الحسن الثاني شخصية متعددة الأبعاد، فهو رجل عصري يفهم في جل النظريات ومستعد لمناقشة أهل الموسيقى وأهل المسرح، المطربين والمغنين، كما أنه رجل فقه، كثيرا ما تدخل بمناسبة الدروس الحسنية ليقترح مفهوما، أو يشرح مدلول آية... أو يرد على تأويل لم يعجبه، وكثيرا ما تفنن في فنون القول ومتاهاته مبدعا ومحللا يبهر مستمعيه وجلاسه بشساعة اطلاعه ودقة ملاحظاته..
من إشراقات الحسن الثاني التي تتجاوز حدود العقل السياسي، أنه مرة رفض استعمال كلمة "لعب" سياسي، وفسر مصدرها الأوربي jeu politique لأن السياسة بالنسبة له جد لا يقبل اللعب، ومرة اعتبر أن لفظ السلطة كما يستعمل في الأدبيات السياسية هو بمثابة استعمال لفظ في غير محله، هكذا في خطاب بمناسبة افتتاح الدورة الأولى لمجلس النواب للسنة التشريعية 1971 – 1972 خاطب الملك الراحل نواب الأمة قائلا: "في القرن العشرين لا يمكن أن يستعمل لفظة السلطة، إذ لفظ السلطة هو مشتق من السلطان، والسلطان هو ما وصف به الله سبحانه وتعالى قدرته وجاهه، لا حد له، لا نقض له ولا إبرام، فنجد للإدارة حدا ونقضاً وإبراما، في الغرفة الإدارية، في المجلس الأعلى، ونجد للقضاء ما يحد من كلماته ومن قضائه في الاستئناف، وفي المجلس الأعلى للقضاء، وفي محكمة النقض والإبرام، لذا لا يصلح لأي دستور في أي بلد ما أن يستعمل مطلقا لفظة السلطة، لما فيها من المعنى المطلق بالنسبة للحقيقة النسبية".
بماذا سنعوضها إذن؟ يقترح الحسن الثاني لفظة الواجبات بدل السلطات، "وهنا نرى – يضيف رحمه الله – حينما نستعمل لفظ الواجبات أن هناك تداخلا بين ما هو تنفيذي وما هو تشريعي".
ولكنه نسي أمر اجتهاده سريعا، حين عاد في خطاب له في القبة ذاتها بمناسبة افتتاح الدورة الأولى لمجلس النواب (السنة التشريعية 1978/1979)، ليتحدث عن أن "فصل السلطة ضروري وواجب"، وهو الأمر نفسه الذي سيلغيه في خطاب له بمناسبة افتتاح الدورة الأولى للبرلمان بمناسبة السنة التشريعية 1987 – 1988 حين قال: "قلت وكررت وما زلت أكرر أنه بالنسبة لعبد الله الضعيف خادم المغرب الأول، عبد ربه، ليس هناك فصل للسلط، أنا أبو الجميع، أبو المشرع، أبو المنفذ، أبو الصغير وأبو الكبير، أبو القوي وأبو الضعيف"!