وضعية السوق العشوائي لبيع السمك بالجملة بالجديدة: تحديات صحية وبيئية تهدد المستهلك    منتدى الصحافيين والإعلاميين الشباب يجتمع بمندوب الصحة بإقليم الجديدة    تلميذ يرسل مدير مؤسسة تعليمية إلى المستشفى بأولاد افرج    معرض القاهرة الدولي للكتاب .. حضور وازن للشاعر والإعلامي المغربي سعيد كوبريت في أمسية شعرية دولية    لقاء ينبش في ذاكرة ابن الموقت    الخارجية الأمريكية تقرر حظر رفع علم المثليين في السفارات والمباني الحكومية    الولايات المتحدة.. طائرات عسكرية لنقل المهاجرين المرحلين    طنجة.. حفل توزيع الشواهد التقديرية بثانوية طارق بن زياد    تدشين وإطلاق عدة مشاريع للتنمية الفلاحية والقروية بإقليمي تطوان وشفشاون    إسرائيل تفرج عن محمد الطوس أقدم معتقل فلسطيني في سجونها ضمن صفقة التبادل مع حماس    بطولة إيطاليا لكرة القدم .. نابولي يفوز على ضيفه يوفنتوس (2-1)    ملفات التعليم العالقة.. لقاءات مكثفة بين النقابات ووزارة التربية الوطنية    تفكيك شبكة تزوير.. توقيف شخصين وحجز أختام ووثائق مزورة بطنجة    الكشف عن شعار "كان المغرب 2025"    الدفاع الحسني الجديدي يتعاقد مع المدرب البرتغالي روي ألميدا    أغنية "Mani Ngwa" للرابور الناظوري A-JEY تسلط الضوء على معاناة الشباب في ظل الأزمات المعاصرة    أوروبا تأمل اتفاقا جديدا مع المغرب    "الحُلم صار حقيقة".. هتافات وزغاريد وألعاب نارية تستقبل أسرى فلسطينيين    استمرار الأجواء الباردة واحتمال عودة الأمطار للمملكة الأسبوع المقبل    القنصلية العامة للمملكة بمدريد تحتفل برأس السنة الامازيغية    هوية بصرية جديدة و برنامج ثقافي و فني لشهر فبراير 2025    حصار بوحمرون: هذه حصيلة حملة مواجهة تفشي الوباء بإقليم الناظور    أيوب الحومي يعود بقوة ويغني للصحراء المغربية    هذه خلاصات لقاء النقابات مع وزارة التربية الوطنية    الجمعية المغربية للإغاثة المدنية تزور قنصليتي السنغال وغينيا بيساو في الداخلة لتعزيز التعاون    ملتقى الدراسة في إسبانيا 2025: وجهة تعليمية جديدة للطلبة المغاربة    إفران: استفادة أزيد من 4000 أسرة من عملية واسعة النطاق لمواجهة آثار موجة البرد    فريدجي: الجهود الملكية تخدم إفريقيا    جبهة "لاسامير" تنتقد فشل مجلس المنافسة في ضبط سوق المحروقات وتجدد المطالبة بإلغاء التحرير    أداء الأسبوع سلبي ببورصة البيضاء    وزارة الصحة تعلن عن الإجراءات الصحية الجديدة لأداء مناسك العمرة    الأميرة للا حسناء تترأس حفل عشاء خيري لدعم العمل الإنساني والتعاون الدبلوماسي    من العروي إلى مصر :كتاب "العناد" في معرض القاهرة الدولي    كيف كان ملك المغرب الوحيد من بين القادة العالميين الذي قرر تكريم ترامب بأرفع وسام قبل مغادرته البيت الأبيض بيوم واحد    "مرض غامض" يثير القلق في الهند    فعاليات فنية وثقافية في بني عمارت تحتفل بمناسبة السنة الأمازيغية 2975    وزارة الصحة تعلن أمرا هاما للراغبين في أداء مناسك العمرة    حماس تسلم الصليب الأحمر 4 محتجزات إسرائيليات    إطلاق أول مدرسة لكرة السلة (إن بي أي) في المغرب    السياحة الصينية المغربية على موعد مع دينامية غير مسبوقة    إس.رائ..يل تطلق سراح أقدم أسير فل.سط..يني    المغرب يفرض تلقيحاً إلزاميًا للمسافرين إلى السعودية لأداء العمرة    مونديال 2026: ملاعب المملكة تفتح أبوابها أمام منتخبات إفريقيا لإجراء لقاءات التصفيات    شاحنة تودي بحياة سائق دراجة نارية في قلعة السراغنة    لقجع.. استيراد اللحوم غير كافي ولولا هذا الأمر لكانت الأسعار أغلى بكثير    تيرغالين: الوداد وبركان لم يفاوضاني    الربط المائي بين "وادي المخازن ودار خروفة" يصل إلى مرحلة التجريب    "حادث خلال تدريب" يسلب حياة رياضية شابة في إيطاليا    ريال مدريد أكثر فريق تم إلغاء أهدافه في الليغا بتقنية "الفار"    نوفاكو فاشن: احتجاجات العمال غير مبررة وتسببت في خسائر فادحة    اثنان بجهة طنجة.. وزارة السياحة تُخصص 188 مليون درهم لتثمين قرى سياحية    أرقام فظيعة .. لا تخيف أحدا!    بالصدى .. بايتاس .. وزارة الصحة .. والحصبة    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"سنموت هنا مثل من سبقنا": سودانيات بين الاغتصاب والاستغلال في ليبيا
نشر في الأيام 24 يوم 22 - 01 - 2025


أسماء المهاجرات في هذا التقرير كلها أسماء مستعارة.
"احنا عايشين في رعب" هي الجملة التي سمعتها من كل من تحدثت معهن خلال إعداد هذا التقرير.
خمس سودانيات من أعمار مختلفة، دخلن ليبيا مع عائلاتهن بحثا عن حياة أفضل، فانتهى بهن المطاف أسيرات حلقة من العنف والاستغلال، حكين تفاصيلها لنا.
لجأ أكثر من مئتين وعشرة آلاف سوداني إلى ليبيا منذ اندلاع الحرب في السودان منتصف أبريل/نيسان 2023 حتى يناير/ كانون الثاني 2025 حسب تقديرات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
يحتوي التقرير على تفاصيل مزعجة.
"دعوت ربي أن نموت كلنا معا أنا وأطفالي"
سلمى أم لثلاثة أطفال، أصغرهم رضيع، وتحمل في بطنها طفلا "والده واحد من مغتصبيها في "التركينة" في ليبيا"، كما تقول.
"التركينة" -وتعني الركن في العامية الليبية- هي اسم يطلق على مراكز احتجاز عشوائية يحتجز فيها مهربو البشر في ليبيا المهاجرين حتى يدفعوا مالا مقابل إطلاق سراحهم حسب روايات متطابقة من مهاجرين في ليبيا تحدثت إليهم بي بي سي.
"يدخل المهربون صباح كل يوم بهواتف ليتصل المحتجزون بمن قد يدفع فديتهم".
وقد يترك المهاجرون مبلغا لدى المهرب في مصر على أن يرسله إليهم بعد أن يجتازوا الحدود.
لكن المهرب قد يتنكر للمهاجرين ولا يرد على اتصالاتهم اليومية من الأسر، كما حدث لسلمى التي دفعت 16 ألف جنيه مصري (مايقارب 350$) ليعبروا الحدود من مصر إلى ليبيا بداية عام 2024.
وكانت سلمى تعيش مع زوجها وأطفالها في مصر عندما اندلعت الحرب في السودان.
وظنت سلمى أن في ليبيا حياة أفضل لها ولأطفالها بعد أن ضاقت بهم السبل في مصر و"أصبحوا عرضة للنبذ والعنصرية والعنف" شأنهم في ذلك شأن سودانيين آخرين تحدثنا إليهم من بين مئات الآلاف الذين دخلوا مصر هربا من الحرب.
Getty Imagesتوجه كثير من السودانيين إلى مصر قبل العبور إلى ليبيا
لكن حياة سلمى في ليبيا "جحيم مستعر".
قضت سلمى وأطفالها وزوجها في "التركينة" نحو شهرين مع مهاجرين آخرين.
في غرفة للنساء والأطفال مفصولة عن زوجها الذي أودع غرفة خاصة للرجال، ذاقت سلمى وابنتها وولدها ألوانا من
العذاب، تتذكرها سلمى بتفاصيل مؤلمة.
"مازالت علامات الضرب على أجسامنا أنا وأطفالي.. ابني وابنتي أصيبا بالتبول اللاإرادي من الرعب والتعذيب، يضربون ابنتي ويضعون أصابع ابني في فرن مشتعل أمام أعيني" تقول سلمى باكية بحرقة.
"في أحيان كثيرة دعوت ربي أن نموت كلنا معا في آن واحد، لا سبيل آخر للخلاص"، تقول سلمى.
خفت صوت سلمى فجأة وهي تقول بخجل "كانوا يأخذونني إلى غرف مخصصة للاغتصاب، وفي كل مرة يأتي رجال مختلفون، أحمل في بطني طفلا من أحدهم الآن".
نجحت صديقة لسلمى بمصر في جمع تبرعات غطت جزءا من المبلغ قبله المهربون وأطلقوا سراحها وعائلتها عندما تأكدوا أنه لن يصلها مزيد من المال.
عندما اكتشفت سلمى حملها من المغتصبين، لم يقبل أحد مساعدتها في إجهاضه وكان قد بلغ شهره الثالث عندما عاينتها الطبية.
حين أخبرت سلمى زوجها بحملها هجرها وأطفالها.
افترشوا الأرض في الشوارع وأكلوا مما وجدت في النفايات.
في مزرعة قصية، وجدت سلمى غرفة تأويها وأطفالها وفي أطراف المزرعة بئر مكشوفة تجلب منها ماءا ملوثا لكنه يروي عطشهم، أما الجوع فقد تعودوا عليه.
"يتقطع قلبي عندما يقول لي ابني إن الجوع سيقتله" تقول سلمى وصوت رضيعها الباكي يغطي على صوتها، وهي تقول لي "جائع هو الآخر لكني لا أملك غير صدري أرضعه حتى يهدأ، رغم أنه لا يوجد به ما يشبعه".
لم تأمن العائلة شر العصابات التي يعتقد أفرادها أن المهاجرين السودانيين يخفون مالا كثيرا.
"أنتم السودانيون كذابون تدعون الفقر لكنكم خرجتم من السودان بذهب كثير" تنقل لي سلمى عن ثلاثة ملثمين هاجموا غرفتها في المزرعة.
تنقلت سلمى من مكان لمكان حتى آوتها عائلة مهاجرين في ليبيا.
يبقى عليها أن تطعم أطفالها وتحميهم، حتى بالموت الذي تتمناه لها ولهم.
وتشعر سلمى أنها لن تعود إلى السودان أبدا: "لن يقبل أهلي هناك حتى جثماني الميت وقد بت سيئة السمعة".
Getty Imagesمنذ بداية الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل نيسان 2023، هجِّر نحو 11 مليون سوداني من بيوتهم
"بت أكره جنسي ولوني الأسود"
جميلة، سودانية من دارفور في الأربعينات من عمرها. هي واحدة ممن دخلوا ليبيا قادمين من مصر بعد منتصف 2023.
ومنذ ذلك الحين، تدور جميلة وبناتها في حلقة من أحداث متكررة، تبدأ بالبحث عن عمل لتأمين مأكل وإيجار سكن وتنتهي في كل مرة بالضرب والاغتصاب المتكرر، تقول جميلة.
اغتصبت واحدة من بناتها مرتين والأخرى ثلاث مرات. "كان عمر إحداهما 19 عاما والأخرى 20 عاما عندما اغتصبتا أول مرة".
"أرسلتهما للعمل في التنظيف يوم كنت مريضة لا أقدر على العمل، فعادتا ليلا متسختين وعليهما آثار ضرب ودم، اغتصبهما أربعة رجال حتى أغمي على إحداهما وعادت الأخرى بنزيف شرجي."
تقول جميلة إنها لم تنج هي نفسها من الاغتصاب حين حبست لأسابيع في منزل دخلته للتنظيف بمقابل كانت في أشد الحاجة إليه.
"كان يعذبني ويقول إنني "سوداء مقرفة"، اغتصبني وقال إني في النهاية "امرأة خلقت ليركبها الرجال".
لم يغفل حديث جميلة عما حدث لها ولبناتها تفصيلا ولا وصفا لما شعرت به في كل مرة، كأنما تعيش ما حدث مجددا وهي تحكي وتقطع حديثها بين حين وحين مرة لتبكي وأخرى لتعتذر لي على "بشاعة التفاصيل".
تشعر جميلة أن نصيبها من كل ما يعانيه المهاجرون في ليبيا، حتى النساء، مضاعف بسبب لون بشرتها "بت أكره لون جلدي الأسود، ما ذنبي أنا لم أخلق نفسي؟" تسأل جميلة بصوت مخنوق، أسكت وتبكي حينا قبل أن تستغفر ربها وتطلب منه صبرا وفرجا.
"قبل أيام دفعني أحدهم خارج سيارة النقل الجماعي قال إن رائحتنا كريهة وعدت بأنف وشفاه دامية. حتى الأطفال هنا لا يتوانون عن إهانتنا يعاملوننا كأننا وحوش وأينما ذهبنا نسمع "يا سحرة يا سود يا أفارقة، أليسوا أفارقة مثلنا؟" تسألني جميلة، فأصمت.
لا تحلم جميلة بأكثر من العيش بأمان وأن تضع أمام أطفالها طبقا من أرز ولحم، وأن يناموا على أسرة ويركبوا دراجات كغيرهم من الأطفال، "لكننا سنموت هنا كما مات إخواننا من قبلنا"، تقول جميلة.
مثل جميلة وسلمى نساء كثيرات في ليبيا سمعت بي بي سي حكايات بعضهن، لم يستطعن مغادرتها نحو بلد آخر وهن لا يملكن مالا يدفعنه للمهربين، ولا يستطعن العودة إلى السودان والحرب دائرة فيها.
Getty Imagesخلفت الحرب دمارا وجوعا في أنحاء مختلفة من السودان.
"اغتصب الكبرى وهددنا باغتصاب الصغرى إن نطقنا"
هربت ليلى مع زوجها وأطفالها الستة من السودان بداية 2024 عندما ما هاجم مسلحون منزلهم في أم درمان واقتادوا أخاها إلى وجهة لا تعلمها حتى الآن.
اتجهت إلى مصر ومنها إلى ليبيا بعد أن دفعت للمهربين 17 ألف جنيه مصري (ما يعادل نحو 350 دولار أمريكي).
"تدهورت صحة ابني واحتاج رعاية طبية بعد ضرب كثير تعرض له حين احتجزنا مهربو البشر في ليبيا طلبا للمال"، تقول ليلى.
أطلق المهربون سراحهم بعد أيام. واعتقدت ليلى أن حياة آمنة في انتظارها وعائلتها بعد أن استأجروا غرفة في المدينة وبدأوا البحث عن عمل.
خرج زوجها بحثا عن عمل قبل أشهر ولم يعد. مازالت تنتظره وتأمل عودته لكنها تخشاها أيضا. تخاف ردة فعله إن عرف أن ابنته ذات التسعة عشر عاما اغتُصِبت في غيابه.
تعرف ليلى من اغتصب ابنتها لكن لا حول لها ولا قوة.
"نعرف من اغتصبها لكنه هددها بأنه سيغتصب أختها الصغرى إن هي نطقت بحرف." تقول ليلى بصوت مرتعش خافت وهي تحدثني من غرفة مغلقة خشية أن يسمعها أحد أو أن تعرف الجارة التي يستأجرون منزلها فتطردهم.
"نعيش الآن في رعب، لا نجد ما نأكله في أيام كثيرة، حرم أبنائي من حقهم في التعليم، ابني الصغير يخشى حتى الخروج من البيت لأن الأطفال يضربونه ويعايرونه بلونه الأسود، أشعر أني سأجن" تقول ليلى لبي بي سي.
تشعر ليلى أنها وأطفالها عالقون في ليبيا، ليس لديهم مال يدفعونه للمهربين ليخرجوهم منها ولا يستطيعون العودة إلى السودان الذي تمزقه الحرب وترهق أهله المجاعة.
منذ بداية الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل نيسان 2023، هجِّر نحو 11 مليون سوداني من بيوتهم وانتشرت المجاعة في البلاد وبات نحو نصف سكانها في احتياج شديد للمساعدات الغذائية، كما تقول تقارير المنظمات الدولية.
وتقول المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إن 210 آلاف سوداني دخلوا ليبيا منذ بداية الحرب منتصف أبريل/نيسان حتى بداية يناير/ كانون الثاني 2025.
Getty Imagesتقول المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إن 210 آلاف سوداني دخلوا ليبيا منذ بداية الحرب منتصف إبريل/نيسان حتى بداية يناير/ كانون الثاني 2025.
يقول طارق لملوم الباحث في قضايا المهاجرين وطالبي اللجوء في ليبيا، وهو الذي ساعدني في الوصول إلى بعض اللاجئات اللاتي تحدثت إليهن عبر الهاتف، إن النساء من سود البشرة هن الأضعف من بين الضحايا في ليبيا وإن "تعرض اللاجئات من السودان، خاصة العاملات في المنازل، للاغتصاب أمر يتكرر كثيرا".
وتحدث الاعتداءات الجنسية على المهاجرات غالبا على يد تجار البشر أو المواطنين الذين يشغلونهن.
وكانت النيابة العامة في ليبيا قد فككت شبكة تهريب واتجار بالبشر في الشويرف جنوب غرب ليبيا نهاية شهر أغسطس/آب هذا العام واقتحمت مخزنا احتجز فيه ألف وثلاثمائة مهاجر.
وقال بيان النائب العام إن السلطات "خلّصت بعضهم من الاحتجاز القسري، وضروب التعذيب التي أُنزِلَت بهم لغرض إرغام ذويهم على دفع مبالغ مالية مقابل إطلاق سراحهم."
ووجهت السلطات للمعتقلين من أعضاء العصابة تهم ارتكاب جرائم القتل وحجز الحرية والتعذيب والاغتصاب.
"قد أسجن إذا اشتكيت رسميا"
لم تسكت جميلة عندما تعرضت ابنتاها للاغتصاب، اشتكت لكن الشرطي الذي جاء ليعاين جريمة اغتصابهما في المستشفى تراجع عن تسجيل المحضر عندما عرف أن وجودها في ليبيا غير قانوني.
إذا سجلت الشكوى سينتهي الأمر بجميلة في السجن، حذرها الشرطي.
لم توقع ليبيا اتفاقية عام 1951 ولا بروتوكول 1967 الخاصين باللاجئين ولا تعترف بلجوء، وتعتبر كل من يدخل البلد دون تصريح رسمي "مهاجرا غير قانوني".
لذلك لا تشتكي أغلب المهاجرات ضحايا العنف والاغتصاب رسميا، خوفا من السجن.
وقالت منظمة رصد الجرائم في ليبيا، والتي توثق انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا عن طريق ناشطين هناك بشكل سري، لبي بي سي إن الاعتداء الجنسي على المهاجرات "أسلوب ممنهج شائع في طرابلس والغرب ويحدث في الشرق بشكل أقل" و إن "وضع المهاجرين غير القانونيين أفضل قليلا في الشرق وإن كانوا يتعرضون للانتهاكات هناك أيضا".
وتعتبر المنظمة عدم قدرة الضحايا على تتبع مضطهديهم قانونيا سببا من أسباب استفحال هذه الممارسة.
وقالت مهاجرات تحدثت إليهن بي بي سي إنهن تمكن من تسجيل شكاوى رسمية في الانتهاكات التي حصلت لهم في شرق ليبيا على عكس ما حدث لهن في طرابلس.
وتقتسم ليبيا حكومتان: حكومة طرابلس المعترف بها دوليا وحكومة الشرق ومقرها طبرق.
"اغتصبت تحت تهديد السلاح ثم احتجزت دون سبب"
هربت هناء، من دارفور بعد أن عانت فيها من الحبس مرارا لاتهامها بالنشاط السياسي المعارض، كما تقول.
لجأت إلى مصر بداية عام 2016 ثم انتهى بها المطاف في ليبيا نهاية عام 2023 أملا في دراسة ومستقبل أفضل لابنتها وابنها.
في ليبيا عاشت هناء وأولادها القصر "رعبا حرمهم النوم لأسابيع".
كانت هناء تعيل أطفالها مما تحصل عليه من بيع القوارير البلاستيكية التي تجمعها من مكبات النفايات.
"نزل رجال من سيارة واقتادوني إلى غرفة داخل الغابة حيث اغتصبوني والسلاح مصوب نحو رأسي" تقول هناء.
في اليوم الثاني أخذها مغتصبوها إلى مركز قرأت على واجهته لافتة "دعم الاستقرار" وتركوها هناك. حبست أياما لا أحد يعرف ما ذنبها ولا أحد سألها ما الذي أتى بها إلى هناك، تقول هناء.
"رأيت هناك أمام عيني أولادا يضربون وتنزع ملابسهم بالكامل أمامي. رموني هناك أياما أتوسد نعلي البلاستيكي وأفترش الأرض لأنام، أطلب الذهاب إلى الحمام فيستجيبون بعد ثلاث أو أربع ساعات، تلقيت ضربا كثيرا على رأسي".
تحدثت تقارير عديدة سابقة لمنظمات دولية عن اعتداءات يتعرض لها مهاجرون في ليبيا.
وكان تقرير لمنظمة العفو الدولية عام 2022 قد اتهم جهاز "دعم الاستقرار" هو مؤسسة أمنية تابعة للمجلس الرئاسي الليبي ب"اعتراض طرق المهاجرين واللاجئين واحتجازهم تعسفيًا بعد ذلك، وممارسة التعذيب وفرض العمل القسري وغير ذلك من الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان".
توجهت بي بي سي بطلب للتعليق على الاتهامات في حق جهاز دعم الاستقرار للمجلس الرئاسي الليبي لكننا لم نتلق ردا.
قالت منظمة رصد الجرائم في ليبيا والباحث طارق لملوم الذي عمل مع منظمات مختلفة في السنوات الماضية وزار مراكز احتجار مهاجرين لبي بي سي، إن الاعتداءات الجنسية على المهاجرات تحدث أيضا في مراكز احتجاز المهاجرين التي من المفترض أنها تخضع لنوع ما من الرقابة منها مركز الإيواء والاحتجاز "أبوسليم" في طرابلس التابع لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية والمخصص للنساء والأطفال.
قالوا إن "استغلال المحتجزات جنسيا يتم داخل المركز بعلم من المشرفات عليه".
وكانت منظمة أطباء بلا حدود قد قالت عام 2023 إن هناك "عددا متزايدا من التقارير بشأن تعرض المهاجرين في مركز أبو سليم "لعنف جسدي وجنسي، يتضمن التفتيش الجسدي الحميم والاغتصاب".
ولم تتلق بي بي سي ردا على أسئلة وجهتها إلى وزارة الداخلية الليبية وجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في طرابلس بشأن هذه الاتهامات.
عبرت النساء اللاتي تحدثت إليهن عن شعور بالإحباط تجاه مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في ليبيا وقلن إن المفوضية تكتفي في أغلب الأحيان بتسجيل ما يحدث معهم ولا عون يذكر يتلقونه منها.
وقالت المفوضية لبي بي سي إن "أغلب اللاجئين في ليبيا هم في حاجة عاجلة للمساعدة الإنسانية والحماية" وإنها تساعد الأفراد المحتاجين لحماية دولية "كلما كان ذلك ممكنا في حدود ما يسمح به سياق عمل المنظمة في ليبيا التي لا تعترف باللاجئين وطالبي اللجوء".
في الأثناء تبقى هناء وليلى وجميلة وسلمى كغيرهن من نساء ورجال، عالقات في ليبيا لا يستطعن العيش بأمان حيث لجأن ولا العودة إلى بلاد تمزقها الحرب.
"الظلم يبدأ من بلدك، خاصة إذا كنت امرأة" تقول جميلة التي اختتمت كلامها بدعاء ل"آلاف النساء اللاتي يعانين ولا أحد يسمع قصصهن".
* "حادث مخيف على الطريق السريع"، كيف أثّرت تصريحات وزير الداخلية عن الحجاب على أمن نساء في ليبيا؟
* ثلث سكانها مهاجرون، كيف أصبحت ليبيا أكبر مركز للهجرة نحو إيطاليا؟
* روسيا تنقل عتادا عسكريا من سوريا إلى ليبيا بعد سقوط الأسد .. تحقيق لبي بي سي يكشف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.