يسعى هذا التقرير إلى اختبار فرضية العلاقة بين دارسي الشريعة وبين ميول الدارسين إلى تأسيس جماعات إرهابيّة متشدّدة أو الانتماء إليها أكثر من غيرهم، ويستند هذا التقرير إلى دراسات لمؤسّسات وهيئات ليست إسلاميّة أو عربيّة، قد اعتمدت المنهج التحليليّ لقاعدة بيانات ضخمة تتعلق بالمنتمين إلى داعش وأخرى تتعلق بقيادات التّنظيمات الإرهابيّة الأبرز في العالم. في شهر مارس لعام 2016 حصلت شبكة الأخبار "Sky News" البريطانيّة على أكبر تسريب وثائق خاصّ بالتّنظيم الإرهابي المعروف ب(تنظيم الدولة الإسلاميّة) عدّة آلاف من الوثائق الخطيرة سُرّبت من أحد المنشقين عن التّنظيم والذي سلّمها بنفسه للشبكة في تركيا، وُصفت هذه التسريبات ب(ويكليكس داعش) ومن بين الوثائق ما يزيد عن اثنين وعشرين ألف سجل تعريفي بالأعضاء المنظّمين قدموا من ما يزيد عن واحد وخمسين دولة، شملت الوثائق بيانات تفصيليّة عن أعضاء التنظيم تضمنت سؤالهم عن درجة تحصيلهم العلميّ، وعن مستوى التحصيل الشرعيّ المعرفيّ لديهم. هذه البيانات تغطي الفترة من أوائل عام 2013 إلى أواخر عام 2014. شرع المركز الأمريكي لمكافحة الإرهاب التابع للجيش الأمريكي (CTC) بتحليل بيانات هذه الوثائق وأصدر تقريره في شهر نيسان لعام 2016. وما يعنينا في هذا التقرير هو تحليل نتائج الإجابة على سؤال مستوى تحصيل العلم الشرعيّ لدى أعضاء التنظيم، حيث كان السؤال في البطاقة التعريفية بالأفراد عن المستوى الشرعيّ لديهم وكانت خيارات الإجابة هي: طالب علم، متوسط، بسيط. وأفضت البيانات إلى أنّ ما نسبته 70% من أعضاء التنظيم وصفوا معرفتهم بالشريعة الإسلاميّة ب(البسيطة)، في حين وصف 23% معرفته بالمتوسطة، و2% غير معروف، وما نسبته 5% فقط وصفوا معرفتهم بالشريعة الإسلاميّة ب(المتقدمة- أيّ طالب علم). وعن عدد الدارسين للشريعة في التّنظيم فقد سجّل ما عدده (119) مجنداً أنّهم درسوا الشريعة وإمّا في كلية أو مدرسة دينيّة أيّ ما يشكّل 1.2% فقط داخل التنظيم بالمقارنة مع باقي التخصصات. وعن العلاقة بين الميول للعنف والإرهاب ودراسة الشريعة، نلحظ أنّ أقل نسبة من المتطوعين في التنظيم لتنفيذ عمليات انتحاريّة هم أولئك الذين وصفوا معرفتهم بالشريعة بالمتقدمة، وأنّ صفوف الانتحاريين مليئة بمن وصفوا معرفتهم بالشريعة بالبسيطة.وهنا علّقت الدراسة باستغراب على هذه النتيجة بقولها: إذا كان "الاستشهاد" كما يدّعي التّنظيم هو أعلى مراتب الواجب الدينيّ أليس من المفترض أن يكون أصحاب المعرفة الشرعيّة المتقدمة هم الأكثر إقبالاً على العمليات الانتحارية! وفي دراسة ثانية قامت بها وكالة الأنباء الأمريكيّة "AP" لهذه الوثائق وأصدرتها في شهر غشت لعام 2016، أظهرت الدراسة أنّ خمسة أعضاء فقط من بين مجندي داعش يحفظون القرآن الكريم، ولدى قيام وكالة الأنباء بالتّحقيق في الخلفيات الشرعيّة لعدد من مجندي داعش الأجانب وجدت أنّهم اشتروا كتابي "القرآن للأغبياء" و "الإسلام للأغبياء" عبر موقع أمازون قبيل سفرهم إلى داعش بغرض تحصيل الدراسة الشرعيّة. وفي تعليق "باتريك سكينر" ضابط سابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية وخبير في الجماعات المتطرّفة في الشرق الأوسط، لتحليل هذا التناقض بين الخلفية الشرعيّة السطحيّة وبين السعي للانتماء إلى داعش، أجاب: "الدين تابع لديهم وليس أساسيّاً، فبعض المنتمين إلى داعش يدّعون ظاهرياً الانتماء إلى الدين لكن في الحقيقة غالب المنتسبين إلى داعش بما في ذلك الغربيين، ينضمّون بدافع الشهرة وتحقيق الإثارة.." وعن مستوى التحصيل العلميّ العام لأعضاء داعش نجد في تحليل البنك الدوليّ لهذه البيانات على مستوى الاقتصاد الكليّ الصادر في شهر أكتوبر لعام 2016، بأنّ 43.3% من المنتمين للتنظيم لم يتجاوز تحصيلهم العلمي العام الشهادة الثانويّة، وأنّ ما نسبته 25.4% ارتادوا الجامعات في مختلف التخصّصات. وفي العلاقة بين مستوى العلم الشرعيّ لدى أفراد التّنظيم وبين الإقبال على الأعمال الإرهابية والانتحاريّة، فيكشف تحليل بيانات البنك الدوليّ أنّ أصحاب المعرفة الشرعية البسيطة هم أصحاب النسبة الأعلى بين المتقدمين على العمل داخل التنظيم كمحارب أو محارب انتحاري، في حين تبلغ نسبة الإقبال الأقل على العمل في التنظيم كمحارب أو محارب انتحاري عند الذين وصفوا معرفتهم الشرعية بالمتقدمة، فهؤلاء يشكّلون النّسبة الأعلى بين المتقدمين للعمل الإداريّ في التنظيم. كان اللافت في تحليل البنك الدوليّ حول العوامل الدافعة لانضمام الشباب إلى داعش، هو إقرارها بوجود "ارتباط قويّ بين معدّل البطالة بين الذكور في بلد ما واتجاهه لتصدير مجنّدين أجانب إلى داعش". ولم تأتِ الدراسة على ذكر أيّة علاقة قد تربط دراسة الشريعة بالانضمام إلى هذه الجماعة الإرهابية، وجاء في الخلاصة المتعلقة بهذا البند من الدراسة: "يبدو أنّ غياب الشمول يشكّل أحد عوامل الخطر المؤديّة لتحول التشدّد إلى تطرّف عنيف.والبطالة لها بالتّأكيد دور فعّال أيضاً، فالسياسات التي تشجّع على خلق فرص العمل، من ثمّ، لا تفيد الشباب الساعين وراء فرصة عمل فحسب، بل قد تساعد على إحباط انتشار التطرّف العنيف، وتأثيراته الملازمة على النموّ الاقتصاديّ الوطنيّ والإقليميّ". ولدى النظر في علاقة دراسة الشريعة بتأسيس التّنظيمات الجهادية المتشدّدة حول العالم، لابدّ لنا من التعريج على دراسة هامّة كان قد أجراها (مركز الدين والجغرافيا السياسية) البريطانيّ والصادرة في شهر أبريل لعام 2016، بعنوان (معالم التّشدّد) والتي تتبعت دراسة وتحليل سيرة حياة أبرز مائة شخصيّة جهاديّة إسلاميّة أثّرت في مسيرة الجهاد العالميّ وخلقت ما يُعرف بالشبكة العالميّة للجهاد، حيث اُختيرت هذه الشخصيات من 41 دولة في الشرق الأوسط وأفريقيا ينتمون إلى 49 منظمة جهاديّة. وتحت بند (المتطرّفون المتعلمون) كشفت الدراسة أنّ ما نسبته 46% قد التحقوا بالجامعات لكن 22% منهم لم يستكملوا دراستهم الجامعيّة، وفيما يتعلق بالتّخصصات الأكثر إقبالاً على الانخراط في التنظيمات الجهاديّة من الصف القياديّ، فكانت التّخصصات العلميّة بنسبة 57% من بين الجامعيين، في حين أظهرت الدراسة أنّ نسبة الدارسين للشريعة لم تتجاوز 28%. ومن أصحاب التّخصصات العلميّة كان ما نسبته 29% صنّفوا كقادة رأيّ في التّنظيمات مُهمّتهم تزويد التّنظيمات بالاتجاهات الفكريّة والتبريرات وتنظيم عمل الجماعة، وأنّ نسبة قادة الرأيّ والمنظّرين في هذه التّنظيمات ممّن درسوا الشريعة لم تشكّل أكثر من 18%. وعلّقت الدراسة على هذه النتائج بأنّ التّخصصات العلميّة هي المكتسحة لتاريخ القيادات الجهاديّة على عكس تخصّص الشريعة والدراسات الإنسانيّة بتمثيل ضعيف خاصّة بين قادة الرأيّ ومن نصّبوا أنفسهم قضاة شرعيين. وعن التّخصّص العلميّ ذي الإقبال الأعلى للمنتمين إلى التنظيمات الإسلاميّة القتاليّة حول العالم، نستطلع دراسة صادرة عن جامعة أكسفورد لعام 2007 للباحثيّن "ديغو غامبيتا" و "ستيفن هيرتوغ" بعنوان (مهندسو الجهاد) تناولت عينة من الجهاديين حول العالم بلغ عددها 404 حالة، ظهر أنّ ما عدده 62 أنهوا الدراسة الثانويّة فقط، وعدد الذين ارتادوا الجامعات 178 فرداً. وممّا يستحق التوقّف أنّ 37 فرداً على الأقل من هؤلاء درسوا في جامعات غربيّة. وفيما يتعلق بالتّخصّص العلميّ الذي سجّل أعلى نسبة إقبال بين هذه العينة هو (الهندسة) حيث بلغ عدد الدارسين للهندسة 78 مقابل 34 فرداً فقط قد درسوا الشريعة، وجاء تخصّص الهندسة الالكترونية في أول مرتبة يليه تخصّص هندسة الحاسوب ثمّ الهندسة المدنيّة، وتشير الدراسة إلى أنّ تخصّص الهندسة شكّل ما نسبته 66.7% من تخصّصات العاملين المركزيّين في تنظيم القاعدة. وقد طوّر الباحثان هذه الدراسة إلى كتاب نُشر في شهر مارس لعام 2016 حمل نفس العنوان. وعن علاقة النّزاعات المسلّحة بالدين، نجد في نتائج دراسة أجراها (معهد الاقتصاد والسلام العالمي) ومقرّه الرئيسيّ استراليا، بعنوان (العلاقة بين السلام والدين) والصادرة في شهر أكتوبر لعام2014، تقرّ الدراسة بنتيجة مفادها أنّ الدين ليس عنصراً أساسيّاً في نزاعات الوقت الحاضر، فمن خلال دراسة مسحية ل35 نزاعاً مسلّحاً في عام 2013، خلُصت الدراسة إلى أنّ عنصر الدين لم يلعب أيّ دور في 40% من هذه النزاعات، وحتى في النسبة المتبقية لم يشكّل الدين إلّا عاملاً مسانداً من بين ثلاثة أسباب مباشرة أو أكثر للنزاعات المسلّحة. وتضيف الدراسة بأنّ الدول الأقلّ سلاماً وأمناً ليست بالضرورة هي الدول الأكثر تديّناً، فلدى معاينة قائمة الدول العشر الأكثر سلاماً وأمناً نجد ثلاثة دول منها توصف بالمتديّنة جداً،بينما نجد أربعة دول ذات أعلى توجّه إلحادي هي الأقلّ سلاماً وأمناً من المعدّل العالمي. وذهبت خلاصة الدراسة إلى أنّ الدين يمكن أن يشكّل دافعاً ومحفّزاً لإحلال السلام وإنهاء النزاع بالإضافة إلى قدرته على بناء تماسك مجتمعي.