لم تكن امرأة عادية، تلك التي تمكنت بجسدها النحيل الذي أخذ منه الزمن ما أخذ، من الصعود إلى عمود شبكة للاتصالات الشاهق وسط العاصمة الرباط، من أجل وضع حد لمعاناتها بعد سلبها أرضها دون سابق إنذار. فبعد أن استبد اليأس ب "مي عيشة"، دفع بها الزمن إلى أن تلقي بنفسها إلى الهاوية وهي المرأة الخمسينية التي طرقت جميع الأبواب دون فائدة، فتمردت على نفسها وعلى المجتمع وعلى تقاليده وأعرافه، وقررت أن تكون هذه المرة، امرأة مختلفة بكل المقاييس، امرأة لا تهاب الموت، وليست امرأة ضعيفة مهضومة الحق ومسلوبة الأرض. هي "مي عيشة" بعينيها الغائرتين الدامعتين، روت ل "الأيام 24"، لحظات اليأس التي استبدت بها وإحساسها عند اقترابها من الموت، بعد أن فقدت الأمل في الحياة بسبب ما أسمته "الظلم والحكرة وفساد القضاء". إن السبب الحقيقي وراء إقدام "مي عيشه" على محاولة الانتحار، وفق روايتها، هو إثارة قضيتها للرأي العام والمسؤولين بعدما طرقت جميع الأبواب، حيث لم تجد أي مسؤول يستمع لقضيتها، مما جعلها تلتجئ إلى قصر إحدى الأميرات الكائن بشارع ابن بطوطة بالرباط، والذي كانت تتردد عليه قرابة سنة، من أجل إيصال صوتها الجريح وإنصافها. وأمام عجزها في الوصول إلى هدفها المنشود، وفي طريق عودتها إلى منزلها مرت بشارع مولاي عبد الله، وفكرة الانتحار تسيطر على تفكيرها، فبدأت بالبحث عن أي وسيلة لوضع حد لمعاناتها، حيث حاولت الدخول إلى العمارات الكائنة بشارع مولاي عبد الله من أجل إلقاء نفسها من أعلى السطح ووضع نهاية لمأساتها، لكنها اصطدمت بمنع حراس العمارات لها من الدخول، ظنا منهم أنها متسولة تريد الحصول على دريهمات، بسبب الحالة المزرية التي كانت عليها وارتدائها ملابس رثة.
بعد ذلك، أثار انتباهها عمود شبكة للاتصالات، فقررت الصعود إليه وإلقاء نفسها من هناك، و رغم صعوبة تسلقه فإن الحالة الهستيرية التي كانت فيها لحظتها، جعلتها تصعد العمود بعدما أخذت معها قنينة بنزين من أجل إحراق نفسها. لكن مناشدات المواطنين الذين كانوا متواجدين بعين المكان والذين تجمهروا حول العمود، ترجوها بعدم القيام بفعل يؤديها ،مطالبين إياها بالنزول وتقديم المساعدة لنيل حقها من القضاء. ورغم المناشدات المتكررة، تروي مي عيشة، تشبثت بموقفها على أساس أن يحضر أي مسؤول حكومي أو مسؤول قضائي من أجل الاستماع إليها وطمأنتها بإنصافها وإرجاع حقها المهضوم، لكن لم يعرها أي أحد أي اهتمام. ومع تدخل المحامي محمد زيان، ورجال الوقاية المدنية في الوقت المناسب وفي غفلة منها قاموا بسحبها بقوة وإنزالها ونقلها على وجه السرعة الى مستشفى ابن سينا بالرباط قصد تلقي العلاج بعد إصابتها في قدمها، وبعد ذلك تم إخلاء سبيلها للعودة لمنزلها البسيط بنواحي القنيطرة. وبعد كل هذه الأحداث، مازالت "مي عيشة"، لحد الآن تنتظر التفاتة من المسؤولين، حيث أكدت أنها لم تتلق أي اتصال أو التفاتة لقضيتها، بل فوجئت باستدعاء من الدرك الملكي لم تعرف أسبابه لحد الآن.