لم يألف عبد الكبير، سائق الشاحنة الذي يمر منذ سنين عبر منطقة الكركرات في اتجاه موريتانيا والسينغال، أن تتعرض شاحنته، وهي واحدة من بين ستين شاحنة تجارية تمر بالمنطقة يوميا في نفس الاتجاه، لأي نوع من التفتيش أو المراقبة خارج المناطق الحدودية المعروفة ما بين نقطة العبور الكركرات إلى غاية النقطة الحدودية الموريتانية. لكن الأسبوع الماضي لم يكن يوما عاديا بالنسبة لعبد الكبير، الذي يبدو على ملامح وجهه أنه يلامس عقده الخامس، حين فوجئ وغيره من السائقين الذين يستعملون طريق الكركرات في اتجاه موريتانيا بأن تستوقفهم دورية عسكرية مسلحة تابعة للبوليساريو، أعطت لنفسها الحق بقوة السلاح في أن تتعرض لحركة المرور التجارية، وأن تفرض على السائقين أن ينزعوا كل ما يرمز إلى سيادة المغرب من على شاحناتهم وهم يمرون من المنطقة العازلة، فأمرتهم بأن يجردوا شاحناتهم من الأعلام المغربية وأن ينزعوا الخرائط المصورة عليها، "مع تنكيلهم لنا بوابل من السب والشتم، يقول السائق عبد الكبير، وتعنيفنا من طرف عناصر الدوريات المسلحة التي أصبحت تجوب منطقة الكركرات منذ أن افتعلت سببا لوجودها بالمنطقة العازلة في شهر غشت الماضي". الاستفزازات التي تكررت كثيرا في المنطقة منذ شهر غشت الماضي اعتبرها المغرب زوبعة رملية في فنجان سرعان ما تستقر رياحها وتهدئ، لكن جبهة البوليساريو أصرت على أن تنفخ في الزوابع برياح مفتعلة وأن تخرجها من الفنجان إلى أرض الواقع، وصلت إلى محاولة إيقاف وعرقلة خط التجارة الذي يربط بين المغرب وإفريقيا، عبر منطقة الكركرات، وأن تهدد مستقبل الخط التجاري البري الذي يربط المغرب بإفريقيا الغربية، خاصة موريتانيا ومالي والسينغال وبركينافاسو .
الكركرات: قصة طبول حرب بطعم الإسفلت
كانت البداية عندما أعلنت الحكومة المغربية حرب تطهير ضد التهريب وتجارة المخدرات وتهريب الأسلحة، في المنطقة المعروفة بقندهار، الموجودة بالمنطقة العازلة بين الكركرات والحدود الموريتانية، والتي ظلت في المنطقة العازلة غير خاضعة لا لسلطة المغرب ولا لسلطة موريتانيا .
اتخذ المغرب قرار التطهير وتمشيط المنطقة، بتنسيق مع بعثة المينورسو التابعة لهيئة الأممالمتحدة، والمرابطة بالمنطقة، مع احترام كامل للاتفاق الذي ينظم وقف إطلاق النار، الذي يلتزم به مع الأطراف المعنية. كانت خطة التطهير تشمل تجفيف بؤر التهريب التي بدأت تنشط في تمويل الإرهاب في المنطقة الإقليمية اعتمادا على تجارة السيارات المهربة من أوروبا، وكذلك تهريب المخدرات . كما كانت الخطة تشمل كذلك العمل على تعبيد سبعة كيلومترات إضافية من منطقة الكركرات ، ابتداء من النقطة المرورية المراقبة من طرف الجيش والدرك المغربي في اتجاه الحدود الموريتانية.
في الوقت التي بدأت فيه آليات الجيش المغربي بمساعدة الدرك الحربي في تعبيد الطريق ما بعد النقطة الحدودية الكركرات، لتسهيل عملية مراقبة المنطقة ضد تجارة التهريب والأسلحة، كانت جبهة البوليساريو تدفع بحوالي 32 من عناصرها العسكرية بمعدات حربية لتقف في وجه القوات المغربية لمنعها من تكملة عملية التعبيد، في حركة استفزازية واضحة لجر القوات المغربية إلى خرق إطلاق النار، أوحت بملامح حرب وشيكة. وهذا ما أكدته هيئة الأممالمتحدة كهيئة دولية راعية للسلام في المنطقة ، حيث أكدت الوثيقة التي بعثتها عناصر المينورسو الرابضة في المنطقة العازلة، والمؤرخة بتاريخ 28 غشت من السنة الماضية، على أن التوتر الحاصل في منطقة الكركرات ابتدأ بالضبط في يوم 16 غشت الأخير، حيث قامت القوات العسكرية المغربية، في إطار محاربتها للتهريب، وتجارة المخدرات والسلاح في المنطقة العازلة بعد النقطة الحدودية الكركرات، بتعبيد الطريق في اتجاه الحدود الموريتانية بمساعدة.