* زينب مركز بعد فشل إسبانيا في انتزاع قرار إدانة للمغرب من الاتحاد الأوربي، نجحت في جر البرلمان الأوربي لصالحها، بينما يواصل رئيس الحكومة بيدرو سانشيز تهميش وزيرة الخارجية الإسبانية، فيما تتكلف نائبته بقيادة اتصالات مع المغرب لتخفيف حدة التوتر، موازاة مع المساعي الفرنسية. لكن التصعيد الإسباني لم يخف إثر ما هددت به إسبانيا من إدخال سبتة ومليلية ضمن منطقة شينغن، فيما يستعد المغرب لحرب أخرى في المقابل. "الأيام" تضعكم في قلب ما اعتمل في الفرن السياسي لتداعيات الصراع الحاد الذي اندلع بين مدريدوالرباط والذي بدأت مساحته تتسع مع دخول أطراف أخرى على الخط.
إسبانيا بين النجاح والفشل
منذ الهجرة الجماعية لعدد من المغاربة نحو مدينة سبتةالمحتلة يومي 17 و18 ماي الماضي بعد انفجار قضية دخول زعيم الانفصاليين بهوية مزورة إلى الأراضي الإسبانية، بدأت إسبانيا تستعدي الاتحاد الأوربي على المغرب، مستغلة هجرة قاصرين مغاربة، وموظفة قوانين الأممالمتحدة واتفاقيات الاتحاد الأوربي. لكن اعتراض فرنسا وعدم اهتمام دول أخرى، جعل الاتحاد الأوربي ينأى بنفسه عن تقديم رأي في الموضوع، فقد استوعب الدرس اليوناني حين ورطت أثينا دول الاتحاد الأوربي في استصدار بيان قاس ضد تركيا أضر بمصالح العديد من دول الاتحاد. لذلك تحرك الاشتراكيون والأحزاب المتطرفة من اليمين واليسار الإسباني في اتجاه البرلمان الأوربي لاستصدار قرار إدانة ضد المغرب، كما سارت أحزاب ألمانية في ذات الاتجاه.
وجاء تدخل الملك محمد السادس بإرجاع القاصرين المغاربة غير المرفوقين من كافة دول الاتحاد الأوربي للتخفيف من حساسية اللعب على البعد الإنساني لهجرة القاصرين، والتي انطلقت من الفنيدق باتجاه سبتة، حيث نجح القرار الملكي إلى حد بعيد في التخفيف من لهجة قرار الإدانة وعدم الإجماع عليه بأغلبية كبرى على شاكلة ما حدث حين صوت البرلمان الأوربي لفائدة قرار يدين الجزائر بسبب وضعية حقوق الإنسان مع تطور الحراك الشعبي في 26 نونبر الماضي، حيث صوت 669 برلمانيا لفائدة القرار الذي يدين عسكر الجزائر وعارضه نائبان برلمانيان فقط. وقد صرح مسؤول وازن ل«الأيام» رفض ذكر اسمه، أنه بالرجوع إلى المسودة الأصلية التي قدمت للبرلمانيين الأوربيين من طرف نظرائهم الإسبان، فإن «القرار الأخير الصادر ضد المغرب، جرى تخفيفه وتعديل صيغته أكثر من مرة، حيث تم حذف 12 نقطة من مسودة القرار، إذ صوت البرلمان الأوروبي على قرار بشأن «انتهاك اتفاقية الأممالمتحدة لحقوق الطفل، واستخدام السلطات المغربية للقاصرين في أزمة الهجرة في سبتة»، كما أن متابعة الجدل الواسع الذي شهده البرلمان الأوروبي يوم الخميس 10 يونيو الجاري، يبرز الإحراج الذي وضعت فيه العديد من المجموعات السياسية والتي عكست تصريحات نوابها داخل الجلسة العامة، معارضتهم لتوظيف جهاز الاتحاد الأوربي بهذا الشكل، حيث طالب العديد منهم باحترام الشراكة القائمة مع المغرب».
ويضيف المصدر ذاته: «يجب قراءة نص القرار ونتيجة التصويت بعمق، فقد صوت 397 فقط لفائدة القرار بعد تعديل صياغته وتلطيفها أكثر من مرة، وإن كان يجب الاعتراف أن الإدانة حصلت وهو ربح صاف للنواب الإسبان، ما شجعهم على تبني قرار توسيع منطقة شينغن لتشمل سبتة ومليلية المحتلتين وهي سابقة في تاريخ العلاقة بين البلدين، وهو ما يعني أن الاتحاد الأوربي لا يقف عند حدود الخزيرات وطريفة بل يمتد إلى سبتة ومليلية جنوب المتوسط. ولكن من جهة أخرى ربح المغرب، حيث نجح القرار الملكي بإحداث ثقب كبير في بالون ملف هجرة القاصرين الذي يشكل حساسية كبرى داخل بلدان أوربا، وبهذا المعنى كسبت إسبانيا معركة البرلمان الأوربي، ونجح المغرب في كسب الأجهزة التنفيذية للاتحاد» والدليل على ذلك، يضيف مصدر «الأيام»، ترحيب «كل من المفوض الأوروبي للتوسع وسياسة الجوار الأوروبية، أوليفير فارهيلي، والمتحدثة باسم الشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالإجراء المغربي، حيث أكدا على أن «الاتحاد الأوروبي والمغرب حافظا، على مدى سنوات، على تعاون ممتاز في مجال الهجرة، ما أدى إلى بلوغ نتائج جيدة للغاية».
وفوق هذا وذاك، فقرارات البرلمان الأوروبي غير ملزمة للتنفيذ «فهي مجرد توصية أو لائحة بتعبير قوانين البرلمان الأوربي، ليست مثل قرارات الأجهزة التنفيذية السارية المفعول، ولكن مع ذلك يخشى أن تبنى عليها لاحقا قرارات تضر بمصالح المغرب». هذا البعد بالذات هو الذي جعل العديد من صناع القرار يواجهون قرار البرلمان الأوربي بالكثير من التصعيد عبر رفض دور التلميذ، بل تساءل أحدهم: «وماذا بعد؟» يقصد ماذا بعد قرار البرلمان الأوربي ضد المغرب؟
العمق العربي والإفريقي ملاذنا
ردا على قرار البرلمان الأوروبي بشأن المغرب، قرر البرلمان العربي عقد جلسة طارئة بالقاهرة يوم 26 يونيو الجاري، وكان رئيس البرلمان العربي عادل بن عبد الرحمن العسومي، قد عبر عن «اضطلاع البرلمان العربي بمسؤوليته القومية في التضامن مع المملكة المغربية وتأييدها في مواجهة هذه الأزمة، التي أقحم البرلمان الأوروبي نفسه فيها دون أي مبرر». ومن جهته دعا البرلمان الإفريقي نظيره الأوروبي من خلال رئيسه المنتهية ولايته، إلى «الامتناع عن اتخاذ أي موقف من شأنه زيادة التوتر، ويطالب الطرفين بحل الأزمة في إطار ثنائي صرف». وذكر رئيس البرلمان الإفريقي نكودو دانغ بضرورة الاحترام التام لالتزامات البرلمان الأوربي والبرلمان الإفريقي خلال قمة رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوربي التي انعقدت بأبيدجان في 2017، حيث اتفق الجانبان على أن «أية مشاكل بين دولتين تدخل في إطار العلاقات الثنائية، ولا يمكن للبرلمانين التدخل إلا إذا ناقش الطرفان هذا المشكل سلفا».
من جهته، استغرب مجلس التعاون الخليجي القرار الصادر عن البرلمان الأوروبي واعتبر أمينه العام نايف فلاح مبارك أنه «يتضمن ملحوظات وانتقادات لا أساس لها من الصحة تجاه سياسة مملكة المغرب حول قضية الهجرة غير المشروعة تجاه أوروبا». وأكدت الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي دعمها الكامل للمغرب، لافتة إلى أن المملكة «ظلت ملتزمة بسياستها البناءة للحد من الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر. ودعت البرلمان الأوروبي إلى الاضطلاع بدور إيجابي و»النأي عن تأجيج الأزمة والعمل على ترجيح الحوار العقلاني بما يضمن مصالح طرفي الأزمة من خلال التفاوض الثنائي واحترام مبادئ الجوار الجغرافي».
وفي محاولة لامتصاص تداعيات استعداء الاتحاد الأوربي وخوفا من أن يصل التوتر إلى أبعاد يفقد معها الطرفان خط الرجعة إلى طاولة الحوار وفق مراعاة المصالح المشتركة، وبعد الرد العنيف للخارجية المغربية التي لم تقبل بتوصية الأستاذ ولا لعب دور التلميذ، أسند رئيس الحكومة الإسبانية مهمة إصلاح الوضع لنائبته، وهو ما يعني برأي المراقبين محاولة امتصاص السخط الداخلي على وزيرة الخارجية الإسبانية، أو محاولة الحد من تداعيات أزمة غير مسبوقة مع الرباط، التي لديها أوراق عديدة في دولابها الدبلوماسي في لعبة شد الحبل، من اتفاقيات ثنائية في الصيد البحري، إلى منجم معلومات استخباراتية أمنية مفيدة لأمن إسبانيا، حتى الانفتاح على الشريك البريطاني باعتباره المشرف على جبل طارق، والذي يمكن أن يهدد مصالح إسبانيا، وإن كان لكل خيار تكلفة ليست يسيرة لتعقد المصالح والروابط بين الجارين.
الفقرة المثيرة للجدل
تعتبر الفقرة التي وردت في قرار البرلمان الأوربي والتي تنص على «التأكيد على حرمة الحدود الوطنية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والاحترام الكامل وغير القابل للتفاوض لوحدة أراضي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي كمبدأ أساسي من مبادئ القانون الدولي وكمبدأ للتضامن الأوروبي، يذكر أنه لا يمكن التسامح مع تقويض السيادة الإقليمية للدول الأعضاء»، بمثابة إعطاء التوتر بين المغرب وإسبانيا طابع الصراع الحضاري والثقافي الذي كان يفترض التخلص التدريجي منه، فالفقرة المذكورة تنص على أن حدود الاتحاد الأوربي تمتد إلى القارة الإفريقية من خلال سبتة ومليلية المحتلتين، وهو أمر غير مسبوق، فمنظمة شمال الحلف الأطلسي «حلف الناتو» مثلا لا تقر بنسبة سبتة ومليلية لإسبانيا، بدليل أن الحلف الأطلسي ألح لحظة انضمام إسبانيا إلى صفوفه على أن المدينتين تظلان خارج دائرة الأراضي الغربية المحمية، وفي كل خططه العسكرية ظل الحلف الأطلسي يخرج المدينتين المحتلتين من دائرة الدفاع المشترك في أي مواجهة محتملة مع المغرب، وهو ما دفع جريدة «القدس العربي» أن تخصص رأيها لعدد الجمعة 11 يونيو الجاري لهذا الموضوع، ومما جاء فيه أن: «استقواء مدريد بالاتحاد الأوروبي، وتوريطه كمنظومة في نزاعات سياسية وعسكرية مع دول الجوار تكتيك يفيد الدولة الأوروبية المعنيّة على المدى القصير، لكنّه، على المدى الاستراتيجي، يساهم في جو الاستقطابات السياسية الكبيرة في العالم، ويؤطر الاتحاد الأوروبي مجددا في صورة القارّة الاستعماريّة ذات الماضي الدمويّ البائس، التي استباحت العالم وقامت بخلق أزمات كبرى مزمنة خلّفت ملايين الضحايا».
من هنا، برز التقاطب الذي خلقه تدخل البرلمان الأوربي حول صراع ثنائي بين المغرب وإسبانيا، فقد بدأ تجييش الرأي العام في البلدين عبر إحياء النزوعات القومية والوطنية، لرموز مثل طارق بن زياد والأندلس، وفي الضفة الأخرى إعادة إحياء التمثلات القدحية حول «المورو» المتوحش والبربري الذي سيجلب معه الرعب لإسبانيا. إن دخول الاتحاد الأوربي المستعمر القديم على الخط، قابله في الجهة الأخرى تكتل الدول المستعمَرة، مما ستكون له إسقاطات بعيدة المدى سترتد عكسيا على طبيعة العلاقة بين «الغرب والشرق» أو «الشمال والجنوب» وتعيدها لجراحها القديمة التي تذكر بما حدث في بدايات العقود الأولى من القرن الماضي.
لقاء ممر الناتو .. المسخرة
في عز أزمة إسبانيا مع المغرب، قالت صحيفة «الكونفيدونشيال» إن وزيرة الخارجية الإسبانية، أرانشا غونزاليس لايا، أجرت اتصالا هاتفيا مع نظيرها الأميركي، أنتوني بلينكن، وأبلغته أن قرار الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، الذي اعترف بسيادة المغرب على الصحراء، كانت له عواقب على إسبانيا. وروجت الحكومة الإسبانية أنه تم الاتفاق على لقاء بين جو بايدن وبابلو سانشيز على هامش قمة زعماء حلف شمال الأطلسي في العاصمة البلجيكية بروكسيل، بل إن وزيرة الصناعة والتجارة والسياحة الإسبانية، رييس ماروتو، أكدت أن بايدن وسانشيز سيتباحثان تبعات فرض الرئيس السابق ترامب تعريفة جمركية على المنتجات الإسبانية والموقف الأمريكي القاضي بالاعتراف بمغربية الصحراء وأزمة الهجرة وقضايا أخرى.
اتجهت الأنظار إلى قمة حلف الناتو للقاء المرتقب بين الرئيس الأمريكي ورئيس الحكومة الإسبانية، خاصة أن بايدن لم يجر أي اتصال مع سانشيز منذ حلوله بالبيت الأبيض. ساد قلق كبير في الرباط، لكن المباحثات تحولت من مناقشة ملفات ثقيلة إلى لقاء في ممر قمة الحلف الأطلسي ببروكسيل لم يتجاوز 28 ثانية، وهو ما أصبح مادة للسخرية في الصحف الإسبانية وفي منصات التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر اللقاء أشبه بالإهانة التي تلقاها بابلو سانشيز.