إذا كان هناك إجماع على كون الاتحاد الاشتراكي لازال حاجة مجتمعية ملحة، فإن من البديهي معالجة أسباب تراجع الأداة الحزبية إلى درجة تصنيفه ضمن دائرة الأقليات الانتخابية، فالاتحاد كان على الدوام فكرة، أكبر منه تنظيما سياسيا، هو حلم الجماهير الشعبية بالعدالة و التقدمية و الحداثة، هو إطار للمثقف العضوي الذي يناضل إلى جانب الجماهير الشعبية، غير أن التحول الميكانيكي الذي شهده الاتحاد الاشتراكي هو محاولة استلابه من طرف قيادة شعبوية عملت على إقصاء المثقفين، وعملت على إخراجهم من وظيفتهم في الكشف، على اعتبار أنهم غرباء على الفدلكات السياسية، وتنفيرهم من العمل السياسي، لقد لعب دهاقنة التنظيم بدعوى ثقافة القرب، على تسطيح الفكرة و صناعة قيادات كرتونية لممارسة التحكم عبرها، وعزفوا على أوتارها البساطة و التبسيط، لتنقلب الصورة في ذهن القواعد بدعوى سهولة الفهم، عبر تبني خطاب سهل يعتمد على دغدغة المشاعر، يحشونها بالهتاف و الاناشيد الحزبية لإبعادهم عن المساءلة. مارسوا التجهيل المقصود باسم التاريخ، بدعوى أنهم الورثة الشرعيين له، رفضوا فتح نقاش جوهري و مشاريعي بدعوى التشويش على الحزب، واجهوا كل حملة أفكار، من طرف الأتباع بالتشويش و الضرب تحت الحزام. هذه الممارسة المنحطة و الغريبة عن الثقافة الاتحادية كرست انسدادا تنظيميا و تجهيلا ممنهجا، الأمر الذي أعاق الاداة الحزبية عن خلق نقاش حول الحصيلة و حول القضايا الجوهرية و متطلبات الحياة السياسية و الاقتصادية، إنها حقا مأساة كبرى و صياغة بائسة، ساهمت في إبعاد الاتحاد عن الجماهير الشعبية، وعمقت غيابه عن الساحة وتقاعسه عن أداء الدور المأمول فيه، و دوره في التعبئة في تنزيل الرسالة الاتحادية و التي تقوم على إنتاج خطاب بلغة تنير الجماهير و تخاطب تطلعاتهم، مما أدى إلى انصراف الجماهير الشعبية و هنا يتجلى عمق أزمة الفكرة الاتحادية. إن نتائج الانتخابات المحلية و التشريعية أسقطت ورقة التوت التي كانت تتغطى بها القيادات الشعبوية. لتجد الفكرة الاتحادية نفسها في مأزق تاريخي لا تحسد عليه و لم تجد قياداتها المتخبطة سوى الهرولة الرعناء خلف التكتيكات السياسية في محاولة بائسة لإيجاد موطأ قدم في الغنيمة الحكومية، تدمر ما تبقى من ثقة و مصداقية لقياداتها التاريخية، و المضحك المبكي أن هذه القيادات لازالت تمتهن المراوغة، و راضية لنفسها هذا الوضع المهين، صاغرة، علها ترفع بعض الحرج عنها و تحفظ بعض ماء الوجه وهي تحاول الحديث عن منجزاتها، مستندة على قاعدة سياسية شديدة البساطة، لقيادات شعبية مرتهلة قد أدمنت إنتاج أخطائها، تحاول مصارحة الذات بحقيقتها، وهي التي حاربت كل دعوى للمكاشفة، عبر إحكام القبضة فيما يظهر بحزب الفرد وهو الأمر الذي أدخل الاتحاد في حالة من الكمون، بفعل النزعة الإقصائية. غايتها ضرب كل المقومات عبر الإغراء بالغنيمة الحكومية، ومازالت تصر على الأحلام. فمن أهم الأسباب التي أطالت عمر القيادة الحالية هم أصحاب العقول الخاوية و الببغاوية، عبر توظيف نظرية المؤامرة لتحفيز و دغدغة مشاعر البسطاء بالتهليل الذي برعت فيه القيدة و أبدعت. * عضو المكتب الوطني للشبيبة الاتحادية