ابتداء من اليوم، يدخل المغرب الفصل الثالث من حربه ضد فيروس كورونا، فبعد فرض حجر صحي شامل في إطار طوارئ صحية ورفع تدريجي للحجر الاقتصادي، يبدأ مسار تخفيف الحجر الذي سيمتد طيلة شهر كامل، وسيخضع لتطور الوضعية الوبائية التي أصبح متحكما فيها بشكل كبير جدا، كما تعكس الأرقام المعلنة المتعلقة بمعدلات الإصابة والتكاثر ونسبتي الفتك والشفاء. في هذه النافذة 10 ملامح من قرار تخفيف الحجر الصحي. ثلاث نفسيات في وقت واحد ! يوم طويل عاشه المغاربة يوم الثلاثاء في انتظار معرفتهم مصير «الطوارئ الصحية»، وفي ظل ارتباك غير مفهوم للحكومة فاقمه انعدام تواصلها، فمنذ نهاية الأسبوع انتشرت أخبار بدت كما لو أنها حملة منظمة عن تمديد ثالث وشامل للطوارئ الصحية، اختارت الحكومة عدم التفاعل معها، رغم تأثير ذلك على نفسية المغاربة. واستمر الوضع على حاله حتى مساء الثلاثاء عندما أعلن عن انعقاد مجلس حكومي في «اللحظة الأخيرة» تضمن جدول أعماله نقطة «يتيمة» تهم مشروع مرسوم تقدم به وزيرا الداخلية والصحة، يقضي بتمديد مدة سريان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني إلى 8 غشت، الأمر الذي أحدث رجة كبيرة في مواقع التواصل الاجتماعي لم تهدأ إلا بتسريب خبر عن «تخفيف» حكم التمديد بشهر، سرعان ما حام حوله شك كبير بعد التأخر غير المفهوم في صدور البلاغ الحكومي. مسلسل التشويق لم ينته هنا، بل امتد حتى منتصف الليل بعد أن أضفى عليه العثماني إثارة خاصة بإعلانه في تدوينة له صدور بلاغ توضيحي في الليلة نفسها حول طريقة «تخفيف» الحجر الصحي، وهو البلاغ الذي صدر بدون رمز أو توقيع كما لو أنه صادر عن جهة مجهولة، وقسم المغرب إلى منطقتين 1 و2. «تموز» ينتصر على «أغسطس» المقترح الذي دافع عنه وزير الداخلية كان ينص على تمديد الطوارئ الصحية إلى «أغسطس»، لكن بعد تدخل بعض الوزراء في اجتماع مجلس الحكومة استقر الرأي على «تموز»، مع ذلك فإن اختيار الداخلية «لأغسطس» كما سمته لم يكن عاديا، فهي كانت تريد تمديدا يتناسب مع الواقع وليس العاطفة ويتماشى مع أسوأ السيناريوهات وليس أفضلها، وذلك على غرار ما قامت به فرنسا التي أعلنت منذ البداية تاريخا بعيدا للطوارئ الصحية وتركت تدبير الحجر الصحي لليومي، لكن الذي حصل هو انتصار أصحاب «تموز» الذين دافعوا عن تجنيب المواطنين الصدمة، من منطلق أن توزيع التمديد أهون من الناحية النفسية من إعلانه دفعة واحدة، وهو ما بدا واضحا في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث سرعان ما انخفض منسوب الغضب بعد الإعلان عن «تقليص» التمديد إلى شهر واحد، وإن كان ذلك لا يلغي فرضية أن الداخلية ستذهب بالطوارئ إلى «أغسطس» ما لم تقع تطورات في المنظومة الوبائية. الرفع التدريجي مقترح وزارة الصحة لم يكن قرار تمديد الطوارئ الصحية واتخاذ إجراءات تخفيف الحجر الصحي إلا نتيجة لمسار طويل من النقاشات، بدأ بتقديم مديرية الأوبئة بوزارة الصحة تقريرا مفصلا عن الوضعية الوبائية، مدعوما بقراءة شاملة في سيناريوهات الرفع الكلي والتدريجي ذهب به وزير الصحة إلى لجنة القيادة المعنية أساسا باتخاذ أي خطوة في الحرب ضد الجائحة. وكان من العناصر الحاسمة في تبني خيار «تخفيف» الحجر الصحي التوقعات التي قدمتها وزارة الصحة في حالة تبني سيناريو تخفيف قيود الحجر الصحي، والتي بدت مشجعة، وزكاها تحكم المغرب منذ البداية في وتيرة انتشار الفيروس وتفادي الانتقال إلى المرحلة الثالثة، إضافة إلى تطور المحددات الوبائية المطلوبة لرفع الحجر الصحي منذ أسبوعين، وأهمها أن يكون معدل التكاثر (Rt) أقل من 1 وطنيا مع استقراره في هذا المستوى لمدة أسبوعين، وقد تحقق، وأن تستقر نسبة الفتك في أقل من 3 في المائة وهي حاليا 2.6 في المائة. «طقس» الحجر الصحي حصريا عند الولاة والعمال سواء في تنفيذ الطوارئ الصحية أو تخفيف قيودها، تتصدر وزارة الداخلية الواجهة دون غيرها، وسيتجاوز الأمر هذه المرة منح تراخيص التنقل الاستثنائية والسهر على تنفيذ إجراءات الطوارئ الصحية، إلى الإعلان الحصري عن أحوال طقس «الحجر الصحي»، بعدما منح مرسوم تمديد الطوارئ الصحية المصادق عليه والمنشور في الجريدة الرسمية في نفس اليوم، وزير الداخلية حق اتخاذ القرار في ضوء المعطيات المتوفرة حول الحالة لوبائية السائدة، بشأن كل تدبير على الصعيد الوطني يراه مناسبا، من أجل التخفيف من قيود الطوارئ الصحية، وبالتبع تم منح صلاحيات كاملة وحصرية للولاة والعمال لاتخاذ كل التدابير التي يرونها مناسبة سواء للتخفيف أو تشديد إجراءات الحجر الصحي، مما يجعلهم مدراء الأرصاد الجوية الخاصة بالحجر الصحي، والمخولون الوحيدون لإخراج أي منطقة من قسم لآخر. 39 في المائة من المغاربة باقون في حجر كامل 13 مليونا و263 ألف نسمة هو عدد المغاربة الذين فرض عليهم البقاء في حجر كامل، تم حسابهم استنادا على بيانات إحصاء السكان لعام 2014، ينتمون إلى 16 إقليما وعمالة، ويشكلون 39 في المائة من مجوع سكان المملكة التي تدخل شهرها الرابع في ظل الطوارئ الصحية، بعد تمديدها للمرة الثالثة بدءا من اليوم، وينتمون لأزيد من 3 ملايين و437 ألف أسرة، يتمركزون في خمس جهات بالمملكة، فيما تحتل جهة الدار البيضاء الكبرى الصدارة من حيث عدد المفروض عليهم البقاء تحت الحجر الصحي، تليها جهة الرباطسلاالقنيطرة، ثم فاسمكناس. وتم تحديد المعنيين بالبقاء تحت الحجر بعد تقسيم المملكة إلى منطقتين تعد الثانية راسبة في امتحان تخفيف الحجر الصحي، حيث سيستمر خروج المواطنين بها بشرط التوفر على رخصة التنقل الاستثنائية، وسيبقى هناك توقيت محدد لإغلاق المتاجر رغم تمديده حتى الساعة الثامنة بدل السادسة، مع الإبقاء على جميع القيود الأخرى التي تم إقرارها في حالة الطوارئ الصحية. وبالنسبة للعمالات والأقاليم التي صنفت في المنطقة الثانية، فهي عمالة طنجةتطوانوإقليمالعرائش وعمالة فاسوإقليمالحاجب وعمالة الرباط وعمالة سلا وعمالة الصخيرات – تمارةوإقليمالقنيطرة، وعمالة الدار البيضاء وعمالة المحمدية وعمالة مراكش وأقاليم الجديدة والنواصر ومديونة وبنسليمان وبرشيد. 7 جهات تبدأ خطوة السير نحو الحياة الطبيعية 16 عمالة من أصل 75 هي التي ستبقى تحت حجر كامل (لن تستفيد سوى من تمديد فتح المتاجر لساعتين)، أما بقية العمالات والأقاليم فإنها ستنعم ب»تخفيف» للحجر الصحي، وستشارك 7 جهات في هذه المرحلة بكل عمالاتها وأقاليمها، يتعلق الأمر بجهات الشرق وبني ملال ودرعة تافيلالت وسوس ماسة وكلميم واد نون والعيون الساقية الحمراء والداخلة وادي الذهب. وتكشف نتائج توزيع العمالات والأقاليم على مستويين، أن الحجر الصحي الشامل لن يخرج عن خمس جهات، في مقدمتها الدار البيضاء الكبرى سطات ب7 من أصل 9 عمالات وأقاليم تشكل الجهة، والتي لم يستثنى منها سوى إقليميسطات وسيدي بنور. وتأتي في المرتبة الثانية جهة الرباطالقنيطرة التي تأخرت في السباق ب4 من أصل 7 عمالات وأقاليم ولم تمر منها للقسم الأول سوى أقاليم الخميسات وسيدي سليمان وسيدي قاسم، فيما دخلت جهة الشمال القسم الثاني بعمالة وإقليم وحيدين مقابل نجاة 6 أقاليم وعمالات، ونفس الأمر ينطبق على جهة فاسمكناس التي تخلفت بعمالة وإقليم بعد تصنيف 7 عمالات وأقاليم في القسم الأول. أما جهة مراكش فلم تدخل القسم الثاني سوى بعمالة مراكش فيما أخذت العمالات والأقاليم السبع الأخرى موقعها بالقسم الأول. موعد نشرة أحوال طقس "الحجر الصحي" سوف تتم إعادة تصنيف العمالات والأقاليم أسبوعيا حسب منطقتي التخفيف على أساس المعايير المحددة من طرف السلطات الإقليمية، والتي لم يتم الكشف عنها، لكن يتبين من خلال البحث في الأقاليم والعمالات التي طالها التخفيف أن المشترك بين غالبيتها هو عدم تسجيل إصابات خلال الأسبوعين الأخيرين، وهكذا يمكن اعتبار هذا أحد المعايير التي سيتم الأخذ بها عند كل تصنيف أسبوعي. ويبدو أن هذه العملية ستكون أشبه ببطولة في لعبة رياضية بها قسم أول وثان، لكن الشيء المختلف أن عدد الفرق (الأقاليم والعمالات) لن يكون متوازيا بالضرورة في كلا القسمين، إذ بمقدور كل عمالة أو إقليم أن ينتقل من قسم لآخر حسب درجة اجتهاده في تسجيل "صفر" إصابة. ومن خلال هذا التصنيف الأول من نوعه نجد أن 79 في المائة من مجموع الأقاليم والعمالات (59 إقليما وعمالة) وجدت موقعها في المستوى الأول (وهو مستوى الناجحين) فيما صنفت 16 عمالة وإقليما في المستوى الثاني، وهي التي تضم المدن الرئيسية الكبرى التي تعرف كثافة سكانية ونشاطا اقتصاديا أكبر. المنتخبون خارج اللعبة المثير في تدبير عملية الانتقال التدريجي لتخفيف الحجر الصحي هو الاستمرار في تغييب المنتخبين، رغم المرور إلى مرحلة التدبير الجهوي والإقليمي والمحلي، مما يطرح التساؤل حول دواعي الاستمرار في تسويق مركزية وزارة الداخلية وإبعاد جيش المنتخبين، على علاته، من المساهمة في المعركة ضد الجائحة. ويظهر هذا التغييب المحير بشكل رئيسي على مستوى لجان اليقظة والتتبع التي ستشرف على عملية تقييم الإجراءات الواجب تنفيذها والشروط اللازم توفرها على مستوى كل عمالة إقليم، والتي سيترأسها الولاة والعمال ولا مجال فيها لحضور المنتخبين ولو كمستمعين، حيث ستتكون هذه اللجان من ممثلين عن وزارة الصحة والمصالح الخارجية للقطاعات الوزارية المعنية والمصالح الأمنية. ولعل ما يؤكد التوجه نحو إبعاد كلي للمنتخبين هو "الحجر الكامل" الذي مازال مفروضا عليهم إلى اليوم، بعد قرار وزارة الداخلية تعليق انعقاد الدورات العادية لمجالس الجماعات الترابية لشهري ماي ويونيو، والذي يطرح إشكالات قانونية ودستورية حول أحقيته، في الوقت الذي لا يعرف الأسباب والدوافع التي منعت عقد هذه الدورات وفق إجراءات تنظيمية خاصة على غرار ما تم اعتماده في انعقاد أشغال البرلمان. رفع كلي للحجر الاقتصادي رغم استمرار حالة الطوارئ الصحية، واستمرار الحجر الصحي على المواطنين، باستثناء إجراءات التخفيف التي سيستفيد منها المواطنون ب59 عمالة وإقليم، فإن الأنشطة الاقتصادية تعتبر أكبر مستفيد اليوم بعد تأكيد استئنافه، جلها ابتداء من اليوم الخميس، حيث نص قرار وزارة الداخلية والصحة على استئناف الأنشطة الصناعية والتجارية والصناعة التقليدية وأنشطة القرب والمهن الصغرى للقرب، وتجارة القرب والمهن الحرة والمهن المماثلة، كما ستتم إعادة فتح الأسواق الأسبوعية، ولن تستثنى من هذه القائمة سوى بعض الأنشطة مثل المطاعم والمقاهي في عين المكان والحمامات وقاعات السينما والمسارح. الجرائد حائرة في العودة للأكشاك رغم أن عدد الأقاليم والعمالات التي صنفت في مستوى التخفيف الثاني (أي التي لن تستفيد من تخفيف الحجر الصحي) لا يتعدى 16، إلا أنها تمثل 83 في المائة من مبيعات الجرائد والصحف، مما يزيد متاعب الصحف الورقية لاختيار التوقيت المناسب للعودة إلى الأكشاك، خصوصا أن هذه العمالات والأقاليم ستستمر بالعمل بورقة التنقل الاستثنائية بالنسبة للمواطنين، فيما المقاهي التي تمثل الزبون الأول والرئيسي للجرائد، خاصة اليومية منها، لن تستأنف أنشطتها بشكل كامل بعدما تقرر عدم عودتها لاستقبال زبائنها في عين المكان.