"تذكروني بفرح، فأنا وإن كان جسدي بين القضبان الموحشة فإن روحي العاتية مخترقة لأسوار السجن العالية وبواباته الموصدة وأصفاده وسياط الجلادين الذين أهدوني إلى الموت. أما جراحي، فباسمة، محلقة بحرية، بحب متناه، تضحية فريدة، وبذل مستميت"؛ بهذه العبارات وغيرها..، خلدت سعيدة المنبهي إحدى أيقونات النضال الثوري والنسائي في المغرب، بل وفي العالم، ذكراها في وجدان المغاربة، وهي الكلمات التي لا تزال تزرع داخل قارئها شعوراً بالتعطش لمبادئ الحرية والمساواة والتضحية التي جسدتها سعيدة المنبهي. تحل اليوم 11 دجنبر، يوما واحدا على إحياء اليوم الأممي للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ذكرى استشهاد المناضلة اليسارية سعيدة المنبهي بعد صمود بطولي دام 36 يوما وهي في إضراب عن الطعام، في معتقلها بالدار البيضاء، في السبعينيات من القرن الماضي، أو ما أصبح يعرف اليوم بسنوات الرصاص. ولدت المنبهي وسط عائلة بسيطة بأحد الأحياء الشعبية، بحي رياض الزيتون بمراكش، درست بمراكش، والرباط في المرحلة الجامعية، وتخرجت أستاذة للغة الإنجليزية، ناضلت في سن صغير في صفوف الحركة التلاميذية والطلابية ثم داخل نقابة الاتحاد المغربي للشغل، والتحقت بالمنظمة الماركسية اللينينية إلى الأمام، إلى جانب عدد من الشباب الشيوعي التواق للتحرر وبناء مغرب عادل. في سياق المدّ الثوري في العالم وتصاعد حركات التحرر الأممي، وفي عز الثورة الفلسطينية، تشكل وعي سعيدة المنبهي، كما رفاقها الماركسيين، اعتقلت وحكم عليها بخمس سنوات سجناً إنضافت إليها سنتان أخرى خلال جلسات المحاكمة، بدعوى عدم إحترام القضاء، بعد أن حوّلت مع رفاقها جلسات المحاكمة إلى محاكمة ل”النظام القائم” كما كان يصفه “الرفاق” أنذاك. سعيدة المنبهي لم تكن مناضلةً عادية، بل أديبة رومانسية وثورية تحلم ب”الثورة الشعبية”، كتبت أشعاراً من داخل زنزانتها بأظافرها على الجدران ورسائل إلى عائلتها، جمعها رفيقها فيما بعد عبد اللطيف اللعبي في إصدار سنة 1982، والمعروف أنها كانت تكتب بالفرنسية لتكوينها الأدبي الفرونكوفوني، الذي لم يجعلها منفصلة عن شعبها وكادحيه؛ لقد تشكلت حكاية المنبهي، عندما نسجت خيوط بطولتها التي تجسدت في إضرابها عن الطعام في معتقلها ل34 يوم، ابتداءً يوم 8 نوفمبر 1977 حتى أن رفاقها يحكون أنها عندما تم نقلها إلى المستشفى وبدأت تستفيق واكتشفت أن جسدها متصل بالأنابيب الطبية، نزعتها جميعها من شدة إصرارها على تحدي الجلاد وإقدامها نحو الشهادة بعناد الثوريين. وبقيت سعيدة المنبهي مثالاً للحركة النسائية حيث أنها كتبت أشعاراً تحكي معاناة النساء اللواتي قابلتهن في السجن، ممن امتهنّ الدعارة، وكيف أن أوضاعهن الاجتماعية والاقتصادية جعلتهن عرضةً لذلك، محملةً “النظام” مسؤولية تدهور وضعية النساء. وتروي والدة سعيدة المنبهي، عن فترة حبس ابنتها قائلة: "خلال زياراتي لها بالسجن، كانت سعيدة تردد رغم كل الحواجز المفروضة، إنني هنا يا أمي من أجل العيش الكريم لشعبي. إن معنوياتي عالية باستمرار. إن المستقبل لضحايا الاضطهاد الطبقي والاستبداد السياسي. إنني لا أخاف القمع. إنني أؤمن بقضيتي، قضية كل الجماهير".