لم يعد لدى جنرالات الجزائر أي هامش للمناورة أو المبادرة الدبلوماسية تجاه المغرب. هذه هي فحوى القرار الذي أعلنه وزير الخارجية الجزائري والقاضي بقطع العلاقات بصفة كاملة مع المغرب. إنها محاولة يائسة للهروب إلى الأمام بعد أن أحرجت المبادرات المغربية العصابة الحاكمة وحشرتها في الزاوية أمام الشعب الجزائري والمنتظم الدولي ودول المنطقة. الرد على دعوة المصالحة بقرار بهذا التطرف أكبر دليل على أن النهج المغربي موجع لثوابت العسكر القائمة على اختلاق العداوة مع المغرب وتصويره أمام الشعب الجزائري المغلوب على أمره كعدو غاشم يريد النيل من استقرار الجزائر. بعبارة أوضح لقد أحرجت المبادرات السلمية ودعوات التطبيع المتوالية التي تقدم بها المغرب عصابة العسكر ووضعتها في موقف لا تحسد عليه، بالنظر إلى أن النظرية الأمنية المتحكمة في دواليب القرار السياسي الجزائري قائمة على ثابت أساسي هو تخويف الداخل من عدو الخارج أي المغرب. لكن عندما يكسر المغرب هذه الأسطورة ويبدد هذا الوهم بتلك الدعوة التاريخية التي أعلنها الملك محمد السادس في خطاب ذكرى عيد العرش لتطبيع العلاقات وفتح الحدود، فمن الطبيعي أن تفقد القيادة العسكرية البوصلة وتلجأ إلى أسهل الحلول وأكثرها جنونا بإعلان القطيعة الكاملة. صحيح أنه قرار مضحك بالنظر إلى أننا نعلم جميعا أن العلاقات بين البلدين مقطوعة أصلا وليست لها أبعاد معتبرة سياسيا أو اقتصاديا، لكن العسكر يتشبثون بقشة مهما صغرت من أجل الإبقاء على واقع التوتر والأزمة، وبالتالي استمرار تحكم الجيش في القرار السياسي، وتأجيل أي تغيير ديمقراطي من النوع الذي يطالب به الحراك الشعبي منذ أكثر من عام ونصف. إعلان قطع العلاقات يتخذ بالنسبة للعسكر بعدا رمزيا كبيرا بعد العجز التام عن تبرير قرار رفض التطبيع وعدم التفاعل بشكل إيجابي مع اليد المغربية الممدودة نحو السلام وبناء المستقبل. إنه قرار ينطوي على قدر كبير من الإفلاس والجمود وانعدام الرؤية لأنه يسير ضد تيار التاريخ ويتحدى حتميته السائرة نحو اندماج وتكتل دول وشعوب المنطقة. كما أنه إرهاصٌ من إرهاصات قرب انهيار هذا النظام العسكري المتهالك والماضوي. كيف يمكن أن يقنع العسكر الشعب الجزائري بوجاهة قرارهم ومنطقيته؟ لا يمتلك هؤلاء أي حجج أو أدلة على الاتهامات المضحكة التي أطلقوها ضد المغرب. وهم أول من يعلم أن ملف أزمة الحرائق وعلاقة المغرب بحركة الحكم الذاتي في القبائل ملف فارغ لا يمكن الاعتماد عليه بتاتا في مرافعة دبلوماسية معقولة. والذي يتأكد منه الشعب الجزائري يوما بعد يوم وقرارا بعد قرار أن هناك تخوفا بل رعبا يعيشه عسكر الجزائر من أي انفتاح أو تطبيع يعيد العلاقات الإنسانية والسياحية والاقتصادية إلى مستواها الطبيعي. الجنرالات يؤجلون بمثل هذه القرارات المتطرفة تلك الصدمة المدمرة التي يمكن أن يعيشها المواطنون الجزائريون الذين سيلجون المغرب عبر حدوده الشرقية ليكتشفوا عالما مختلفا مفارقا تماما لبروباغندا التشويه التي يمارسها الإعلام الرسمي في الجزائر. العصابة الحاكمة في الجزائر تدرك أن الصورة الحقيقية التي سيراها الجزائريون في طنجة والدار البيضاء ومراكش ووجدة والسعيدية يمكن أن تولد ذلك الغل والحقد القاتل تجاه العصابة التي تكذب على شعبها منذ عقود وتصور له المغرب والمغاربة كشعب جائع لا يجد ما يقتات عليه. هذه هي الخلفية الحقيقية التي تحكم القرار المتوتر بقطع العلاقات. إنها الرغبة في مزيد من التعتيم والتضليل وتأجيل الموقف الشعبي القادم لا محالة، الذي سينهي حكما ينتمي إلى حقبة الحرب الباردة ويصر على إذلال شعب أبي باستغلال ثرواته ومقدراته في حروب وصراعات لا طائل من ورائها.