يفك السياج بالكماشة، مقطبا حاجبيه، لاتثنيه عيون شرطة الحدود، ولا عدسات الكاميرات التي توثقه، كان ذلك هو المشهد الأول، الذي شدني في أوروبا مع بداية عام 2016، فيديو قوي الدلالة،تداولته الكثير من وسائل الإعلام الإيطالية، يوثق لاجئا عربيا (يفترضه الإعلام المحلي من سوريا)، وهو يحاول أن يهزم حصاره، على الحدود في أورربا. كثلة الأسلاك الشائكة،التي كان يفكها ذلك النازح العربي، وضعتها السلطات السلوفينيةعلى حدودها مع بداية العام الجديد، لمنع أفواج النازحين، الذين يسميهم إعلاميون غربيون بالسوريين، وإن تخلّلهم مهاجرون مغاربة على سبيل المثال. بعض المهاجرين القادمين من المغرب إلى أوروبا بطريقة غير نظامية، أصبحوا يفضلون العبور من بوابة تركيا، يتبعون خطى النازحين السوريين، بل هناك من خبر طريق النزوح.ولا تفوتني الفرصة للإشارة إلى "أصحاب الحسنات"، مثل ذلك المهاجر البيضاوي، الذي قام بتسجيل فيديو حين وصوله إلى ألمانيا، يدعي تصويره هناك، موضحا للراغبين في الهجرة أسهل الطرق للوصول إلى القارة العجوز، انطلاقا من تركيا، "بلا فيزا، بلا باسبور"، نقلا عن المغني الشعبي المغربي "الستاتي". سأحاول أن أكون "انتهازيا" للغة الشعبية المغربية الجميلة، الحمّالة الأوجه، لأشارككم جمالية لقطة مشهدية، عبرت فيها عدسة المخرج الفرنسيآلانرينيهسياج معسكر لليهود من أعلى، بدون تأشيرة ولا جواز سفر ("بلا فيزا، بلا باسبور")، لتكون شاهدة على جرائم النازية في مشهد رمزي استهل به المخرج فيلمه الوثائقي "الليل والضباب" (1956)، الذي يوثق لحصار وإبادة اليهود في ذلك المعسكرالمتواجد ببولندا، على شاكلة معسكر "أوشفيتز" الشهير بألمانيا، حيث التعذيبالممنهج لليهود بطرق شتى كالتجويع، إلى أن يصير الفرد هيكلا عظميا وجثة هامدة بسبب قلة الأكل وانتشار الأمراض، وهو ما دفع كثيرا من اليهود بأوروبا ينزحون نحو الجنوب: المغرب نموذجا (بسبب حماية سلطان المغرب لليهود المغاربة من قوانين فيشي العنصرية). إن صورة ذلك النازح العربي المتوجه شمالا نحو سلوفينيا،وهو يفك السياج الحدودي، لم يكن لفعله أثر قوي لولا صور الفيديو التي وثقته، حيث بدا رجع الصدى واضحا، حينما تأسف مسؤول سلوفيني رفيع المستوى في نشرة إخبارية لقناة لاراي الإيطالية، عن الإجراءات التي وضعتها بلاده على حدودها، في إشارة للأسلاك الشائكة، بل إن الحرج دفع الرجل السلوفيني إلى طلب تفهم النازحين للوضع، في اللقاء التلفزي ذاته. إنه نوع من الاستجداء تحت وطأة الكاميرا المحترفة والهاوية/المواطنة، التي تسجل لحظات عصيبة وهامة تختبر فيها القيم الإنسانية في أوروبا. الأوروبيون ليسوا وحدهم على محك القيم الإنسانية، بل كل العالم، الذي استقبل مع بداية العام الجديد 2016، عبر وسائل التواصل الاجتماعي،صور فيديو فظيعة تظهر بؤسنا أمام هول ما يعيشه مواطنون سوريون عزل، من تجويع وإذلال جراءالحصار المضروب عليهم في بلدة مضايا. وحدها عدسة الكاميرا التي عبرت سياج معسكر تجميع اليهود في بولندا، من استطاعت أن توثق مرة أخرى للعار الإنساني، لكن مع فارقسرعة بث صور الفيديو،التي فكّت جزءاً من عزلة أهالي مضايا المحاصرين بسياج المنتظم الدولي، الذي هو المسؤول عن كل ما يجري في سوريا أولا وأخيرا. إذا ما استمرت صورة الأسلاك الشائكة في كل أوربا، ستصبح معها القارة العجوز حبيسة نفسها، فالأولى أن يوضع السياج على "عمليات"بيع الأسلحة للأطراف المتنازعة في مناطق الحروب، حينها لن يُحاصر الناس جوعا بسبب الاقتتال، لن تحاصرنا صور النازحين إلى أوروبا، ولن نرى مشهدالنازح العربي وهو يفك بكماشته السياج الحدودي بسلوفينيا..