"القراءة هي طوق نجاة الأمم..القراءة مستشفى للعقول"، لم تكن تعلم الصغيرة مريم أمجون، بطلة تحدي القراءة، أن هذه الكلمات ستفتح لها قلوب الملايين من العرب، ممن أسرتهم بفصاحتها وذكائها وجرأتها على التحدث أمام الكاميرا ومن منصة "أوبرا دبي" وهي في سن التاسعة. حكاية دمعة
ساحت دمعات فرح من عيونها على خدها وغالبتها على الكلام، حين أعلن مقدم المسابقة جورج قرداحي عن اسم الصغيرة مريم أميرة للقراءة، صورة واحدة لهذا المشهد انتشرت بسرعة على مواقع التواصل الاجتماعي وصارت في ظرف زمني قصير حديث القاصي والداني خاصة في وطنها المغرب.
تطل علينا الأميرة الصغيرة في صورة للتاريخ، بوجهها الدائري كقمر هائم في سماه يضيء عتمة الجهل والأمية، بعينين عسليتين يشع منهما أمل جيل جديد ووجنتين حمرواتين كالتفاحة، ترفع رأسها بشموخ وعزة وتتسيد منصة التتويج.
هذه الصورة تخبئ حكاية طفلة تحمل جينات حضارة أمازيغية لا زالت حية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، ألّف واحد من عظمائها أول رواية في التاريخ بعنوان "الحمار الذهبي".
وراء كل عظيم أسرة مكافحة
نشأت مريم المزدادة سنة 2009 في محيط خارجي تطغى عليه لغة التيئيس، فقد قضت أربع سنوات من طفولتها في قرية بني وليد المنسية في المغرب العميق، قبل أن تنتقل رفقة والديها إلى البلدة الريفية تيسة قرب مدينة تاونات، وولجت هناك المدرسة الابتدائية "الداخلة" وهي تابعة للتعليم العمومي.
سيتمكن والدها لحسن أمجون أستاذ الفلسفة ووالدتها عايدة الزاهري أستاذة علوم الحياة والأرض، من صنع عالم خاص لطفلتهما تتنفس فيه هواء القراءة، حيث صنعا لها مكتبة منزلية في بلدة لا تتوفر على مكتبة عمومية، ووفرا لها جوا منسابا للنمو بين أحضان الكتاب، وهو خير أثاث داخل المنزل، كما تقول والدة أميرة القراءة.
أولى علامات الحب العذري بين مريم واللغة العربية، ظهرت خلال سنواتها الأولى، عبر حفظ الأناشيد وترديدها، فتطوّر بعد تعلمها الكتابة والقراءة إلى نهم بأكل مؤلفات القصص والأشعار حتى تشبع رغبتها الجامحة، بعيدا عن دوامة الألعاب الالكترونية والبرامج التلفزيونية.
مسار أميرة
شاركت مريم أمجون، خلال الموسم الدراسي الماضي "2017/2018"، في المسابقة الوطنية ل"تحدي القراءة العربي"، وتوجت باللقب في المغرب شهر أبريل وهي آنذاك تتابع دراستها في الفصل الثالث ابتدائي.
وتمكّنت "دودة الكتب" الصغيرة هذه من التهام 100 كتاب في ظرف سنة بمعدل ثماني كتب في الشهر، متحدية شغف الطفولة والرغبة بالبقاء أطول وقت ممكن في اللعب بالخارج مع أقرانها من الأطفال.
مريم التي شاركت ب60 كتابا، تفوقت في المراحل الإقصائية وطنيا من بين 597 ألف متسابق يمثلون 2612 مؤسسة تعليمية، ثم واصلت طريق النجاح بالمرور إلى النهائي بين 16 متسابقا، قبل أن تفوز بلقب "تحدي القراءة العربي في المغرب" بعد تميزها في النهائي أمام خمس منافسين.
التتويج وطنيا سيطير بالصغيرة في رحلة طويلة إلى الامارات العربية المتحدة، للمشاركة في التحدي العربي ومنافسة مشاركين من 44 دولة، ما يعني أنها في المرحلة النهائية للقب تسابق لأجله 10.5 مليون مشارك في مختلف الأقطار العربية من المحيط إلى المحيط.
مريم..شعلة الأمل في جيل قارئ
لم يتمالك الشيخ محمد بن راشد، حاكم إمارة دبي، نفسه وهو يرى دموع الطفلة مريم بعد إعلانها بطلة للمسابقة، فانحنى يكفكف دموعها متخليا عن البروتوكول في سلوك نابع من غريزة الأبوة، وكأنه يريد أن يتبنى "فصيحة العرب" لتنشئة "جيل الأمل العربي.
ولم يكن الشيخ محمد بن راشد وحده هو الذي انبهر بطلاقة لسان الطفلة المغربية ومهاراتها اللغوية وجرأتها في المناقشة بثبات دون أن تدع أي مجال ليساورها الشك في قدراتها، وهي الصغيرة ذات التسع سنوات فقط.
وقد كان تتويجها متوقعا لما بصمت عليه من تألق في المعلمة الإماراتية "أوبرا دبي"، حيث كسبت أصوات الجمهور ولجنة التحكيم ونالت إعجابهم، لتحصل على أغلى لقب عربي في هذا المجال.
وواصلت مريم أمجون إبهار الجميع في مشهد رهيب وهي الصغيرة حجما والكبيرة معرفة، حيث التف حولها جيش من الصحفيين بميكروفوناتهم وكاميراتهم دون أن تهتز ثقتها ولا أن تتلعثم في حديثها، بل رسمت ابتسامة بهية على وجهها وصارت تدلي بالتصريح تلو الآخر وتجري الحوارات وتهيمن بحضورها على البلاتو التلفزيوني.
فكم نحتاج من مريم لبناء جيل عربي جديد، جيل مثقف ينضب بالعقول النابغة، جيل ينشأ بقراءة الكتب التي قالت عنها مريم: "إنها تطرد الجهل والبلاهة والتفاهة من العقول''.