لم تعد تمثلاتنا عن المجرم تقتصر على ذلك الفرد المنحرف أو المضطرب عقليا الذي يجوب الشوارع، بل أصبحنا نسمع عن جرائم يرتكبها أفراد العائلة الواحدة في حق بعضهم البعض، تصل في بعض الأحيان إلى القتل. وتعدت أشكال العنف كل النظم والقيم التي تحكم عادة المجتمع المغربي، ووصلت إلى حد تعريض الأمهات والآباء إلى اعتداءات خطيرة، يستعمل فيها أحيانا السلاح الأبيض، مثلما وقع تماما أمس الخميس بطنجة، وبالضبط في منطقة بني مكادة التي استفاقت على جريمة نكراء، بطلها شاب يبلغ من العمر 31 سنة، يشتبه تورطه في قتل والدته ومحاولة الإجهاز على اثنين من أشقائه داخل مسكن العائلة.
هذه القضية التي تعكف حاليا الشرطة القضائية بمدينة طنجة على فك لغزها، ليست هي الأولى من نوعها التي تتفجر، واضعة عنف الفروع ضد الأصول في واجهة النقاش العمومي وعلى مشرحة الخبراء والباحثين، بل إن محاكم المملكة تعج بقضايا مماثلة لأبناء عاقين كانوا سببا في وفاة آبائهم بطرق بشعة.
ووفقا للقانون الجنائي المغربي، فإن عقوبة الاعتداء على الأصول (الأب والجد، وإن علا، ثم الأم والجدة، وإن علت) مؤطرة بالفصل 267، الذي ينص على أن أي اعتداء على الأصول ينتج عنه جرح أحد الوالدين تكون عقوبته السجن بين 5 إلى 10 سنوات، في حال لم ينتج عنه عاهة أو وفاة، أما إذا تسبب هذا الاعتداء في حدوث عجز لدى الأصل فإن مصير الجاني يكون هو السجن 20 سنة، وقد تتضاعف إلى المؤبد إذا حدثت وفاة، وتصل إلى الإعدام إذا كانت الجريمة مع نية الإصرار، وفقا للفصل 396 من القانون الجنائي.
ويلاحظ أنه بالرغم من أن المشرع المغربي كان حاسما في إنزال أشد العقوبات على مرتكبي هذا النوع من الجرائم، إلا أن انتشارها بشكل متزايد في المجتمع المغربي يفتح الباب أمام التساؤل عن العوامل التي تقف وراءها، علما أن بعض الأوساط المجتمعية التي كانت تبرر، وفق منطلقات شرعية وتقليدية أحيانا، العنف الزوجي، هي نفسها التي لا تقبل نفس العنف الممارس ضد الآباء والأمهات.
أزمة القيم
في تفسيره لهذا النوع من العنف، انطلق عالم النفس الاجتماعي عبد الجبار شكري، من كون الاعتداء على الآباء والأمهات سواء بالسب والقذف أو الضرب يعد "جريمة أخلاقية ضد الإنسانية، وضد كل المعتقدات الدينية على وجه الأرض وضد القيم الإنسانية، تدل على الانحطاط الأخلاقي، ومؤشر على تدهور القيم الأخلاقية والإنسانية والدينية في المجتمع"، ليعرج على العوامل التي تحكمه، في طليعتها اختلال نفسية المعتدي، ثم وجود علة على مستوى دور المؤسسات الاجتماعية في التربية والتنشئة الاجتماعية والتوجيه داخل المجتمع. من هنا يؤكد، الدكتور عبد الجبار شكري أن هذه الظاهرة ترجع إلى ثلاث عوامل أساسية: نفسية، اجتماعية واقتصادية.
بالنسبة للعوامل النفسية، يشرح شكري ل"الأيام 24″، تتمثل في كون الشخص الذي يقدم على ممارسة العنف على أبويه "يعيش عقد نفسية، منها الشعور بالتفاهة والاحتقار والإقصاء والتهميش في أي جماعة كانت، سواء الأسرة أو المدرسة أو جماعة اللعب، ويسقط كل ذلك على أبويه اللذين لم يساعدانه على الحصول على ما كان يحتاجه. فيكون هنا الضحية الأسهل ليعلق عليها كل معاناته، أبويه انتقاما منهما بشكل لا شعوري".
وبخصوص العوامل الاجتماعية، فأرجعها الأستاذ الجامعي إلى سوء التربية والتنشئة الاجتماعية التي يغيب عنها الواعز الديني والقيم الأخلاقية والإنسانية، ومن ثم يصبح مجرم الأصول فاقدا لأي مرجعية دينية، أخلاقية/قيمية وإنسانية، فتختلط عنده المقاييس، وفي نهاية المطاف يعتبر العنف ضد الأصول هو حق يمارسه كرد فعل ضد الاعتداء عليه، خصوصا إذا كان الشخص يتناول المخدرات التي تزيد من تفاقم الوضعية الاجتماعية.
أما العوامل الاقتصادية، فلخصها المختص في علم الاجتماع عبد الجبار شكري في الفقر، موضحا: "فعندما تكون القدرة الشرائية للأسرة ضعيفة جدا، مع استحالة تلبية كل حاجيات أفرادها يضطر بعض الشباب إلى مطالبة الوالدين بتمكينه من المال، وأمام رفضهما المتكر يواجههما بالعنف، خصوصا إذا كان مدمنا على المخدرات".
نتائج معكوسة
يرى صاحب كتاب "ابستومولوجيا العلوم الإنسانية"، أن المقاربة الزجرية الردعية التي يتبناها المغرب على هذا المستوى منذ ستينات القرن الماضي من خلال فصول القانون الجنائي، أثبتت عدم جدواها، بل ربما كانت لها نتائج عكسية.
وأكد عبد الجبار شكري أن نهج العقاب ليس كافيا للحد من حالات عنف الفروع ضد الأصول بالمغرب، لافتا إلى أنه "قد يكون ضاعف من حدة تفشي الظاهرة"، قبل أن يخلص إلى أن من بين المداخل التي يراها مناسبة؛ اعتماد المقاربة السيكولوجية والسوسيولوجية.