خصصت مجلة البشير بنيحمد (جون أفريك)، التي تصدر من باريس، غلافها الأخير للأحداث الإرهابية التي ضربت مؤخرا بعض الدول الأوربية وبرشلونة تحديدا. وعدا عنوان الغلاف (ولدوا بالمغرب)، الذي أوحى للقارئ أن بلدنا ليس شريكا جديا في محاربة الإرهاب، وإنما هو مصنع لتصدير الإرهابيين. عدا هذا العنوان الصادم فإن ما تبقى من تفاصيل الغلاغ هو مجرد تكرار لما كتب في معظم الصحف التي واكبت هذه الهجمات الإرهابية الأخيرة التي تورط فيها مغاربة. لكن ما لا يعرفه كثير من الناس أن بنيحمد، المواطن التونسي الفرنسي، ليس مالك مجلة تهمه أخلاقيات المهنة وصناعة منتوج إعلامي رصين في المقام الأول. بنيحمد، الذي كان أصغر وزير إعلام تونسي سنة 57، ليس صحافيا بالمعنى الكلاسيكي. بنيحمد هو، قبل كل هذا وذاك، رجل أعمال جشع، والصحافة بالنسبة إليه ليست إلا صفقات عابرة للحدود وابتزاز الدول الإفريقية ورؤسائها لا أقل ولا أكثر. بنيحمد هو "الصحافي" الوحيد الذي كان له، في وقت من الأوقات، "دور ما" في رحيل "جميع" الرؤساء الأفارقة ومجيء آخرين سواء بالتي أحسن أو بالتي هي أعنف في شكل انقلابات عسكرية. وليس سرا أن الرئيس الهارب من تونس زين العابدين بنعلي هو الذي أنقذ مجلة بنيحمد في الكثير من المناسبات من الإفلاس المبين. وقد سبق للأسبوعية الساخرة "لوكنار اونشيني" أن فجرت هذه القضية عندما كشفت قبل سنوات أن بنعلي مول عبر اثنين من المقربين إليه مجلة بنيحمد. أكثر من هذا، دعم هذه المجلة لم يكن أمنية مسؤولين تونسيين وقتها، بل كان أمرا من رئيس الدولة بنعلي شخصيا. وواهم من يعتقد أن بنيحمد صحافي يشهبنا نحن معشر الصحافيين المزاليط. بنيحمد ليس كذلك، بل إنه يضع نفسه في خانة رئيس دولة له خدم وحشم وعبيد ببشرة سوداء. ولأنه يتصرف كرئيس دولة فقد رفض ذات سياق سياسي إجراء حوار مع الراحل الحسن الثاني. بنيحمد رفض هذا الحوار لأن الأنظمة الملكية بالنسبة إليه هي عائق حقيقي نحو انتقال الدول إلى الديمقراطية. ولم يكتف بنيحمد برفض محاورة الراحل الحسن الثاني فقط، بل إنه اقترح أن يجري هذا الحوار مدير التحرير الحالي للمجلة فرانسوا سودان فقط ليغيظ ملك المغرب. ولأن الراحل الحسن الثاني فهم "الرسالة" فقد رفض هذا "السلوك الأرعن" ليتبين فيما بعد أن ما كان يهم بنيحمد ليس حوارا مع ملك المغرب بل الذي كان يهمه هو "الدعم" المغربي لمجلته. وطبعا تكفلت بهذه "المهمة" أجهزة وزارة الداخلية في عهد إدريس البصري، وهناك صحافي شاهد على هذه "العملية" اسمه عبد الله الستوكي شفاه الله فعنده الخبر اليقين. ولأن بنيحمد لا يفهم الصحافة إلا بلغة الصفقات والابتزاز فقد "عرض" سنة 2005 بيع مجلته على الإعلامي والثري السعودي عثمان لعمير الصديق الكبير للمغرب والمالك الحالي لصحف "ماروك سوار". وفعلا، أبدى لعمير استعداده لشراء المجلة بأي سعر لكن بنيحمد سيتراجع عن صفقة البيع بدعوى أن المخابرات الأمريكية هي التي أرسلت لعمير إليه لحماية مصالحها في إفريقيا. وتلك قصة أخرى. صحيح أن حضور بنيحمد داخل "جون أفريك" لم يعد الآن إلا حضورا شرفيا ورمزيا لأن ابنيه أمير ومروان هما الكل في الكل في الشركة الناشرة لهذه الأسبوعية. وصحيح أيضا أن هذه المجلة قد تعرضت للمنع سنة 76 من طرف السلطات الجزائرية بعد اتهامها بمغازلة المغرب. والمقصود هنا تلك "المصالحة" التي قام بها الصحافي حميد برادة بين المجلة والسلطات المغربية عبر صديقه حميدو لعنيكري الذي كان وقتها في بعثة عسكرية إلى الزايير. وصحيح أيضا أن مدام بنيحمد الفرنسية دانييل كلما حلت بالمغرب إلا وزارت حميدو لعنيكري، لكن للمجلة خطا تحريريا ثابتا ببعد عقدي لا يتغير: إنها شركة عائلية دولية راكمت تجربة كبيرة في إبرام الصفقات والابتزاز ولا شيء غيرهما.