أحداث مليلية المحتلة التي تلطخ "سياجها" بالدماء، لم تزغ عن التطابق المسجل مؤخرا في وجهات النظر بين المغرب وإسبانيا في عدة ملفات، على رأسها قضية الهجرة، وخاصة في شأن تورط شبكات و"مافيات الاتجار بالبشر" في تلك الأحداث التي أفضت إلى مصرع 23 مهاجرا إفريقيا غير نظامي. حصيلة بشرية ثقيلة لمهاجرين اتخذوا من الأراضي المغربية، بُرهة ومساحة زمنية للعيش في انتظار اغتنام فرصة الانقضاض على قوارب الهجرة أو القفز على السياج الحديدي لولوج الثغور المحتلة.
ملف الهجرة غير النظامية الذي شكل نقطة خلافية لمدة طويلة بين الرباط ومدريد، دفع بالبلدين إلى تبني مواقف معتدلة في تعاطيها مع الملف، ذلك ما أبانت عليه تصريحات رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، أو الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية مصطفى بايتاس، إذ اعتبر أن شبكات الاتجار بالبشر نسجت خيوطها ودفعت بالمئات من المهاجرين إلى ركوب الموت والتسبب في الأحداث الدامية التي عرفتها مليلية، فاستغلال مآسي المهاجرين عجل بالمغامرات غير محسوبة العواقب، من جانبه سانشيز، يقول إنه إذا ثمة مسؤول عن كل ماحدث على ما يعتبرها حدود اسبانية، فهي المافيات التي تتاجر بالأرواح.
المال مقابل الهجرة
مرصد الشمال لحقوق الإنسان الذي يهتم بملفات الهجرة، يعتبر إن "شبكات تهريب البشر التي تنشط في شمال المغرب، والتي ينحدر جل أعضائها من دول جنوب الصحراء الأفريقية، أمر واقعي وقائم منذ سنوات". وفي عملها الميداني تسجل المنظمة وجود تحولات في دينامية الهجرة، بوجود تنظيم غير رسمي داخل صفوف المهاجرين تسيطر القيادة فيه على كل شيء مقابل عمولات مالية، واستطاعت بفضل ذلك مراكمة ثروات كبيرة".
واعتبرت أن المهاجرين من دول جنوب الصحراء الصفوف الأمامية أثناء الاختراق، ويتميزون ببنية جسمية قوية، وهدفهم هو عرقلة عمل منفذي القانون من أمن ودرك، كما يعمدون إلى قطع الأسلاك الشائكة للسياج الحدودي، فيما تكون الصفوف الخلفية خاصة بالمهاجرين، الذين أدوا أتاوات لتلك المافيا".
في المقابل، المشاركة في حملات اختراق الحدود يتطلب دفع مبالغ مالية تتجاوز 20 ألف درهم، يخصص جزء منها للمشاركين في الاقتحامات والمواجهات مع القوات العمومية".
حرب بالأرقام
وتنهج السلطات المغربية خطط أمنية ضد شبكات تهريب البشر، واستغلال المهاجرين السريين، إذ إنها أجهضت 42.071 محاولة للهجرة غير القانونية منذ بداية سنة 2021 حتى نهاية العام نفسه، كما فككت 156 شبكة إجرامية تعمل في مجال تيسير الهجرة السرية.
وخلال العام 2020، أوقفت السلطات المغربية، أكثر من 9 آلاف مرشح للهجرة غير النظامية، بينهم 6162 من جنسيات أجنبية، إضافة إلى 466 من منظمي الهجرة يشتبه بتورطهم في 123 شبكة إجرامية للاتجار بالبشر، وفق أرقام رسمية.
يذكر أن وزير الداخلية المغربي عبد الوافي لفتيت، أشار في مداخلة له بالبرلمان إلى أن "السلطات تعمل على انتشال ضحايا الشبكات الإجرامية من مافيا الهجرة غير النظامية، وتعمل على إعادتهم إلى بلدانهم في ظروف آمنة"، وفق تعبيره.