BBC أفردت صحف عربية مساحات واسعة لمناقشة التطورات الأخيرة على الساحة العراقية، إثر قيام أنصار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر بالاعتصام داخل مبنى البرلمان الذي دخل يومه الثالث. وفي حين حذر عدد من المعلقين من احتمال انجراف الوضع إلى "اقتتال شيعي - شيعي" بين أنصار الصدر من ناحية وأنصار الإطار التنسيقي من ناحية أخرى، اتهم آخرون الدور الخارجي في تفاقم الأوضاع في البلاد. "فتنة الصدر-المالكي" يقول صادق الطائي في صحيفة القدس العربي اللندنية إن مقتدى الصدر "بعد أن يأس من إمكانية تمرير ما كان يسميه «حكومة أغلبية وطنية» أراد أن يلقي الكرة في ملعب خصومه عبر إحراجهم بخطوات تصعيدية، فطلب من نوابه في البرلمان تقديم استقالاتهم". ويضيف أن زعيم التيار الصدري ونوابه وأتباعه "تحدوا قوى الإطار التنسيقي وراهنوا على إفشال تشكيلهم الحكومة، وقد فهم الفرقاء السياسيين من تحدي الصدريين، أنهم سيلجأون إلى الشارع والتظاهرات والاعتصامات، وصولا إلى اجتياح مكاتب الحكومة والبرلمان في المنطقة الخضراء، كما فعلوا سابقا إبان حكومة حيدر العبادي، والغرض المحدد هذه المرة هو إفشال حكومة الإطار التنسيقي التي استبعدتهم". لكنه يضع عدة تساؤلات منها: "لماذا تنازل الصدر عن استحقاقه الانتخابي؟ ولماذا خذل ناخبيه الذين صنعوا فوزه بالكتلة الأكبر؟ وما الذي سيحققه من اللجوء للشارع والتظاهرات؟ وما هي مطالبه الآن؟"، مشيرا إلى أن هذه التساؤلات لم تلق إجابة، ف "التصعيد هو اللغة الوحيدة التي يسعى لها التيار الصدري في مواجهة خصومه من سياسيي الشيعة". ويرى أن "التسريبات الصدرية حددت سقف مطالب عاليا جدا لتظاهراتهم، هو: "حل مجلس النواب وإعلان حكومة طوارئ بصلاحيات مفتوحة لحين إجراء انتخابات مبكرة. وحل مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية، وتعيين مجلس قضاء جديد مكون من قضاة مستقلين وغير تابعين للأحزاب ولا يتحكم بهم الخارج". ويخلص إلى أن "السؤال المؤرق الذي يدور اليوم في الشارع العراقي: هل يمكن أن تتحول إحدى (جرات الإذن) الصدرية إلى اقتتال شيعي شيعي نتيجة انفلات حدود الصراع بين الأطراف التي تمتلك فصائل مسلحة؟ "الصراع بين الخلايا السليمة والمسرطنة" وفي مقال لعبدالوهاب بدرخان نشر بالتزامن في صحيفتي الوطن السعودية والنهار اللبنانية يرى أن "ما لا يعترف به سياسيو العراق أنهم ليسوا في وضع صعب، في حالٍ سرطانية متقدّمة، وأنهم يساهمون في استفحالها". ويضيف أن "أحد أخطر عوامل السرطان أن تكون بداياته مزمنة ولم يحصل أي تشخيص مبكرٍ لها، إذ تمكّن النظام السابق من إخفاء عوارض المرض أو تأجيلها، وما لبثت قرارات الاحتلال الأمريكي أن قتلت أجهزة المناعة عندما حلّت الدولة والجيش والمؤسسات كافة لتعتمد على أتباع إيران في إعادة تأسيسها، ومع تزامن الانسحاب الأمريكي مع اكتمال عناصر الاحتلال الإيراني كان السرطان قد توسّع وأصبح في حاجة إلى علاج منظّم". ويقول بدرخان: "من كل القمع أطلق العراقيون، بالاقتراع أو بالمقاطعة، رسالة واضحة إلى طهران التي خرج أتباعها خاسرين. وإذ يُطرح حاليًا خيار الذهاب إلى انتخابات مبكّرة جديدة فإن النتائج هذه المرة قد تكون كارثية لمرشحي إيران وميليشياتها. فالبلد يريد أن يعيش، والصراع مستمر بين الخلايا السليمة والمسرطنة". وتحت عنوان "العراق ينزلق بسرعة إلى حافة الحرب الأهليّة والحلول الترقيعية لن تكفي"، تقول صحيفة رأي اليوم اللندنية في افتتاحيتها إن التطورات الأخيرة أثبتت أن "أنصار التيار الصدري الذين أخذوا زمام المبادرة ونزلوا إلى الشّوارع بمئات الآلاف، جعلوا جميع خصومهم، أو معظمهم، في حالة دفاع". وتضيف الصحيفة أن "مشكلة العراق الأكبر، في نظر العديد من المراقبين تكمن في تقدّم الطائفية على الهويّة الوطنية الجامعة، وتعاظم التدخّلات الخارجية التي تبذر بذور الانقسام، لأن أصحابها لا يريدون عراقًا قويا، وعلى رأس هؤلاء الولاياتالمتحدةالأمريكية التي ما زالت تحتفظ بقواعد ونفوذ كبيرين داخل العراق، ويليها إيران بالطبع". وتحت عنوان "فتنة الصدر-المالكي: الطموحات الزائدة تنهك العراق"، يحذّر حسين إبراهيم في صحيفة الأخبار اللبنانية من "خطر الانتقال إلى نزاع مسلح لا يُبقي ولا يذَر. نزاع يصْعب تصوّر كيف ينتهي، وما سيكون تأثيره على إيران التي يعمل الأمريكيون وبعض دول الإقليم على تحويل العراق إلى كرة نار تُلقى بين يديها". ويرى إبراهيم أنّ "المشكلة، الآن، تتلخّص في الطموحات الزائدة لكلٍّ من الصدر والمالكي. فالأوّل رأى في نتائج الانتخابات الأخيرة التي أعطته 73 نائباً في البرلمان المؤلّف من 329 مقعداً، فرصة لاختصار تمثيل الشيعة في شخصه... بينما استغلّ الثاني رفْض الفصائل الشيعية الأخرى هذه المشاركة الشكلية، ليطرح نفسه بديلاً، باعتبار أنه يملك العدد الأكبر من النواب بين فصائل الإطار التنسيقي، ما يجعل هذه الفصائل محرجة في رفض ترشيحه، أو ترشيح مَن يمثّله لرئاسة الوزراء". كما يرى عمار السواد في صحيفة العربي الجديد اللندنية أن الصدر يسعى "إلى الزعامة على شيعة العراق. التوقيت لمثل هذه الخطوة بدا مناسبا سياسيا؛ إيران بعد مظاهرات 2019 ومقتل قاسم سليماني فقدت كثيرا من نفوذها، والصدر يقدّم نفسه مستقلًا عن نفوذ علي خامنئي". من ناحية أخرى، يلقي بعض المعلّقين باللوم على إيران. وفي هذا الصدد يقول مشاري الذايدي في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية: "ثمة أسباب كثيرة وقديمة أدَّت لهذا الانفجار العراقي الداخلي، منها، وليس كلها 'بدعة' ابتدعتها إيران وسوّقتها لأتباعها ليس بالعراق فقط بل ولبنان أيضا، خلاصتها، هي الالتفاف على مخرجات الانتخابات، إنْ اتضح هزيمة أتباعها كما جرى في انتخابات العراق الأخيرة النيابية، من خلال تجميع وتلفيق أكثرية جديدة في البرلمان والحديث عن الوزن السياسي بدل الوزن الانتخابي، ما يعني جعْل السباق الانتخابي 'عقيماً' بلا معنى إن كانت مخرجاته ضدهم". ويتساءل: " مقتدى يحاول دفن هذه البدعة... فهل ينجح؟".