الدكتور مصطفى لالي، أستاذ باحث وواحد من أشهر الفاعلين المدنيين والسياسيين بمدينة فكيك، يعرف تاريخ المدينة وأحوازها كما يعرف أصابع يديه العشرة، كيف لا وهو من كان رئيسا للمجلس البلدي للمدينة لثلاث ولايات متتالية من 1992 إلى 2009، ثم نائبا أول للرئيس ما بين 2009 و2015. في هذا الحوار يحدثنا الدكتور مصطفى لالي بخلفيته الأكاديمية، فرغم تقاعده الإداري، فهو ما زال يحمل قبعة الأستاذ الباحث المهتم بتاريخ المنطقة التي توجد على خطوط التماس مع الجزائر، فلنستم للسيد لالي وهو يسرد أمامنا حقائق التاريخ والجغرافيا لنفهم حقيقة ما يجري في فكيك.
حدثنا عما وقع بالضبط في منطقة العرجة بفيكيك؟ المشكل الحاصل حاليا بمنطقة «العرجة» ما هو إلا النقطة التي أفاضت الكأس. في منطقة فيكيك هناك واد اسمه «وادي زوزفانة»، الذي يفصل ما بين المغرب والجزائر ويذهب في اتجاه منطقة «الساورة» و«الداورة» ثم يلتقي مع وادي «إيكلي» والذي يصب في اتجاه الصحراء.
«وادي زوزفانة» نعتبره مهد الحضارة التي ولدت في تلك المنطقة، وتحدث عنه ابن خلدون كما تحدث عنه الحسن الوزان إضافة إلى أبو سالم العياشي والهشتوكي وأحمد بن ناصر الدرعي، وغيرهم من الرحالة، بمعنى أنهم تحدثوا عنه ما بين القرن السادس إلى القرن الثاني عشر الهجري.
وعلى طول وادي «زوزفانة» كانت هناك مجموعة من القصور، هناك قصر «تاغلا» وقصر «تاصرا» وقصر «أمغروض» و«المراجي» وقصر «أيير نبلال» و»أولاد رفيعة» و«أماس نيغزا» ويوجد وسط الوادي «الواد الشرقي» و»الملياس» وفي أعلى الوادي نجد منطقة «العرجة» التي أثير حولها اللغط حاليا.
يبدو إذن أن هذا المشكل له جذور تاريخية يمكن أن نفصل فيها حتى نفهم حقيقة ما وقع.. نعم هذه هي الحقيقة، ففي الوقت الذي دخلت فرنساالجزائر في العام 1830 قامت بمناوشات ضد المغرب، وبالضبط في الجهة الشرقية، ثم قامت بالنزول نحو الجنوب وصولا إلى منطقة فيكيك التي كانوا يسمونها ب»الجنوبالوهراني». وفي تلك الفترة أدركت فرنسا أن المغرب ضعيف، بعدما وقفت على ذلك في معركة «إيسلي» سنة 1844، فتم التوقيع بعد ذلك على اتفاقية «لالة مغنية» التي نصفها نحن ب»الاتفاقية المشؤومة» سنة 1845، دون أن ننسى أن المغرب وقع تلك الاتفاقية تحت ضغوط الهزيمة، حيث كانت أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية متدهورة.
زاد الأمر استفحالا لما انهزم المغرب في معركة ضد إسبانيا سنة 1860، بعدها في مطلع القرن العشرين تم تقسيم المغرب إلى شقين، الشمال استعمرته إسبانيا كما استعمرت كذلك صحراءنا الوطنية في أقصى الجنوب، بينما احتلت فرنسا وسط المملكة.
اتفاقية «لالة مغنية» أعتبرها أم الاتفاقيات، فهي التي أدت إلى تقسيم المغرب، انطلاقا من السعيدية عبر وادي «تافنة» إلى 120 كيلومتر جنوب البحر الأبيض المتوسط في منطقة معروفة تسمى «الساسي»، وهذه حدود دولية يعترف بها المغرب، وفي الحقيقة تم تسطيرها منذ عهد المولى إسماعيل، في إطار الصراع مع الأتراك العثمانيين، لكن كل المناطق التي توجد جنوب منطقة «الساسي» وصولا إلى فيكيك كانت تستغل من طرف الإيالتين الجزائرية والمغربية، وبقي هناك نوع من التعتيم عن قصد، حتى ينفذوا ما كانوا يسمونه بحق المطاردة. فهذه المناطق كانت مجالا للرعي وتنقل القبائل، لم تكن مغربية ولا جزائرية.
من الناحية السياسية، كيف يمكن أن نقسم عبر التاريخ الحدود بين المغرب والجزائر؟ من الناحية السياسية، يمكن تقسيم الحدود في تلك الفترة إلى جزئين، من منطقة «الساسي» إلى السعيدية حيث هناك حدود ثابتة معترف بها من الجانبين، لكن جنوب منطقة «الساسي» إلى جنوب فيكيك هناك حدود غير ثابتة تعرف تنقل القبائل، هذه القبائل قسمت الحدود فأصبحنا نسمع ب»ولاد سيد الشيخ الشراكة» و»ولاد سيد الشيخ الغرابة» سواء التابعين لفرنسا (الجزائر) أو التابعين للمغرب، مما خلق لنا مجموعة من المشاكل.
وفي إطار رغبتها في التوسع، كان لفرنسا مشروع نحو عمق الصحراء، يمتد حتى حدود النيجرومالي في إفريقيا الكبرى، فكان المدخل الطبيعي للوصول إلى هذه الأطماع هو أن تستولي أولا على منطقة فيكيك، فبدأت في إنشاء خط للسكة الحديدية من مدينة وهران إلى منطقة بشار، وبعد ذلك أنجزت خطا آخر خاصا هذه المرة ب»التليفون»، ثم بدأت تقضم أراضي أهل فيكيك.
بعد هذه الأحداث كتب أهل فيكيك رسالة إلى السلطان مولاي الحسن الأول يخبرونه بالمؤامرات الفرنسية، فوقع هجوم على جنرال فرنسي يدعي «جونار» في منطقة «تاغيت»، وهو الشيء الذي جعل فرنسا تقتنع أن أهل فيكيك يهددون مصالحها التوسعية، لتوقع بعد ذلك اتفاقية بين المغرب وفرنسا في العام 1901، ثم تم التوقيع على بروتوكول ثان في العام 1902.
باختصار شديد، ما الذي يقوله هذا البروتوكول؟ فرنسا قدمت اعترافا رسميا بأن تلك الأراضي التي تضم النخيل وتوجد خلف السكة الحديدية هي أراضي مغربية. في تلك الاتفاقية كذلك أخذت فرنسا قصر «بني ونيف»، والذي يعتبر قصرا من قصور فيكيك، لأن فيكيك كانت عبارة عن مجموعة من القصور على غرار «قصر العبيدات» و»المداغير» و»أولاد سليمان» وقصر «الحمام الفوقاني» و»الحمام التحتاني»، وهم يشكلون ما نسميه ب»الهضبة»، وهناك السهل الذي يضم «قصر زناكة»، مع العلم أن قصر «بني ونيف» هو امتداد لهذه القصور التي ذكرت.
لما عرفت فرنسا أن مصالحها مهددة، شنت حربا ضد المغرب على مستوى منطقة فيكيك في العام 1903، وعرفت هزيمة للمغاربة، بحكم أن ميزان القوى كان مختلا، حيث أن المغاربة كانوا يتوفرون فقط على السيوف وبعض الأسلحة الخفيفة على غرار البارود، بينما كان الفرنسيون يتوفرون على أسلحة نارية حديثة، فوضعت فرنسا مجموعة من الشروط المهينة على سكان فيكيك على غرار نزع الأسلحة وتسديد دعيرة مادية كبيرة، وتم إقرار مجموعة من العقوبات على كل من يعتدي على مواطن فرنسي، كما قاموا باعتقال مجموعة من الرهائن وكلهم من أهل «الجماعة» بمعنى أنهم اعتقلوا الحكماء، ووضعوهم في سجن «العين الصفراء» وكان عددهم تقريبا ما بين 11 إلى 13 فردا. كانت رغبة الفرنسيين أن يتم تنفيذ هذا الاتفاق، ثم شرعوا في قضم مجموعة من الأراضي التابعة لفيكيك وضمها للجزائر.
في العام 1903 تم الاستيلاء على فيكيك، ثم على مدينة بشار وتم رسم خطوط حدودية جديدة مما سمح لهم بضم أراض أخرى. وفي العام 1912 وفي عهد السلطان مولاي عبد الحفيظ تم التوقيع على معاهدة الحماية مع فرنسا، وفي العام 1934 ستقوم فرنسا بالاستيلاء على منطقة تندوف.
خلال مرحلة الحماية الفرنسية وهي في الواقع استعمار كان أهل فيكيك يستغلون أراضي العرجة، وكان الفرنسيون يسلمون لآبائنا وأجدادنا وثيقة تسمح لهم بالتنقل على شكل رخصة مرور «Laisser passer»، ليتنقلوا صوبمجموعة من الأراضي لزراعتها، خاصة بمنطقتي «المعادير» و«العرجة» وهذه الأراضي كانت تضم واحات شاسعة من التمور التي تعطينا منتوجات كبيرة جدا، وفي مقابل ذلك كنا نؤدي ضرائب للفرنسيين، ومازالت العائلات هنا تحتفظ بوثائق تثبت أنهم كانوا يؤدون ضرائب للفرنسيين.
هذا يدل على أنه رغم الاستعمار الفرنسي كان أهل فيكيك يمارسون أنشطتهم الفلاحية، وهذا هو الإقرار الذي ضمن في اتفاقية العام 1901 وبروتوكول العام 1902، ما بين فرنسا والمغرب.
"العرجة" منطقة مغربية استولت عليها فرنسا ووافقت على إرجاعها للمغرب
لكن حتى نتكلم بلغة الحاضر، المغرب حصل على استقلاله سنة 1956، بينما الجزائر استقلت عن فرنسا في العام 1962. في تلك الفترة كيف كان أهل فيكيك يستغلون تلك الأراضي؟ بعد استقلال المغرب، وقع محمد الخامس اتفاقا مع فرحات عباس، الذي كان رئيسا للحكومة الجزائرية المؤقتة، حيث أن الملك محمد الخامس وفي العام 1958 طالب بمجموعة من الأراضي التي ضمها الفرنسيون للجزائر على غرار بشار والقنادسة وبني ونيف، فوافقت فرنسا على ذلك شريطة أن يوقف المغرب دعم المقاومة الجزائرية، وأن يتم إنشاء شركة ذات مصالح مشتركة بين المغرب وفرنسا لاستثمار مجموعة من الثروات الطبيعية في المناطق الحدودية خاصة في منطقة «جبيلات» التي تتوفر على مخزون هائل من الحديد.
رفض محمد الخامس هذا العرض، واستمر في دعم الثورة الجزائرية. وبعد استقلال الجزائر في العام 1962، طلب الملك الحسن الثاني من الرئيس الجزائري حينها أحمد بن بلة أن يتم التفاهم على مسألة الحدود بين البلدين، غير أن القيادة الجزائرية تنكرت للاتفاق الموقع بين محمد الخامس وفرحات عباس، الشيء الذي أدى إلى اندلاع حرب الرمال في أكتوبر 1963. وأنا شخصيا عشت هذه الحوادث وكنت شاهدا على تلك الحرب التي انتهت بتدخل مجموعة من الدول الشقيقة وتم التوقيع على اتفاق «باماكو» ووقف إطلاق النار، لكن الإشكال بقي عالقا إلى أن تم التوقيع على اتفاقية إفران التي بقيت إرهاصاتها إلى حدود العام 1969، وجاء بعدها لقاء تلمسان، الذي أفرز لاحقا تصريحا مشتركا ما بين المغرب والجزائر في 1972.
اتفاقية ترسيم الحدود ما بين المغرب والجزائر التي تم التوصل إليها في العام 1972، هي محور الجدال الدائر اليوم، بحيث أن البرلمان الجزائري صادق عليها بشكل سريع في نفس العام بينما لم يصادق المغرب عليها سوى في حدود العام 1989.
هناك اتفاقية تسمى اتفاقية إفران 1972، لكن لم يتم تطبيقها سوى في حدود العام 1992، حيث أنها لم تنفذ سوى بعدما أصبح محمد بوضياف رئيسا للجزائر.
وحين تقرأ نص الاتفاقية التي نشرت في الجريدة الرسمية، فهي حددت الحدود بناء على قمم الجبال، فمثلا وضعت الحدود من جبل «كروز» إلى جبل «الملياس» ثم إلى جبل «زناكة» الذي لم تذكره الاتفاقية بالاسم وقالت إنه «وراء الكثبان الرملية لهذه القرية» وهذه القرية المقصودة هي «بني ونيف»، وتستمر الحدود في اتجاه جبل «تمزوغت» ثم تمتد الحدود إلى واد «سيدي يوسف» ثم إلى «الوادي الشرقي» وصولا بعد ذلك إلى منطقة «العرجة».
لغز «الوادي غير المسمى» في اتفاقية ترسيم الحدود 1972 منطقة العرجة هي موضوعنا، وبالتالي نريد أن نفصل فيها بشكل دقيق.. هم يقولون في اتفاقية 1972 التي تروج لها الجزائر «الوادي غير المسمى»، وهذا الاسم غير موجود عندنا، الوادي الموجود هناك اسمه «وادي زوزفانة»، وهذا الوادي يمتد إلى منطقة أخرى نسميها «الطريش» ومنطقة أخرى نسميها «إدريس بنسعيد»، حيث أن هناك واديين آخرين يلتقيان مع «وادي زوزفانة» ليستمر حتى منطقة «إيش» مرورا ب»تندرارا» ثم إلى منطقة «الساسي» التي تحدثنا عنها كثيرا وصولا إلى عين بني مطهر ثم وجدة ثم أحفير وصولا إلى السعيدية، عبر وادي «تافنة» وهو الوادي الفاصل بين المغرب والجزائر.
بعد أحداث السبعينات (يقصد ترحيل مغاربة الجزائر) تم منع أهل فيكيك من الذهاب إلى وادي زوزفانة، ثم جاءت المسيرة الخضراء، مما أدى إلى سعار وسط النظام الجزائري، فاقتطعت الجزائر مجموعة من الأراضي المغربية الجديدة، معتبرين أن تلك الأراضي المغربية هي «أراضي مليون ونصف مليون شهيد» كما يقولون.
أتذكر أننا طرحنا هذه المشاكل حينها على السلطات المختصة، لكن لم نتوصل بأي جواب، فبدأنا نتواصل مع برلمانيي الإقليم لطرح أسئلة شفوية في البرلمان بهذا الخصوص، وبالفعل طرحت أسئلة شفوية في البرلمان في التسعينيات، وأتذكر أن برلمانيا يدعى بزاوي طرح هذا السؤال على وزير الداخيلة الراحل إدريس البصري في العام 1995، فأجابه البصري: «أسي بزاوي أنت برلماني ديال الدارالبيضاء، فيكيك بخير وعلى خير، شحال كاع مشا لكم؟ 190 ألف نخلة؟ راه دبا غنشوفو هاد المشكل يتحل».
وحين طرح هذا الإشكال في البرلمان وقع إقرار رسمي للدولة المغربية تعترف فيه أن الجزائر اغتصبت أراض جديدة من سكان فيكيك، وهي أراض مغربية.
أنت كنت رئيس بلدية فيكيك ما بين 1992 و2009، هل تكلمت سابقا كثيرا عن هذا الموضوع؟ نعم، وكنت أطرح هذا الإشكال على الجهات المعنية، لكن جوابها يكون دائما أن هناك قضية وطنية أكبر وهي الصحراء، وبالتالي من الصعب أن يتم التركيز حاليا على هذا الملف، وكان يطلب منا أن نستمر في الصبر. والإشكال الحالي الواقع في فيكيك، هو أن العمق الاقتصادي للمنطقة يوجد حاليا تحت السيادة الجزائرية.
يعني أن الجزائر أولت كما أرادت اتفاقية 1972؟ نعم هذا واقع، إضافة إلى ذلك فقد اقتطعت لها مجموعة من الأراضي المغربية وضمتها للجزائر بعد المسيرة الخضراء. وها هم اليوم ونحن في العام 2021 يضمون إليهم أراضي جديدة في منطقة «العرجة».
نحن الآن أمام معادلة معقدة وإشكالية صعبة، العنصر البشري يوجد في المغرب ووسائل الإنتاج توجد في الجزائر، فالأراضي التي بقيت للفيكيكيين وعرة، من أراد أن يغرس شجرة عليه أن يأتي بآليات للحفر (Compresseur) حتى يحفر في الصخر، وفي بعض المناطق يتم استعمال البارود، فأسفل قشرة التراب التي لا تتعدى 20 سنتيمترا هناك صفيحة صخرية كبيرة جدا.
لكن في مقابل ذلك، توجد هذه المنطقة التي أطلق عليها اسم «كاليفورنيا المغرب»، فرغم صعوبتها غير أن المزارعين يحفرون في الصخر لغرس الأشجار، كما يخلطون الرمال بالتراب حتى تكون الأرض منتجة، مستغلين بذلك وجود فرشة مائية جيدة جدا، حيث أن المياه تكون عادة بعمق 3 إلى 4 أمتار فقط، حيث أن وادي زوزفانة يختزن فرشة مائية هائلة أسفله. ولذلك فأهل فيكيك يجنون محصولا زراعيا كبيرا من منطقة العرجة.
فلاحو "العرجة" يتوفرون على وثائق ملكية لأراضيهم توارثوها عن أجدادهم
هل ترى أن المسؤولين المغاربة لم يأخذوا ما وقع في العرجة على محمل الجد؟ أتمنى أن يأخذوه على محمل الجد. المزارعون يتوفرون على وثائق ملكية توارثوها عن آبائهم وأجدادهم. وهناك مثل يقول «كم نقمة في طيها نعمة»، وما وقع اليوم في منطقة العرجة أتمنى أن يؤدي إلى فتح ملف ممتلكات أهل فيكيك التي توجد حاليا تحت السيادة الجزائرية.
الرأي العام وساكنة فيكيك من خلال وقفاتهم الاحتجاجية وبياناتهم يطالبون السلطات المختصة بأن تجد حلا بشكل نهائي لهذا المشكل الذي طال واستطال، فما حصل أحرقنا وتقطعت له أكبادنا وحارت فيه قلوبنا.
نحن ساكنة فيكيك يجب أن نتوجه نحو المستقبل، حيث نعرف أنه إلى جانبنا هناك جار مناور، ونعلم أن الشعب الجزائري يخرج في مظاهرات ضد نظام بلاده، فقد خرج للجمعة 109 حسب ما أعتقد، ونحن نستحضر هذا الأمر ولا نريد أن نشوش على الحراك الجزائري.
لكن كيف يمكن أن تتوجهوا لهذا المستقبل؟ يجب أن نتوجه للمستقبل من خلال تجهيز ملف حول الأراضي التي تم اغتصابها. ملف يبين حيازتنا لهذه الأراضي على مر التاريخ.
ولو اقتضى الأمر الذهاب للأمم المتحدة؟ نحن الآن بصدد تشكيل لجان، هناك لجنة قانونية فيها محامون وأكاديميون وأناس متخصصون في القضاء والاقتصاد الحدودي. وهناك لجنة ثانية متخصصة في التواصل والإعلام حتى نقدم للناس الحقائق كما هي. وهناك لجنة أخرى للدعم، لأن ما أصاب هؤلاء الفلاحين رزء كبير، فبعدما كانوا يمتلكون مجموعة من الأراضي وجدوا أنفسهم مجبرين على البداية من الصفر. والسؤال الذي نطرحه اليوم هو ما نوع التخريجة والحل الذي يمكن أن ندعم به هؤلاء على أن يكون الدعم مقبولا من الناحية القانونية.
يجب أن يتم تعويض هؤلاء بناء على حجم ما فقدوه، لكن التعويض لا يعني أن يتم فقط تعويضهم بالأرض، لأن الأرض لا تعوض، فهي انتماء تاريخي ووطني وروحي، والانتماء مرتبط بالحركية والاستمرارية، فلا يمكن أن نتحدث عن التعويض ونتخلى عن الأرض.
وبناء على القيم التي تشبعنا بها فتلك الأرض مقدسة بالنسبة إلينا، هي أرض تحتضن رفات الآباء والأجداد. ما وقع في العرجة باختصار أن المغرب أخذ التاريخ والجزائر أخذت الجغرافيا. ونحن نقول إن قيمة الوطن في الإنسان وفي قيمه، ولهذا نتمنى من الجهات المسؤولة والمختصة أن تأخذ الموضوع بجدية وأن تعمل على حل هذا المشكل.
* هكذا كانت فيكيك على الدوام درعا واقيا للمغرب من التهديدات الخارجية
ماذا لو اقترح على الفلاحين تعويضهم مادياً وطي الملف؟ في بعض المرات، يتصل بنا البعض ليقول لنا «شحال من مليار التعويضات ديالكم؟»، فنقول لهم إن مشكلتنا ليست في التعويض، لكن يجب على المغاربة أن يعرفوا أن فيكيك كانت على الدوام درعا واقيا للمملكة.
يجب أن نتذكر أن الأتراك في عهد السعديين كانوا يسعون لدخول البلاد، فكانت فيكيك هي الدرع الواقي للمغرب الأقصى. الأتراك العثمانيون الذين جاؤوا من القسطنطينية واحتلوا العراق وبلاد الشام وأجزاء من شبه الجزيرة العربية ومصر وصولا إلى الجزائر، وقفوا عند وجدة وفيكيك ولم يستطيعوا الدخول إلى المغرب.
ما الذي يعطي لفيكيك كل هذه الأهمية؟ موقعها الجغرافي، وكما قلت لك سابقا ففرنسا أدركت هذه الأهمية الاستراتيجية، حيث أنها أرادت من خلال الاستيلاء على فيكيك التوسع جنوبا إلى ماليوالنيجر، والاستيلاء على هاتين الدولتين يعني الاستيلاء على المعادن الثمينة. الجميع يتذكر معركة «وادي المخازن»، فالهدف منها كان الاستيلاء على مالي وبلاد السودان انطلاقا من المغرب، والاستيلاء على السودان يعني كذلك الاستيلاء على المعادن والتبر وريش النعام والملح. هذا هو الفكر الرأسمالي، فالرأسمالية لا يهمها البشر، تهمها المصلحة فقط، فالبشر بالنسبة لهم كالذباب يمكن القضاء عليهم من أجل الوصول إلى المصالح. لكن انتصار المنصور الذهبي في معركة وادي المخازن أدى إلى بزوغ نجم المغرب وأفول نجم الإمبراطورية البرتغالية، ولذلك توسع المغرب في تومبوكتو ووصلت حدود المغرب إلى مالي.
سألتني عن أهمية فيكيك، وهنا لا يجب أن ننسى كذلك أنه في عهد الدولة العلوية اتخذ المولى إسماعيل فيكيك عاصمة للأقاليم الجنوبية، كانت عاصمة للقنادسة وأدرار وبشار إلى حدود توات. وفرنسا تعرف هذه الأمور، ويمكننا العودة إلى بعض فيديوهات الجنرال «دوغول» الذي يقول إن الجزائر لم تكن دولة في يوم من الأيام، الجزائر كانت مجرد إمارات تابعة أحيانا للدولة الزيانية في تلمسان وتارة تابعة لبجاية وأحيانا لتونسالقيروان وأحيانا للأتراك ثم مستعمرة فرنسية، لكنهم اليوم ورثوا إمبراطورية كبيرة من فرنسا التي شكلت تلك الأراضي الشاسعة بشكل توسعي على مدى 132 سنة من الاستعمار، ولم تكن تعتقد أنها ستخرج منها.
يبدو إذن أن الجزائر لها مشاكل عويصة مع جميع الجيران وليس مع المغرب فقط؟ وستبقى لها مشاكل عويصة مع جيرانها، فالجزائر أخذت أراضي من تونس وأخرى من ليبيا وأخذت أراضي من دول جنوب الصحراء، كما أخذت وتريد أن تستولي على أجزاء من المغرب، وهذا موضوع طويل عريض.