شيماء مومن في اليوم العالمي للمرأة الذي يحتفى فيه بالنساء من كل سنة تقديرا لمكاسبهن واستحقاقاتهن وكذا إنجازاتهن الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتحتج فيه نساء أخريات من أجل الإصلاح والمساواة والإنصاف، مازالت هنالك نساء قرويات في المناطق النائية، تعشن حياة كفاح وإقصاء من الحقوق في العديد من المجالات كالتعليم والصحة.. هاته المعاناة المتواصلة خاصة بالنسبة لنساء الرحل بإقليم صاغرو نواحي زاكورة تطرح تساؤلات كثيرة حول حقوق هؤولاء من التطبيب والتمدرس والعيش الكريم، وأدوار برامج الدولة والجماعات الترابية في توفير سبل الحماية الاجتماعية لهم. نساء الرحل: صراع من أجل البقاء مازال بالمغرب بدو يعيشون حياة الترحال التي تعبرعن جزء من تقاليدهم وعاداتهم، يوتشبتون بهويتهم المتنقلة التي ترفض مبدأ الاستقرار، وتنبني على التنقل من مكان لاخر بحثا عن الطعام، ويخوضون رحلة البحث الدائم عن الماء والكلأ، وهذا النمط المعيشي لا يفرق بين الرجل والمرأة، بل تحظى النساء والفتيات فيها بنصيب كبير من العمل الذي يجمع مابين الرعاية والرعي، وبين وجلب الحطب والمياه، وكذا الاهتمام بالأرض. وفي هذا الصدد، قال شكري يدي، نائب رئيس جمعية رحل صاغر بإقليم زاكورة، أن المرأة المترحلة بمنطقة جبال صاغرو تعاني يوميا مشقات الحياة، وتتضاعف هذه المعاناة في فترات البرد والتلج والصيف الذي تقسو فيه الحياة أكثر بعد ارتفاع درجات الحرارة . "إنجاب تحت الخيام" وأوضح شكري في حواره مع "الأيام 24″، أن المرأة المترحلة في جماعة النقب بإقليم زاكورة تواجه صعوبات كثيرة منذ حملها إلى حين وضع مولودها، وأضاف أن "المرأة الحامل بهذه المناطق الجبلية المعزولة إن أمسكها المخاض تضع المولود تحت الخيام، وإن اشتد فهي تحتاج إلى سيارة إسعاف، والوصول إلى أقرب مسلك من المسالك لتلقي الإسعاف في هذه المناطق الوعرة يتطلب أربع ساعات أو خمس حملا على الأكتاف أو ركوبا على "البغال"، وأربع ساعات أخرى وصولا فقط إلى الطريق الرئيسية في اتجاه إحدى المستشفيات بزاكورة أو في بعض الأحيان بورزازات"،مشيرا إلى أن بعض نساء الرحل اللواتي يستعصى عليهن الوضع،ٍ أو اللواتي يعانين من ولادات معقدة قد يظطرن إلى التوجه إلى مستشفيات مدينة مراكش، وهنا قد تصل بعض هذه الحالات إلى الموت إذا كانت الطريق محاصرة بالثلوج". إن الطريق بالمناطق الجبلية المعزولة صعب عند تساقط الثلوج حسب قول أحد الرحالة بإقليم زاكورة بسبب انعدام المسالك، فإما محمول على البغال أم محمل على الأكتاف، وبالتالي فهذه الصعوبات والإكراهات مازالت تمتد إلى الآن، كان اخرها مشقات وصول قوافل الحملات الطبية المتعلقة إلى المناطق الوعرة والنائية التي تكسيها التلوج وتعريها الهشاشة. بنات الرحل: ذاكرة منسية الإقصاء من أبسط شروط العيش أمر لا يشمل الحق في التطبيب والاستشفاء فقط، بل يمتد ليشمل الحق في التعليم، بل حتى إن معظم زيجات وأبناء الرحل بدون أوراق ثبوتية يعود يدير شكري ليصرح على أن نسبة بنات الرحل المتمدرسات قليلة جدا بالمناطق الجبلية، إذ يمكن أن نصادف فتاة واحدة أو اثنتين فقط ممن تمكنوا من الدراسة نتيجة نقلهم إلى دواوير أخرى بها أحد أقاربهم، موضحا أن الخيمة المتنقلة للتمدرس غير النظامي كانت فكرة جيدة لتمدرس الفتيات لكن ظل نجاحها ضعيفا حسب قوله في ظل غياب دعم الجماعات والمجلس الإقليمي التابع للمنطقة وكذا وزارة التربية الوطنية. إن الحديث عن دعم التمدرس الفتيات القرويات وبنات الرحل بالخصوص يحيلنا إلى برامج الدولة بهذا الخصوص خاصة برنامج تسيير، يقول عضو جمعية الرحالة بصاغرو أن فتيات الرحل وحتى فتيانهم لايستفيدون من دعم مسار شأنه المتمدرسين بالمدارس الابتدائية العادية، هذا الدعم يشكل تشجيعا لهم على الدراسة واستمرار للمدرسة الخيمة للتربية غير النظامية التي أسستها الجمعية بمنطقة معزولة ب"تاكراكرة" التابعة لجماعة النقب بنفس الإقليم. المرأة القروية:رحلة معاناة وكفاح المرأة القروية لا تعرف معنى يوم 8 مارس ولا تعي دلالته، فإلى جانب عدم ولوجها للمدرسة إما بسبب الفقر والتهميش من جهة، أو من جهة أخرى، القيود المفروضة على حركتها، إلا أنها في بعض المناطق والقرى لا تستفيد حتى من برامج محو الأمة. في هذا السياق، قالت خديجة العيدي، رئيسة تعاونية قروية بجماعة "الوادين" التابعة لإقليم مولاي عقوب، أن النساء القرويات أميات، لايعرفن القراءة ولا الكتابة، بل الأكثر من ذلك لا يعلمن كيفية التعامل في حياتهن اليومية خاصة فيما يتعلق بالولادة والتربية، وأضافت في حوارها مع "الأيام 24" أن هؤولاء النساء تفتقدن للتوعية والتحسيس بمشاكل تتعلق بحياتهن اليومية، فمن المؤسف أن تكون المرأة القروية في ظل غياب برامج التوعية والتربية ومحو الأمية تعيش إكراهات عديدة أبسطها أنها لا تعلم تدابير العناية بالجنين بالنسبة للمرأة الحامل أو رعاية الأطفال، ولا تعي مخاطر زواج القاصرات وحقهم في التمدرس قانونيا. إن معاناة المرأة القروية بالإقليم تبتدأ من الولادة، فمن بين الأعمال التي تقوم بها المرأة القروية خارج البيت حسب تصريح رئيسة التعاونية، هي مساعدتها للرجل في عملية الحرث وجني الثمار والخضر والفواكه وغسلها وترتيبها في أكياس لتسويقها بالتعاونيات أو لادخارها لفصل الشتاء، إضافة إلى الحصاد. كما تتكفل المرأة القروية بجلب الماء اللازم للمنزل من البئر، وغسل الملابس في النهر، وجمع الحطب للطهي والتدفئة. هذه المعاناة اليومية الممزوجة بالأمية والآوعي تصبح أكثر مرارة حسب قولها حينما تفتقد هؤولاء النساء إلى أبسط الحقوق على رأسها التمدرس. انقطاع عن الدراسة، زواج مبكر بعد فقدان الأمل في الدراسة التي تصاحبها عراقيل كثيرة من بينها حاجز الفقر الذي يحول دون ولوج الفتاة القروية إلى المدرسة، يأتي الزواج، حيث أكدت رئيسة التعاونية النسوية، أن معظم الفتيات القاصرات بالمنطقة يتزوجن في سن مبكر، فسن الخامسة عشر بالمنطقة مناسب للزواج، بعد الانقطاع عن الدراسة، وأضافت "في بعض الأحيان يتم خطبة الفتاة مبكرا لشخص معين وتبقى في ذمته إلى حين وصول ذلك السن، ليتم تزويجهن قبل السن القانوني". هذا الأمر يختلف بالنسبة لنساء الرحل، إذ يوضح شكري أن نسبة تزويج القاصرات أو الفتيات اللواتي يبلغن السن القانوني قليلة نوعا ما، على اعتبار أن الفتاة المترحلة رمز للبقاء بين أحضان أسرتها لتبقى مسؤولية رعاية إخوتها والمساعدة في الأشغال الرئيسية ضمن أولويات الرحل أينما حلوا وارتحلوا. انتظارات كثيرة وبالجملة واعتراف من المجتمع بأنها عماده الحقيقي ذلك ما تطمح به المرأة القروية التي لا تعي معنى اليوم الثامن من مارس، ولا تعلم شيئا عن التمكين الاقتصادي والسياسي والثقافي الحقيقي بل تنتظر المواكبة والتأطير والتواصل من سبل أجل العيش الكريم.