هل تنجح الأمطار الأخيرة في تقليص حجم خسائر الموسم الفلاحي الحالي؟، سؤال يرتسم كلما أتى الحديث عن الجفاف والموسم الإقتصادي الصعب الذي يعيشه المغرب، إذ لم ير له مثيلا منذ بداية الثمنينيات من القرن الماضي، علاوة على صعوبات تنزيل برامج وطنية "البرنامج الاستعجالي الذي أطلقته الوزارة أو الجيل الأخضر سليل المخطط الأخضر أو بروز تقلبات على مستوى السوق الدولي تعصف بالسوق الوطني"، مايطرح تحدي السيادة الغذائية. في غضون ذلك، تصطدم الخطة الوطنية لتوفير مخزون استراتيجي من المواد الأساسية، بغرض الاستجابة للسوق الداخلية وضمان تموين كافٍ من الأغذية والمواد الطاقية، بموسم صعب يطبعه عدم الاستقرار في الأسواق العالمية بسبب حرب أوكرانيا وتبعات الأزمة التي أعقبت جائحة كورونا.
توفير المواد الاستهلاكية أول الأولويات
تعليقا على سعي المغرب وراء تحقيق "السيادة الغذائية"، قال رشيد الخالدي، المحلل اقتصادي، إن المملكة أعدت خلال سنوات خلت خطط استباقية تروم توفير مخزون من المواد الأساسية، إذ أسس لقوانين تلزم الفاعلين في القطاعات التي تمس المواطن، فعلى سبيل المثال، يتوفر المغرب حاليا على مخزون حبوب يعادل خمسة أشهر، يشرف عليه المكتب الوطني للحبوب والقطاني. كما أن السلطات وضعت قانونا يُلزم شركات المحروقات بتوفير مخزون 60 يوما من البنزين والديزل".
وأكد الخالدي في تصريح ل "الأيام 24" أن "حكومة عزيز أخنوش أو ما عليها الإشتغال حاليا وفي هذا الظرف هو وفرة السلع ، ومن ثم تحديد آليات وضع الأسعار المناسبة لكل منتج"، على سبيل المثال "زيت المائدة التي كانت غير متوفرة مؤخرا بمتاجر أوروبية، في حين كان المغرب يتوفر على كميات كبيرة منها، رغم ثمنها المرتفع".
المغرب يحقق نوع من الإكتفاء في عدد من المواد الغذائية، وفق المتحدث، كما أنه ينتج كميات مهمة من الحبوب؛ بحيث تجاوز إنتاجه السنة الفارطة أزيد من 105 مليون قنطار، مقابل حوالي 30 مليون قنطار متوقعة خلال السنة الجارية التي تأثرت بالجفاف غير المسبوق الذي عرفه المغرب".
شراكات متعددة
وعلى مستوى الاكتفاء الذي يحققه المغرب من خلال إنتاجه الداخلي من المواد الغذائية، فإن المملكة ترتبط تجاريا بعدد من الدول المنتجة للحبوب والقطاني والخضر والفواكه والزيوت.
ويؤكد المحلل الاقتصادي رشيد الخالدي، أن المغرب لديه علاقات متميزة مع عدد من الدول، تمكنه من الحصول على مواد غذائية من كافة أنحاء العالم؛ بالإضافة إلى أوكرانيا وروسيا، فإن المغرب له علاقات تجارية قوية مع فرنسا والمكسيك والأرجنتين والبرازيل، التي تعد من الدول المنتجة للحبوب والتي قد تشكل بديلا لأوكرانيا في الظرفية الحالية كمصدر لعدد من المواد الغذائية التي يحتاجها المواطن المغربي.
أما بالنسبة للإمدادات الطاقية، يضيف المتحدث، فإن المغرب له علاقات طيبة مع أشقائه في منطقة الخليج العربي، التي تعتبر إحدى أكبر المناطق المنتجة للطاقة في العالم.
الأمن الغذائي
يحتل المغرب الرتبة 59 من أصل 113 دولة خضعت لمؤشر الأمن الغذائي الذي وضعته "إيكونوميست إنتلجنت يونيت"، وشملت المعايير المعتمدة في التصنيف حصة ميزانيات الأسر المخصصة للتغذية وولوج الفلاحين للتمويل وتقلب الأسعار والخسائر في السلسلة الغذائية والتنوع الغذائي.
وبالأرقام، قاربت مساهمة الإنتاج الفلاحي في الإكتفاء الذاتي، بالنسبة للخضر والفواكه واللحوم نسبة 100 في المئة بالنسبة للحليب ومن بين 50 و 60 في المئة بالنسبة للسكر والحبوب.
بيد أن هذه التطورات سرعان ما تفاقمت من جديد، بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية، البلدين الذين يحتلان الصدراة في تزويد العالم بالمنتجات الفلاحية لاسيما الحبوب/ مما يجعل من الأمن الغذائي أول الأولويات التي يتعين الانكباب عليها، استنادا إلى الرصيد المسجل حتى الان، بفضل "الجيل الأخضر" ومن قبله مخطط المغرب الأخضر.
ولتحقيق ذلك، ينبغي بحسب خبراء تطوير فلاحة مرنة ومستدامة، يستلزم تحولا في النظام الإنتاجي وحتى الاجتماعي، والتي لن تتحقق إلا بانخراط الفلاحين مع تحسيسهم بأبعاد الإنتقال البيئي الفلاحي، وبضرورة التمرس بأفضل طرق الإنتاج واستعمال مياه الري والأسمدة، وكذلك الأفاق التي تتيحها الطاقات المتجددة في هذا الشأن.