رفعت قيادة الجيش الجزائري، السبت، من لهجتها تجاه المحيط الرئاسي بعد رفض دعوة سابقة لانسحاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من الحكم، وهددت بمواد دستورية جديدة تتحدث عن "سيادة الشعب" على المؤسسات. وخلص اجتماع طارئ، السبت، ترأسه نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أحمد قايد صالح، إلى أن المؤسسة العسكرية لا تمانع في العودة إلى المادتين 7 و8 إلى جانب المادة 102 من الدستور.
وتنص المادتان 7 و8 من الدستور على مبدأ "الشّعب مصدر كلّ سلطة"، و"السّلطة التّأسيسيّة ملك للشّعب".
وتعالج المادة 102 من الدستور حالات استقالة الرئيس أو وفاته أو عجزه، إذ تنص على تنصيب رئيس مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان) خلفًا له لمدة 90 يومًا، تنظم خلالها انتخابات جديدة.
إخراج المادة 28 لأول مرة
بيان الجيش، معلومات خطيرة مفادها "أن اجتماعا عقد السبت، من طرف أشخاص معروفين، سيتم الكشف عن هويتهم في الوقت المناسب، من أجل شن حملة إعلامية شرسة في مختلف وسائل الإعلام، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، ضد الجيش، وإيهام الرأي العام بأن الشعب الجزائري يرفض تطبيق المادة 102 من الدستور".
كما أخرج قائد الأركان، مادة حول صلاحيات الجيش، وهي المادة 28 من الدستور، والتي تنص على "تنتظم الطّاقة الدّفاعيّة للأمّة، ودعمها، وتطويرها، حول الجيش الوطنيّ الشّعبيّ. تتمثّل المهمّة الدّائمة للجيش الوطنيّ الشّعبيّ في المحافظة على الاستقلال الوطنيّ، والدّفاع عن السّيادة الوطنيّة".
وشدد على أن اقتراحاته جاءت "بصفته الضامن والحافظ للاستقلال الوطني، والساهر على الدفاع عن السيادة الوطنية والوحدة الترابية وحماية الشعب من كل مكروه ومن أي خطر محدق، وفقا للمادة 28 من الدستور".
وفي هذا السياق، أوضح رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (علماني معارض)، محسن بلعباس، فإن الاجتماع المشار إليه في بيان الجيش "ضم السعيد بوتفليقة، الشقيق الأصغر للرئيس ومستشاره الخاص، ورئيس جهاز المخابرات السابق الفريق محمد مدين المدعو توفيق".
وقال بلعباس، على صفحته الرسمية بموقع "فايسبوك"، إن "قايد صالح، بدأ يغضب، وأجبره اجتماع عُقد في زرالدة (مقر إقامة الرئيس)، حضره رئيس المخابرات السابق، وشقيق الرجل المصمم على عدم الاستقالة، على عقد اجتماع طارئ مع مسؤولين عسكريين آخرين حاضرين في وسط البلاد".
وحسب قناة الشروق (خاصة)، فإن "الاجتماع حضره ضابط من المخابرات الفرنسية، وكان يستهدف حل البرلمان بغرفتيه، وتعيين الرئيس السابق اليمين زروال، رئيسا انتقاليا، والفريق مدين مستشارا أمنيا، وترك البلاد في فراغ دستوري".
رد طال انتظاره
وجاءت تصريحات قايد صالح الجديدة، بعد أيام من انتظار رد الرئاسة والمجلس الدستوري على مقترحه بحل الأزمة عبر انسحاب الرئيس بوتفليقة من الحكم، استجابة لمطالب الشارع، والشروع في مرحلة انتقالية يحددها الدستور في 90 يوما.
لكن أحمد بن بيتور، رئيس الحكومة الأسبق، يرى أن حديث قائد الجيش هذه المرة عن المادتين 7 و8 من الدستور هو للضغط على المجلس الدستوري، الذي رفض إعلان شغور منصب الرئيس.
وأوضح بن بيتور، أن قيادة الجيش تهدد باللجوء إلى مواد دستورية أخرى تعطي الشعب سيادة على المؤسسات وذلك بتنحية الرئيس دون الإخلال بالنظام الدستوري.
من جهته، قال عبد المجيد مناصرة، الوزير الأسبق، والذي ترأس أيضا حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي في البلاد) أن بيان الجيش الأخير، "لا يمكن أن يبقى بدون خطوات عملية، إنما سيكون مشفوعا بجملة من الإجراءات الجريئة".
ويفصل مناصرة هذه الإجراءات، في منشور له على موقع فايسبوك، بالقول "اعتقال من أشار إليهم البيان، وحماية الحدود والمعابر البرية والبحرية والجوية، وبعد عودة بن صالح من تونس (القمة العربية) تطبيق ما تقتضيه المواد 07 - 08 - 102 بداية بعزل الرئيس بوتفليقة، وتغيير نظامه، وفتح الملفات الكبىرى للفساد".
في إطار الدستور
وعلق الخبير الأمني، العقيد المتقاعد العربي شريف، على بيان وزارة الدفاع قائلا، "مؤسسة الجيش لم تَحِد، عن مهامها الدستورية، والبيان استند إلى المادة 28 من الدستور، التي تخول للجيش التدخل إذا ما قدر أن خطرا داهما يحدق بالبلاد".
وتنص المادة 28 من الدستور على أن "تنتظم الطّاقة الدّفاعيّة للأمّة، ودعمها، وتطويرها، حول الجيش الوطنيّ الشّعبيّ".
و"تتمثّل المهمّة الدّائمة للجيش الوطنيّ الشّعبيّ في المحافظة على الاستقلال الوطنيّ، والدّفاع عن السّيادة الوطنيّة".
كما تنص أيضا على أن الجيش "يضطلع بالدّفاع عن وحدة البلاد، وسلامتها التّرابيّة، وحماية مجالها البرّيّ والجوّيّ، ومختلف مناطق أملاكها البحريّة".
وقال العقيد شريف، للأناضول، إن تحرك الجيش يأتي بالتزامن مع فشل السياسيين في إيجاد مخرج للأزمة يستجيب لمطالب الشعب التي رفعها في مسيراته المليونية.
وحسب ذات المتحدث، فإن مؤسسة الجيش، أشارت إلى حلول في إطار الدستور، تتضمنها المواد 07 و08 و102.
وفي 26 مارس الماضي، اقترح قايد صالح، تنظيم مخرج دستوري للأزمة من خلال تطبيق نص المادة 102، التي تنص على شغور منصب رئيس الجمهورية بداعي المرض أو الاستقالة.
وجاء تحرك القايد صالح، بعد أسابيع، من مظاهرات مليونية بدأت في 22 فبراير الماضي، ضد استمرار الرئيس بوتفليقة في الحكم، والمطالبة برحيل كامل رموز نظامه.
ولفت شريف، إلى أنه في حالة ما إذا تواصل فشل السياسيين في وضع خطة طريق تنهي الانسداد، فإن المؤسسة العسكرية، ستخدد إجراءات إضافية ضمن الإطار الدستوري.
ونبه إلى أن الجيش، تفطن إلى إسناد بيانه الأخير إلى قواعد دستورية واضحة، لأنه "إذا تم تجاوز القانون الأسمى في البلاد نكون قد دخلنا في غابة". قبضة حديدية
ووفقا للمحلل السياسي الجزائري، عابد شارف، فإن قايد صالح، اقترح على الرئيس بوتفليقة، التنحي عن السلطة بسبب المرض أو الاستقالة، غير أن الأخير رفض ذلك.
وأوضح شارف، على صفحته الرسمية بفايسبوك، أن بوتفليقة متمسك بخطة الطريق التي قدمها في 11 مارس، التي تنص على تمديد العهدة الرابعة، وتنظيم ندوة وطنية.
ورفض الجزائريون، في 3 جمعات متتالية خطة العمل التي اقترحها بوتفليقة، ولم يتقبلوا التمديد غير المباشر لحكمه بعد 28 أبريل المقبل، الموعد الدستوري لنهاية عهدته.
الأمر الذي دفع رئيس أركان الجيش، إلى اقتراح حل دستوري موجود في نص المادة 102.
وانزعج القايد صالح بشدة، من محاولات تسويق جهات لما مفاده أن "الشعب رفض تطبيق المادة المذكورة"، وهو ما جعله يتحدث في البيان الأخير عن أصحاب النوايا السيئة، الذين يريدون "ضرب مصداقية مؤسسة الجيش".
هل هناك مؤامرة؟
وبالنسبة للمحلل السياسي، عبد العالي رزاقي، فإن البيان الأخير لوزارة الدفاع الوطني، بني على معطيات جديدة "تخص عائلة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة".
وقال رزاقي، للأناضول، إنه "بات واضحا أن عائلة الرئيس، ترفض تقديم استقالته، وتحاول التحالف مع مجموعات ضد قائد الأركان".
وأضاف أن "اجتماع شقيق الرئيس، مع الرئيس السابق للمخابرات، ومحاولة إقحام الرئيس السابق اليمين زروال، في تنظيم فراغ دستوري، مؤامرة انقلابية تهدف لإبعاد قائد الأركان".
وتابع "إذا صحت المعلومات عن حضور ضباط فرنسيين الاجتماع، فإنه كان هناك تحضير لخارطة طريق فرنسية للالتفاف على مطالب الشعب الجزائري وزجه في متاهات خطيرة".
وعن إشارة الجيش إلى تطبيق المواد 07 و08 و102، قال رزاقي، إن المادة الأخيرة تتحدث عن "شغور المنصب الرئاسي"، وتطبق بإجراءت عديدة منها "تولي رئيس مجلس الأمة رئاسة الدولة لمدة 90 يوما".
وتابع أن هذه المادة يمكن أن تطبق أيضا من خلال المادتين 07 و08، وبعض الأصوات روجت أن "قايد صالح يريد تعيين بن صالح، رئيس مجلس الأمة، مكان بوتفليقة، لاستمرار النظام، وهذه مغالطة للرأي العام".