على مدى أكثر من أسبوع، تصدر اسم الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي، حديث رواد مواقع التواصل، إثر الإعلان عن التحضير لعمل في المسرح القومي يسرد جوانب من سيرة واحد من أشهر الدعاة في مصر. ولم يكد الجدل حول المسرحية يخفت حتى عاد اسم الشعراوي إلى ساحة الجدل من خلال نص إملاء في امتحان اللغة العربية للصف الثاني الإعدادي. فما تفاصيل القصة؟ ولماذا لا يزال الشعراوي يثير الجدل حتى بعد مرور أكثر من عقدين على وفاته وبروز دعاة جدد على الساحة؟ "إمام الدعاة".. قطعة إملائية تحال للتحقيق بدأ النقاش هذه المرة بعد أن تداول مدونون مصريون صورا لنص كانت قد اختارته إحدى مدارس القاهرة لاختبار طلابها في حصة الإملاء. ويقدم النص الذي حمل عنوان "إمام الدعاة" نبذة عن حياة الشعراوي وفيه جمل تكيل المديح له وتشيد بأسلوبه البسيط في تفسير القرآن. وورد في النص: "الشعراوي، إمام الدعاة وأشهر علماء المسلمين في العصر الحديث، أحبه الناس لبساطة أسلوبه، والدليل على ذلك أنه عندما فسّر القرآن الكريم فهمه الجاهل والعارف، وبالرغم من أنه رحل عن عالمنا، فإنه ما زال حيا بعلمه لأن المال يفنى والعلم يبقى". استوقفت تلك القطعة النصية رواد موقع فيسبوك، خلال الأيام الماضية. فمن المعلقين من سارع إلى نشرها للاحتفاء بالشعراوي، ومنهم من شكك في الصور برمتها داعيا إلى التحقق منها. وثمة أيضا من أشاد بإدارة المدرسة لتذكير طلابها بسيرة واحد من أكثر رجال الدين تأثيرا. لكن ذلك الاحتفاء بالشيخ وبالنص الإملائي قوبل بانتقادات عديدة مما دفع الجهات التعلمية إلى فتح تحقيق في الأمر. فقد أشارت مواقع صحفية محلية إلى أن مدير منطقة إدارة الساحل التعليمية أمر بتحويل النص الإملائي إلى الشؤون القانونية لفحصه. https://twitter.com/magdyzagloul/status/1614197944953016321?s=20&t=Ut9O2Q1TGIdEu3vkPze8Iw "مخالفة لمدنية الدولة أو اعتزاز بالرموز الدينية"؟ ويرى البعض في إدراج اسم رجل دين في امتحان للإملاء، أمرا غير مبرر، ويتعارض مع مبادئ الدولة المدنية. وهنالك من طالب بتحديد شرط مسبق لصياغة أسئلة الامتحان حتى تكون مجردة من الأهواء الدينية والسياسية والإيديولوجية. وكان الإعلامي والكاتب خالد منتصر من بين مندعوا إلى فتح تحقيق عاجل في الواقعة لضمان حيادية المؤسسات التعليمية. فقد انتقد الإعلامي النص الإملائي وما تضمنه من "طيف ديني مميز"، على حد وصفه. ففي مقطع مصور نشره على يوتيوب، أشار منتصر إلى أن "منطقة الساحل التعلمية التي تتبع لها المدرسة المذكورة تضم نسبة كبيرة من الطلاب الأقباط". وتابع قائلا: "يجب أن تتعامل المؤسسة التعليمية في الدولة المدنية مع الوجدان المشترك الجمعي الوطني وأن ترسخ مفهوم المواطنة". وأكد منتصر أنه لا يعترض على شخص الشعراوي، بل يستغرب إقحام أسماء رجال الدين في اختبار للغة العربية مضيفا "يعني لا لقطعة إملاء عن الشعراوي، ولا قطعة إملاء عن البابا شنودة في مدرسة تابعة للدولة وليست مدرسة دينية". https://www.youtube.com/watch?v=VMtgdAeE4OA في المقابل، يرى مدونون أن تصريحات منتصر ومن ذهب مذهبه في المطالبة بسحب النص الإملائي، تأتي في إطار معارك جانبية لإلهاء المصريين عن قضاياهم الأساسية. https://twitter.com/EG__1419/status/1614211810533539840?s=20&t=wu9i35Ab2TBZoe في حين استنكر البعض الآخر فتح تحقيق لمجرد أن نصا إملائيا تطرق إلى ذكر الشعراوي، واعتبروه جزءا من "حملة طالت الشيخ مؤخرا". https://twitter.com/Retirednresting/status/1613853649100328963?s=20&t=0y01v_A21N8qlUy3u24q2w سجال متواصل وفي كل مرة يذكر فيها اسم الشعراوي يتخذ النقاش منحى جدليا وتتجدد معه "حرب التعليقات والمعارك الفكرية بين عشاق الشيخ ومنتقديه". ويمكن القول بأن ظهور اسم الشيخ ضمن قوائم الموضوعات الأكثر تداولا على المنصات الإلكترونية بات حدثا يتكرر في السنوات الأخيرة.. ويلعب الإعلام وبعض التيارات الدينية دورا بارزا في إثارة هذا السجال حول شخصية الشعراوي. https://twitter.com/Alaa_Elatfawe/status/1614232124873220097?s=20&t=5OwlpOOEBF5mU96qRz-HJw وعادة ما يلجأ بعض الشيوخ إلى الاستشهاد بتفاسيره ومواقفه، إذ ينظر كثيرون له باعتباره "نموذجا لعالم الدين المعتدل". لكن استدعاء تلك المواقف يولد أحيانا كثيرة ردود فعل عكسية من قبل تيار آخر يصف أفكار الشيخ ب "الرجعية". وسبق أن تناولت أقلام أستاذة علم الاجتماع وتحقيقات صحفية مصرية كثيرة سيرة الراحل، لعلها تجد فيها تفسيرا للشعبية التي يحظى بها بين المصريين. حتى أن بعضهم أشار إلى أن ضريح الشعراوي تحول في فترة معينة إلى مزار أسوة بضريح الشيخ السيد أحمد البداوي. تعلق قطاع واسع من المصريين بشخصية الشعراوي دفع صناع السينما والدراما إلى إنتاج مسلسل يتناول سيرته في عام 2003. ما سر تعلق البعض به ولماذا ينتقده البعض الآخر؟ ويرجع البعض سر تعلق بعض المصريين بالشعراوي لروحه المرحة وأسلوبه البسيط واللين في شرح النصوص الدينية. كما يرى البعض الآخر أن الشعراوي كان بارعا في إيجاد أدوات جديدة يتواصل بها مع الجمهور، فتميز عن أقرانه باستخدام لغة عامية تشبه تلك التي يستخدمها المواطن البسيط في حياته اليومية. كما ساعده في ذلك ظهوره المستمر على شاشات التلفاز، فتعلقت به الأسر المصرية التي كانت تتجمع لمتابعة برامج التلفزيون الرسمي في السبعينيات. وإضافة للبعد الديني، يرى البعض أن الشعراوي يمثل "رمزا لحقبة تاريخية وسياسية بدأت مع وصول السادات، إلى سدة السلطة وتشكيل أركان حكمه على قواعد جديدة تختلف عن حكم جمال عبد الناصر". وفي ظل التحولات العالمية في تلك الفترة، تبنى السادات سياسات داخلية تعتمد حسب كثيرين، على تبني الخطاب الديني لمواجهة التيار اليساري والتيار الناصري. من هنا ينطلق البعض في تفسير الانتقادات التي طالت أفكار وإرث الداعية الراحل. وفي الوقت الذي يتوقع مدونون أن يظل الشعراوي محل خلاف بين التيارات الإسلامية والعلمانية والقومية، يقول آخرون إن الهجوم عليه وغيره من الرموز الإسلامية يندرج ضمن هجمة أكبر" هدفها النيل من ثوابت الدين واستهداف شخصيات بقيمة الشعراوي". https://twitter.com/ahmedsayed833/status/1614222693427204096?s=20&t=lBYYQfGshAfrRHgHv8kzhw وهو ما ينفيه قطاع آخر من المدونين ممن ينادون بضرورة الانخراط في حوار فكري لإعمال العقل ورفع القدسية عن الخطاب الديني وشيوخه. https://twitter.com/eltazy90/status/1614169425023827968?s=20&t=cfHwFXqU_AoTfLgpN9wkLA ويعتبر مدونون أن البعض يؤيد الشيخ الشعراوي من دون التعرف بشكل عميق على فتاويه "التي روجت لأفكار مغلوطة عن الأديان الأخرى وحرية الاعتقاد أو تلك التي سفهت من قيمة البحوث العلمية والحديثة". كما يعيب آخرون على الشيخ أفكاره التي "حصرت النساء في قالب معين ودفاعه على عادات وتوجهات متشددة سلبت المرأة أبسط حقوقها". https://twitter.com/mohamed09644778/status/1614123926421966849?s=20&t=yfmDLAxGhOfyY4Fj67rrvw وفي ظل هذا الجدل المحتدم حول الشعراوي، خرج مستشار الرئيس المصري للشؤون الدينية، أسامة الأزهري، ببيان يفند فيه الانتقادات الموجهة للشيخ الراحل. ويبدو أن السجال حوله لن يتوقف، نظرا لحضوره المؤثر في الحياة الدينية والاجتماعية في مصر.