المخارق يقود ال UMT لولاية رابعة    خبراء وباحثون يؤكدون على أهمية قانون المالية لسنة 2025 في النهوض بالاستثمارات العمومية وتمويل المشاريع المهيكلة    القاهرة... المغرب يؤكد على ضرورة إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية    حماس تستنكر تأجيل الإفراج عن أسرى    إسرائيل تهاجم موقعًا عسكريًا بلبنان    بعد سنتين من الغياب.. جمال بن صديق يعود ويفوز بالضربة القاضية    المقاتل المغربي جمال بن الصديق ينتصر بالضربة القاضية في روتردام ويعد بالمزيد في منافسات الغلوري    توقيف ناشري محتويات عنيفة بتمارة    الميلودي موخاريق يقود الاتحاد المغربي للشغل لولاية رابعة    فقدان الشهية.. اضطراب خطير وتأثيره على الإدراك العاطفي    القوات المسلحة الملكية تساهم في تقييم قدرات الدفاع والأمن بجمهورية إفريقيا الوسطى    رضا بلحيان يظهر لأول مرة مع لاتسيو في الدوري الإيطالي    سبيس إكس تطلق 22 قمرا جديدا من طراز "ستارلينك" إلى الفضاء    الصين تطلق قمرا صناعيا جديدا    طقس الأحد: أجواء باردة مع صقيع بعدد من المناطق    توقيف فرنسي مبحوث عنه دولياً متورط في التهريب الدولي للمخدرات وتبييض الأموال    عرض 117 شخصاً "للنصب" و"الاحتيال".. توقيف شخص اوهم ضحاياه بتسجيلهم في لائحة للحصول على للعمل في الفلاحة بأوروبا    أخنوش يدشن الجناح المغربي بالمعرض الدولي للفلاحة بباريس    القصة الكاملة لخيانة كيليان مبابي لإبراهيم دياز … !    حادثة سير مروعة بطنجة تودي بحياة فتاتين وإصابة شابين    الشاذر سعد سرحان يكتب "دفتر الأسماء" لمشاهير الشعراء بمداد الإباء    إصابة عنصر من القوات المساعدة بحروق خطيرة في حريق سوق بني مكادة بطنجة    المغرب يعود إلى الساعة القانونية    افتتاح أخنوش رفقة ماكرون للمعرض الدولي للفلاحة بباريس يشعل غضب الجزائر    الأسير الإسرائيلي الذي قَبّل رأس مقاتلين من "القسام" من أٌصول مغربية (فيديو)    تذكير للمغاربة: العودة إلى الساعة القانونية    فيروس غامض شبيه ب"كورونا" ينتشر في المغرب ويثير مخاوف المواطنين    مقتل شخص وإصابة عناصر شرطة في "عمل إرهابي إسلامي" في فرنسا    التعادل يحسم مباراة آسفي والفتح    الجيش والرجاء يستعدان ل"الكلاسيكو"    اختتام رالي "باندا تروفي الصحراء" بعد مغامرة استثنائية في المغرب    منتخب أقل من 17 سنة يهزم زامبيا    في أول ظهور لها بعد سنة من الغياب.. دنيا بطمة تعانق نجلتيها    انطلاق مبادرة "الحوت بثمن معقول" لتخفيض أسعار السمك في رمضان    الملك محمد السادس يهنئ العاهل السعودي    أخنوش يتباحث بباريس مع الوزير الأول الفرنسي    تجار سوق بني مكادة يواجهون خسائر كبيرة بعد حريق مدمر    السينما المغربية تتألق في مهرجان دبلن السينمائي الدولي 2025    مسؤول أمني بلجيكي: المغرب طور خبرة فريدة ومميزة في مكافحة الإرهاب    "البيجيدي" مستاء من قرار الباشا بمنع لقاء تواصلي للحزب بالرشيدية    عجز الميزانية قارب 7 ملايير درهم خلال يناير 2025    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    مشروع قرار أمريكي من 65 كلمة فقط في الأمم المتحدة يدعو لإنهاء الحرب في أوكرانيا دون الإشارة لوحدة أراضيها    في حضور أخنوش والرئيس الفرنسي.. المغرب ضيف شرف في المعرض الدولي للفلاحة بباريس    رئيسة المؤسسة البرازيلية للبحث الزراعي: تعاون المغرب والبرازيل "واعد" لتعزيز الأمن الغذائي    بين العربية والأمازيغية: سعيدة شرف تقدم 'الواد الواد' بحلة جديدة    متابعة الرابور "حليوة" في حالة سراح    استثمار "بوينغ" يتسع في المغرب    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    رفع الستار عن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان روح الثقافات بالصويرة    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    حوار مع "شات جيبيتي".. هل الأندلس الحقيقية موجودة في أمريكا؟    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورة جلابيب السلطان .. كيف تصنع جلابة الملك ؟
نشر في الأيام 24 يوم 27 - 02 - 2017

هذه زاوية نظر أخرى للباس الملكي الرسمي نقتنصها من زيارة محمد السادس لإفريقيا لنجيب على أسئلة مثيرة، منها:
ما هي دلالات ارتداء الملك للجلباب والحذاء؟ ما هي الإيحاءات المكثفة لاختيار الألوان الجريئة.. الأخضر، البنفسجي، الأصفر، البني.. ألوان واضحة صافية وقوية؟ ما علاقة هذه الألوان بالقارة السمراء من حيث الطبيعة والثقافة؟ هل هناك روابط ممكنة بين ما قام به الملك في سلوكه ومبادرته وبين الألوان وشكل اللباس الذي اختاره وألح عليه؟


كيف تصنع جلابة الملك؟

يعتمد مصممو جلابيب الملك على النسيج الأولي المستجلب من مناطق مختلفة من المغرب، الصويرة، دكالة وعبدة، ووزان، وأشهرها الجلابة البزيوية، نسبة إلى بلدة بزو الواقعة بإقليم أزيلال والمعروفة بالجودة والإتقان من طرف نساء ماهرات ناسجات، والتي توحدها خيوط الصوف البيضاء والألوان الزاهية من خيوط الحرير التي تستقدم من فاس ومن مراكش.. وقد ظل النسيج البزيوي منذ القرن 18 هو مصدر حياكة البذل الرسمية لجل السلاطين والأمراء في الدولة العلوية.

تميل الجلابة إلى الأصالة والنخوة، من هنا ميل الملك محمد السادس لارتدائها في كل اللقاءات التي يود أن يبلغ بها رسائل محددة، ومهندسو الهندام الملكي يستحضرون دوما هاجس الرسائل التي يؤديها اللباس، فإذا كانت البنية الأساسية للجلابة الملكية تتشكل من خيوط الصوف الرقيقة التي تتكون من خيط مغزول، فإن شرائطها المزينة هي من خيوط الحرير أو الذهب أو الفضة التي تتشكل من ثلاثة خيوط مبرومة، ويؤكد مصممون للأزياء أن محمد السادس أضفى على الجلابة "البزيوية" طابعا متميزا، فالعناصر العصرية التي أدخلت عليها لم تشوه أصالتها ولم تفسد طابعها التقليدي الأصيل.

إن الجلباب رمز وطني مغربي، يحيل على الأصالة، وشكل تصميم الجلباب الملكي يشير إلى هذا الاستدراج الأنيق والمزج بين شهوة الأصالة وإغراءات المعاصرة، حيث يعتمد مصممو أزياء محمد السادس على الخرقة الأساسية، أي نسيج الثوب المستجلب من الصويرة، وفاس، ودكالة وخاصة منطقة بزو، أما الحرير فيستجلب من فاس ومراكش، ومنه تصنع "العقاد"، أي الأزرار التي تصنع على شكل حلمة الثدي، أما طريقة تطريز الجلباب الملكي فتعتمد على الصابرة، أي خيط الحرير المبروم على شكل شعرة، والسفيفة التي تصنع من الحرير بواسطة آلة خاصة، وعلى البرشمان، وهو الشريط العريض المصنوع بالحرير الذي يوجد على طول الخياطة، أما أنواع زواقات جلباب الملك الذي تميز به في الزيارات الأخيرة للعديد من البلدان الإفريقية، فتتنوع بين الفراشة، وزواقة نجمة بلسان الطير، وزواقة البليغة وزواقة الدويدات التي تتميز بالتطريز الفاخر للأثواب العريقة، ويشكل كل هذا جوهر الخياطة التقليدية الأصيلة بنفحات عصرية للجلباب الملكي، الذي يتميز برونق خاص المحفل والحرير والديباج، وبتطريزات غنية بالذهب أو الفضة أو الحرير.


ألوان جريئة في الجلباب الملكي تمزج بين الأصالة والمعاصرة

لقد خلق العاهل المغربي ثورة، يقول أحد مصممي الأزياء في تصريح ل "الأيام"، حول الألوان الزاهية، المنفتحة التي لم يكن يجرؤ عليها علية القوم، الذين كانوا يتخوفون من جرأتها، مثل البرتقالي، البنفسجي الناعم الذي تحوله أشعة الشمس إلى لون متدرج يقترب من الأزرق و"التيركوا"، واللون الزيتي، والمزج بين البني والبرتقالي أو الأصفر اللامع في الخرقة الملونة.. إن الألوان الصافية الجريئة تجسد بعد الإقدام والثبات والشجاعة والمغامرة.. فالبنفسجي الناعم والأصفر الواضح أضفى صفة الثراء والتنوع في اللباس الملكي الذي لا يعد مجرد ستر للأبدان، بل أصبحت له وظائف متعددة مرتبطة بالوضع الاجتماعي وبالوظيفة الدينية والسياسية.

ف"لوك" الجالس على العرش يمزج بين ألوان مرحة، بل يخلق الانسجام حتى بين الألوان التي يصعب تصور وجودها مع بعضها على ذات القماش، كما في الجلباب المائل إلى الوردي والأخضر أو الأزرق الفاتح مع "گرونة" وطربوش تقليدي أو مع العمامة الأمازيغية الصفراء، وعلى خلاف ميول الذكور عادة إلى الجلباب الخشن، الداكن الألوان، مال الملك أكثر إلى الألوان الجريئة المنفتحة، فقد وظف الألوان التي كانت تميل إليها فرق الصوفية: الأخضر والأزرق. إن تعدد الألوان الذي تعمد أن يظهر به الملك في جلبابه المميز خلال زياراته للدول الإفريقية يحيل على التعدد والاختلاف، صحيح أنه يصعب تحميل الألوان مضمونا ملتصقا بها لذاتها، بل حسب ثقافة العصر والنظام الاجتماعي والأخلاقي الذي يحضنها، لكن في السياسة كل شيء يوزن بميزان من ذهب، كل تفصيل صغير في اللباس يحمل بعدا ترميزيا متعدد الدلالات، فاعتماد الألوان الساطعة في جلابيب الملك: الأبيض، البنفسجي الناعم، الأصفر، البني، الرمادي، والأزرق الداكن خاصة من ثوب المليفة أو السوسدي والأثواب الحريرية الناعمة.. يحيل على قصدية في خلق التفرد وإثارة الإعجاب لدى الرائين، سحر الألوان في قارة تؤمن أن الطبيعة هي امتداد للذات الإلاهية، وقد أشارت الكثير من وسائل الإعلام السنغالية والكينية إلى ظاهرة إنشاء محلات تجارية خاصة ببيع الجلابيب المغربية، أنشأها مواطنون سنغاليون أو كينيون أو مهاجرون مغاربة، افتتنوا بالجلباب الملكي واستغلوا الاندهاش والإعجاب الذي خلفه في نفوس العديد من السكان المحليين وما تم تداوله في وسائل الإعلام المحلية.


الوظيفة الدينية لجلباب أمير المؤمنين

يؤكد العديد من مصممي الأزياء أن لباس الملك محمد السادس أثناء زيارته الأخيرة لمجموعة من الدول الإفريقية تكريس لموقع اجتماعي وتراتبية جمالية تحيل على ترسيخه كرمز متفرد للسلطة، يؤكد الأنثروبولوجي ليفي ستراوس أن اللباس يحمل خطابا، فالناس لا يتواصلون باللغة وحدها بل بالرموز أيضا، التي تحمل دلالات ينبغي إخضاعها للتأويل، واللباس موقف سياسي بأبعاد ثقافية، وإذا كان الإنسان حيوانا رامزا، وما يصدر عنه أو يتلقاه يتحول إلى بعد رمزي، فإن هذا الترميز يفرض علينا ضرورة التأويل.

إن الأناقة المغربية الأصيلة كما تعكسها جمالية جلابيب الملك، التي نعتتها كل وسائل الإعلام الإفريقية ب"الأزياء الراقية" التي سعى عبرها العاهل المغربي إلى خلق الافتتان وترسيخ أرستوقراطية الزي الوطني، فوظيفة لباس الملك الذي سرق الأضواء في كل الدول الإفريقية التي زارها هي التأكيد على الهوية المحلية، وقدرة الإبداع على إضفاء الجمالية على الأشياء، وإذا كان محمد السادس يهدف إلى خلق نموذج تنموي لا يتماهى بالضرورة مع النموذج الغربي، فإن إعادة الاعتبار للزي التقليدي المغربي هي تأكيد على قدرة العناصر المحلية على التطور والتقدم، وإذا كانت الدبلوماسية الملكية متميزة في إفريقيا، فإن وظيفة اللباس هنا أيضا خلق التميز، وإثارة الدهشة والإعجاب، فنسيج الجلباب الممتد على خريطة الجسد بأناقة مثيرة له علاقة بهوية دينية، فالأخضر لون روحي (سيدنا الأخضر، والأخضر هو لباس أهل الجنة والأولياء الصالحين)، والأبيض والبنفسجي والأزرق الصافي يحيل على صفاء المذهب ووحدته، وعلى وجود مناعة ثقافية، فشكل الجلباب التقليدي فيه مقاومة للباس آخر، اللباس الداعشي واللباس الأفغاني الداكن، الأسود، اللباس المعتمد على الألوان الغامقة والداكنة الحزينة والبئيسة، إنه صراع الرموز، صراع ديني / سياسي، واللباس هنا أداة من أدوات الصراع.. انفتاح ضد الانغلاق، صفاء اللون الملكي مقابل دكنة ولبس اللباس الأفغاني والزي الداعشي الذي يحمل هوية لا تقبل الآخر إلا كعدو وجبت تصفيته وذبحه أو استعباده، فيما الزي الملكي يحيل على صفاء المذهب وطهارة الروح والتسامح والامتزاج بين الأصالة والمعاصرة في نسيج ثوب براق وأنيق كما عكسه اللباس الملكي التقليدي.

تميز لباس الملك الإفريقي أيضا بالعمامة الزيانية بلونها الأصفر الناصع، الذي يدل على التنوع المغربي الثقافي وعلى عشق ملكي لأصالة اللباس الأمازيغي كهوية مغربية، وقد ارتدى محمد السادس الحذاء بدل البلغة، وفي ذلك إشارة إلى الحزم وإضفاء جدية أقوى على الحركة والاستعداد للعمل، وفيه دلالة على الإقدام ويسعى إلى إبراز النفوذ، فالحذاء يعتبر في الثقافة العربية القديمة أصدق ما يعبر عن شخصية المرء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.