في هذا الحوار يقول رضا الفلاح أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة ابن زهر بأكادير ل"الأيام" إن إلغاء إعلان ترامب الاعتراف بمغربية الصحراء شبه مستحيل عمليا، يوضح أن الإعلان ليس قرار دونالد ترامب بل قرار الدولة الأمريكية. كثر اللغط حول الصيغة القانونية التي جاء بها الموقف الأمريكي الجديد الذي يعترف بمغربية الصحراء، خاصة أنه صدر عن رئيس يعيش أيامه الأخيرة في الحكم، هل يحوز القرار الجديد قوة قانونية؟ القرار الأمريكي القاضي بالاعتراف بمغربية الصحراء اتخذ صيغة إعلان رئاسي، وهو يندرج ضمن الأعمال الرئاسية التي تعتبر مراسيم يستخدمها الرئيس الأمريكي في إطار السلطة التنفيذية التي يتمتع بها بمقتضى الدستور أو القوانين الفيدرالية، سواء جاءت على شكل إعلان رئاسي أو أمر تنفيذي رئاسي أو غيرها من الصيغ. ويحوز الإعلان الرئاسي قيمة وقوة قانونيتين وتنفيذيتين، ولا يختلف عن الأمر التنفيذي الرئاسي إلا في المجال الذي تنظمه كل صيغة من هذه الصيغ. والذي يهمنا في الإعلان الرئاسي أنه يعترف بأوضاع قانونية ويرتب آثارا قانونية، ويلجأ إليه الرئيس الأمريكي في غالب الأحيان في مجالات تسيير الشؤون الخارجية والأمن والدفاع والعلاقات التجارية مع دول العالم. وربما حصل نوع من اللبس، لأن هناك نوعا من الإعلانات الرئاسية لديها قوة رمزية، كتلك التي يصدرها الرئيس بمناسبة تخليد ذكرى أو التي تتعلق بتكريم فاعلين اقتصاديين أو سياسيين أو من المجتمع المدني. ويمكن لأي كان الرجوع إلى سجل الأعمال الرئاسية ليجد عددا من الإعلانات الرئاسية الصادرة في مجال السياسة الخارجية وباقي المجالات الأخرى، بل لطالما استعمل الرئيس دونالد ترامب هذه الصيغة عندما يتعلق الأمر بالعلاقات التجارية مع التكتلات الإقليمية أو وضع قيود جمركية أو غير جمركية على المنتوجات المستوردة، كما حصل في حربه الاقتصادية مع الصين، ولها قوة قانونية واضحة لا نقاش فيها. أما في ما يتعلق بالأمر التنفيذي فيصدر عن الرئيس عندما يتعلق الأمر بتنفيذ قانون، ويكون موجها للأجهزة الفيدرالية المكلفة بإنفاذ القانون. مسألة أخرى ينبغي الانتباه إليها، وهي أن كل الأعمال الرئاسية هي مراسيم، فعندما يقول دونالد ترامب مثلا – في ديباجة الإعلان الرئاسي المتعلق بمغربية الصحراء: «أنا رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية، بمقتضى الصلاحيات التي أتمتع بها وبموجب الدستور والقوانين…»، فإننا نكون إزاء مرسوم، مع الإشارة إلى أن هذا الموضوع جاء في صيغة إعلان وليس أمرا تنفيذيا، نظرا لطبيعة القرار المعلن. ويمكن أن يصدر أمر تنفيذي لاحقا يتعلق بالترتيبات القانونية لتنفيذ قرار فتح قنصلية بمدينة الداخلة. يتخوف البعض من إمكانية تخلي إدارة جو بايدن عن قرار دونالد ترامب المتخذ في الوقت بدل الضائع من إدارته، هل يوجد في القوانين الأمريكية ما يضمن ديمومة هذا القرار التاريخي؟ الاعتراف بمغربية الصحراء ليس قرار الرئيس دونالد ترامب، بل هو قرار الدولة الأمريكية. وأعتقد أنه حتى لو لم يتخذ دونالد ترامب هذا القرار فقد كان من المرجح جدا اتخاذه من لدن إدارة جو بايدن، لأنه يندرج اليوم ضمن توجه عام على مستوى الولاياتالمتحدةالأمريكية وعلى مستوى مجلس الأمن. وأمريكا هي دولة مؤسسات كانت لها دائما مواقف داعمة للحل السياسي القائم على الواقعية وروح التسوية. كما كانت لها مواقف ثابتة في ما يتعلق بمقترح الحكم الذاتي سواء كان الجمهوريون أو الديمقراطيون في البيت الأبيض. وبالتالي، فإن احتمال إلغاء الرئيس المقبل لهذا القرار ليس ضعيفا بل يكاد لا يذكر ويدخل في باب المستحيل. وعموما، فإن التوجه العام للنخبة المتحكمة في صناعة القرار الخارجي بأمريكا يقضي بإنهاء النزاع المفتعل في الصحراء، وهذا ينسجم مع القرارات الأربعة الأخيرة الصادرة عن مجلس الأمن والتي تدعو إلى تحريك العملية السياسية والالتزام بالواقعية والرغبة في التسوية. هناك مؤشر آخر على استمرار إدارة بايدن في ما أعلنه ترامب، وهو أن الديمقراطيين كانوا دائما داعمين للحل السياسي باستثناء بعض الشخصيات مثل سوزان رايس التي تتبنى مواقف رمادية أو معادية للمواقف المغربية الرسمية. أما المؤشر الثالث على صمود الموقف الأمريكي التاريخي، فهو أن بايدن سيستمر في تحقيق شروط السلام مع إسرائيل، خصوصا أنه يحظى بدعم وتأييد اليهود الأمريكيين الذين اختاروا التصويت عليه بكثافة، وذلك بنسبة فاقت السبعين في المائة. لذلك ستحرص الإدارة الجديدة المدعومة من اللوبي اليهودي على استئناف الدول العربية علاقاتها مع إسرائيل، ويأتي قرار المغرب استئناف علاقاته مع إسرائيل ضمن مقاربة «غائية» خدمة لمبادرة السلام الإيجابي الذي يحقق حل الدولتين وينهي معاناة الشعب الفلسطيني. قد يقول لك قائل إن كل ما أشرت إليه لا يلغي إمكانية أن يتراجع الرئيس الأمريكي المقبل عن هذا القرار الهام الذي اتخذه ترامب، ويمكن أن يتم ذلك بمداخل متعددة، وما الاتفاق النووي مع إيران الذي تراجع عنه ترامب ببعيد وأيضا الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ. فكيف ترد على هذه المسألة؟ القرار الأمريكي جاء في توقيت يوجد فيه المغرب في موقع قوة، ولم يأت لإنقاذ المغرب من انتكاسة دبلوماسية أو في وقت عصيب بالنسبة لقضية الوحدة الترابية، حيث تشير كل المؤشرات إلى أن المغرب يقف على أرضية صلبة بعدما تواصل مسلسل سحب الدول اعترافاتها بالبوليساريو، وانطلقت دبلوماسية القنصليات التي آتت أكلها، وحققت القوات المسلحة الملكية انتصارا في الكركرات. كما أنه جاء في سياق يؤكد فيه مجلس الأمن أن مقترح الحكم الذاتي جدي وذو مصداقية ويمكن أن يكون أساسا للتفاوض. ونظرا لثقل هذا القرار من الناحية السياسية فإن أي حديث عن المداخل القانونية للتراجع عنه مضيعة للوقت. صحيح يمكن إلغاؤه أو التراجع عنه كما يمكن إلغاء فصول من الدستور الأمريكي أو تعديلها فكل شيء قابل للتغيير، لكن المنطق الذي يجب أن يحكمنا في هذا النقاش هو أن نفكر بعمق في مصالح كل طرف، ومصلحة الولاياتالمتحدةالأمريكية اليوم مع الاعتراف بمغربية الصحراء. بالنسبة للاتفاق النووي مع إيران الذي تم التراجع عنه، فإن هذا الاتفاق كان منذ البداية محط نزاع ومزايدات وحسابات بين الديمقراطيين والجمهوريين، عكس قضية الصحراء، إذ إن التوجه العام في كلا الحزبين – مع استثناء بعض الأشخاص ذوي التوجهات المناوئة – مع الحل السياسي للنزاع المفتعل، ومن هذا المنظور أرى إمكانية إلغاء قرار الاعتراف بمغربية الصحراء ضعيفة. وما يقال عن الاتفاق النووي ينطبق على اتفاقية باريس للمناخ، حيث كانت دوائر أمريكية متحفظة على هذه الاتفاقية منذ البداية، وذلك استنادا إلى منطق الربح والخسارة الذي يقدر الكلفة الاقتصادية التي ستتكبدها الصناعات الأمريكية في حالة الالتزام بمضمون الاتفاقية. ثم هناك قضية أخرى لا تقل أهمية، وهي أنه لم يثبت أن حصل اختلاف بين النخب الأمريكية حول أي قرار يصب في مصلحة إسرائيل أو السلام مع الدول العربية. كيف تتوقع أن يؤثر الموقف الأمريكي الجديد على تعاطي مجلس الأمن الدولي مع نزاع الصحراء؟ نعلم أن مواقف الولاياتالمتحدةالأمريكية تكون حاسمة في أي قرار أممي، كما أنها كانت دائما وراء صياغة مسودة تقارير مجلس الأمن، وبالتالي فإن موقفها الجديد الذي يجعل مشروع الحكم الذاتي الأساس الوحيد للتفاوض سيظهر في صيغة القرارات اللاحقة لمجلس الأمن، وذلك ليس فقط عبر التأكيد على جدية ومصداقية الحكم الذاتي، بل من خلال دفع الأطراف المعنية إلى الانخراط في العملية السياسية على أساس الاستجابة لهذا المقترح. والإيجابي في هذا المسار، أنه يمكن لدول أخرى دائمة العضوية في مجلس الأمن أن تعزز هذا التوجه مثل فرنسا حليفة المغرب وبريطانيا حليفة أمريكا، بل حتى الصين يمكن أن تلعب هذا الدور وهي التي ترتبط بعلاقات جيدة مع الرباط ومعروف عنها أنها لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول ولا تدعم الحركات الانفصالية، وقد امتنعت إلى حدود اللحظة عن التعليق على قرار الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهذا يعني في لغة العلاقات الدولية للقوى العظمى قبولا ضمنيا، لأن رد فعل هذه الأخيرة يكون فوريا عندما يتعلق الأمر بقرارات ذات أهمية في العلاقات الدولية. وبالنسبة للدول غير دائمة العضوية في مجلس الأمن، فإن أغلبها لا يعترف بالجمهورية المزعومة بفعل الاختراق الذي حققته الدبلوماسية المغربية في السنوات الأخيرة، وخاصة على مستوى أمريكا اللاتينية وإفريقيا. في الأخير، أتوقع أن النزاع حول الصحراء سيعود للواجهة وأن التوجه العام الدولي سيكون في صالح إنهاء النزاع، حيث سيذهب تدريجيا في اتجاه الحل السياسي وتعزيز الأهمية والأولوية الحصرية لمقترح الحكم الذاتي كأساس للتفاوض بين الأطراف بما فيها الجزائر وموريتانيا. ماذا عن المخاوف بشأن إلغاء قرار ترامب في الكونغرس؟ من الناحية المبدئية، عندما يتخذ الرئيس الأمريكي قرارا فإنه يفترض أنه يتماشى مع الدستور والقوانين الجاري بها العمل، لكن ذلك لا يمنع الكونغرس من ممارسة حقه في قبول أو رفض القرار، لكني أستبعد أن يراجع قرار الاعتراف بمغربية الصحراء، لأنه لا يتعارض مع القوانين الفيدرالية وينسجم مع قوانين اتخذت على مستوى الكونغرس، ومنها القانون السنوي للمساعدات المالية للدول، حيث أن الدعم الأمريكي الذي يتلقاه المغرب متجانس ولا يشترط استفادة إقليم من غيره، وهذا تأكيد أمريكي ضمني على أن الأقاليم الصحراوية لا تنفصل عن باقي التراب الوطني. كما أن التفكير المنطقي ولغة المصالح، والاعتبارات الجيوسياسية المتعلقة بالسياسة الخارجية الأمريكية بالمنطقة، كل ذلك يؤكد أن القرار لن تواجهه صعوبات وعراقيل وستعبد الطريق أمام ترتيب كل الصيغ القانونية لتفعيله سواء خلال ما تبقى من الولاية التشريعية للرئيس الحالي أو خلال ولاية الرئيس المقبل. وهل يمتلك قرار ترامب المناعة الكافية لمواجهة أي دعوى بشأنه في المحكمة العليا الأمريكية؟ يمكن أن يثار هذا الموضوع في المحكمة العليا، لكن بالنظر إلى قانونية القرار الذي لا يشوبه أي عيب قانوني ولا يتعارض مع الدستور ومع أي قانون فيدرالي، أرى أنه من شبه المستحيل أن يحصل اعتراض عليه أو يتم إلغاؤه، خاصة أنه قرار يتعلق بالسياسة الخارجية وهو مجال سيادي يمتلك فيه الرئيس الأمريكي صلاحيات واسعة وليس من عادة القضاء الأمريكي التدخل في هذه الصلاحيات.