الأزمات في غرب حوض البحر الأبيض المتوسط، أعادت تشكيل خريطة الجغرافيا السياسية والتحالفات الاستراتيجية، بعدما ظلت لعقود أساسها محور الجزائرومدريد، مقابل محور الرباط- باريس، فيما الجانب الموريتاني كان مَيَّالاً إلى المحور الأول وأن بتحفظ ظاهريا… ولأن في السياسة الدولية تتغير المواقف والمواقع حسب طبيعة المصالح، قُلبت في غضونها المعادلات إذ أصبح الحديث عن محور جديد بين الرباطومدريد معززا بنواكشط. تفاصيل الحالف الجديد، بدأت معالم تشكله منذ 18 مارس الماضي، حينما فجرت إسبانيا مفاجأة سياسية ترددت أصداءها في محيط المنطقة المغاربية والمتوسطية، مع دعمها لخطة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، ومن هنا، كان على إسبانيا استقبال المزيد من ردود الأفعال السلبية، أولها من الجزائر، الحليف التاريخي والداعم الرئيسي للبوليساريو. إذ بعد ساعات قليلة من إعلان إسبانيا دعمها مبادرة المغرب، استدعت الجزائر سفيرها لدى مدريد احتجاجا. أشهر قليلة مضت لتعاود الجزائر وتعلن تعليق معاهدة "الصداقة وحسن الجوار" مع الجارة الأوروبية.
وفي الوقت الذي اختارت الجزائر ضد إسبانيا، اختارت موريتانيا طريقا آخر، عندما صادق مجلس وزراءها على معاهدة "الصداقة وحسن الجوار والتعاون" مع مدريد.هذا التحول في مواقف نواكشط لُمس منذ أزمة "الكركرات" حينما اختارت النأي بنفسها عن الاصطفاف إلى جانب أطروحة البوليساريو والجزائر، إضافة إلى ما يجري من تحولات أشبه بزلزال سياسي جديد فكك كثير من المعطيات..مما يحيل وفق مراقبين إلى قرارات أشبه بالزلزال السياسي قد يؤدي إلى إلى التحاق موريتانيا إلى المحور الإسباني المغربي الجديد؟
في هذا الباب، يقول عبد الرحيم بالعالية أستاذ العلاقات الدولية أن مجموعة من العناصر المتداخلة "شكلت في الواقع أوجها لطبيعة الضغط الذي نهجه المغرب حين تفجرت الأزمة مع إسبانيا، وكان استقبال غالي زعيم جبهة البوليساريو القشة التي قسمت ظهر البعير كما يقال، لكن السياق الذي كانت تمر به قضية الصحراء المغربية مع الاعتراف الأميركي، وقبل ذلك مع معبر الكركرات بخصوص منع الجبهة من التسلل للمحيط الأطلسي عبر المنطقة العازلة من خلال الحدود المغربية الموريتانية؛ جعل المغرب يعمل على مراجعة إستراتيجيته في إدارة النزاع، على الأرض بربط الحدود مباشرة بموريتانيا من خلال معبر الكركرات ومنع كامل التحرك في المنطقة العازلة".
وعلى مستوى آخر، اعتبر في حديثه ل"الايام 24″ أن البحث عن دعم صريح يخرج الدول المؤثرة وذات اضطلاع على طبيعة الأزمة -وفي مقدمتها إسبانيا التي كانت قوة استعمارية في الجنوب المغربي- إلى الخروج من المنطقة الرمادية، وهو ما تم على التوالي، بحيث أدى الضغط المغربي الحاصل إلى مغادرة الوزيرة حينها ضمن تعديل حكومي، وهي التي طالتها انتقادات عدة حمّلتها مسؤولية الأزمة مع المغرب، الذي مهد بشكل متوال لتجسير الهوة، وانتهت إلى دعم إسبانيا مقترح الحكم الذاتي، واستئناف العلاقات عقب زيارة رئيس الحكومة الإسباني إلى الرباط، إذ برزت معها آفاق جديدة للتعاون.
من جهة أخرى فالمنعرجات التي مرت بها العلاقات الإسبانية المغربية، وآفاق التعاون التي تم الإعلان عنها مؤخرا بمناسبة استئناف العلاقات؛ قد تكون في مهب الريح إذا بقيت خاضعة للمزاج السياسي من جهة، وإذا بقيت تنأى بنفسها عن إيجاد حل للمعضلات العالقة، منها ملفي سبتة ومليلية، وملف الهجرة السرية، وقضية ترسيم الحدود البحرية.
بدأت مورتتانيا تخرج من تقوقعها تدريجيا، وترمم علاقاتها مع الجيران منذ سنة2018، حيث فتحت نواكشط عهدا جديدا مع السنغال بعدما كانت العلاقات بينهما متوترة. في المقابل، اعتراف الولاياتالمتحدةالأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه، قام الجيش الموريتاني بمناورات عسكرية ضخمة مدتها أربعة أيام شمال البلاد، واعتبرت وقتها إشارة واضحة لجبهة البوليساريو، ورسالة سياسية بأن هناك تحالف غير معلن بين موريتانيا والمغرب بهدف إجهاض أي محاولة من الطرف الآخر لفرض معادلة جديدة في المنطقة، كما قام الجيش الموريتاني بمبادرة أخرى مشجعة تجاه الرباط، وهي نصب عدة ردارات في مدينة الزويرات شمال البلاد من أجل مراقبة الرحكة الجوية والأرضية.
وفي عز الأزمة بين اسبانياوالجزائر، تنقل الرئيس الموريتاني ولد الغزواني، تلبية لدعوة من رئيس الحكومة الإسبانية السيد بيدرو سانتشيث، على رأس وفد كبير ، زيارة لايمكن إخراج توقيتها إلى جانب تفعيل الاتفاقيات الثنائية من سياقها المغاربي والإقليمي والدولي الذي يحتم تعدد التحالفات الدولية وتنويعها مع التغيير الحاصل في خريطة الاهتمام الاستراتيجي في المنطقة "الذي يتجه نحو تدعيم الاتفاقيات الأمنية ومحاربة الجريمة العابرة للقارات.