة المتعاقدين. وكانت وزارة التربية الوطنية قد باشرت بعض الإجراءات القانونية ضد الأساتذة المتعاقدين المضربين عن العمل وأمهلتهم أسبوعا للالتحاق بوظائفهم، وبدأ هذا التهديد في إحداث اختراق في جبهة المحتجين، الذين فضل البعض منهم العودة إلى الفصول وتوقيع عقد التوظيف تحت رعاية الأكاديميات الجهوية، غير أن مشاهد ليلة السبت العنيفة قد تعيد المعركة بين الحكومة والمحتجين إلى نقطة الصفر. وظهرت معالم هذه العودة بعد رفض التنسيقية الوطنية للمتعاقدين الجلوس إلى طاولة الحوار بناء على الدعوة التي وجهتها وزارة التربية الوطنية يوم السبت. ويرتقب أن تشهد الأيام القليلة المقبلة استمرار شد الحبل بين الحكومة والأساتذة. وبدأ شبح السنة البيضاء يلبد سماء السنة الدراسية على بعد أسابيع قليلة من مواعيد الامتحانات الوطنية والجهوية. وتسود حالة من القلق والتوجس في أوساط الأسر والتلاميذ خصوصا في المؤسسات التي تعرف كثافة في توظيف المتعاقدين، والذين اختاروا السير قدما في نهج الإضراب والاحتجاج. وتتساءل الأسر وأولياء الأمور عن مصير أبنائهم وبناتهم الذين قد يحرمون من دروس الدورة الثانية التي قد يحاسبون عنها بالمقابل في الامتحانات المرتقبة خصوصا بعد فشل وزارة التربية الوطنية في إيجاد حلول بديلة.