تطرق الملك في خطابه بمناسبة الذكرى 20 لتربعه على العرش إلى نقطة مركزية تتعلق، بتجديد النخب، نخب جديدة بكفاءات جديدة قادرة على مواكبة التحديات الوطنية والدولية وأيضا مواكبة “الجيل الجديد من المشاريع” حسب ما ورد في الخطاب. أود العودة إلى بعض الانتاجات في علم الاجتماع حول النخب، وأخص بالذكر عالم الاجتماع رايت ميلز من خلال كتابه “نخبة السلطة” الصادر سنة 1956، محاولا الجواب عن سؤال من يحكم المجتمع الأمريكي؟ الذي خلص إلى أن “القرارات – المفتاح” “Key – decision” محتكرة من 3 دوائر – مؤسسات: دائرة النخبة السياسية وتمثل الجهاز التنفيذي والغونكرس، دائرة النخبة الاقتصادية وهي مسيري الشركات الكبرى، دائرة مسيري البنتاغون أي المؤسسة الأمنية والعسكرية. من خلال اختبار هذه الدوائر الثلاثة يمكن أن نقف عن واقع دوران النخب في المغرب. فالمتتبع للشأن الأمني العسكري يلاحظ عدد من الإصلاحات الهيكلية التي عرفتها هاته القطاعات في 20 سنة الأخيرة، مما يسمح بالقول، بعد عدد من التعيينات الجديدة والاعفاءات والترقيات، أن النخبة الأمنية والعسكرية الحالية هي نخبة محمد السادس، وجيل الملك. في مقابل النخبة التنفيذية، المنبثقة عن الأحزاب السياسية، هي تركة ورثناها عن عهد الراحل الحسن الثاني، ولا تريد أن تتنازل عن الكرسي، نخبة تقليدية أوليغارشية بتعبير عالم الاجتماع الالماني روبرت ميكلز في كتابه “الحياة الحزبية الصادرة سنة 1911″، تستعمل القرابة والعائلة والمحسوبية والولاء للزعيم السياسي في توزيع المناصب داخلها، ولا تنفتح على الاخر. هذه النخبة لا تعتمد على الكفاءات، وبل تجاوزها الزمن وأصبحت عبئا على التنمية والتقدم، لان غرضها الأول والأخير هي المصلحة الشخصية لا المصلحة العامة. فإذا رصدنا التعيينات المقترحة في المناصب العمومية والمؤسسات والهيئات الوطنية واللائحة الوطنية للنساء والشباب بمناسبة الانتخابات التشريعية، فإنها لا تخرج عن هذا “القانون الحديدي الاوليغارشي” بتعبير تلميذ ماكس فيبر (روبرت ميكلز). أما النخبة الاقتصادية وهي المفتاح الثالث وفق نظرية رايت ميلز، فإنها نخبةهجينة، بقدر ما هي وطنية إلا أنها تستنزف خيرات وثروات البلاد من أجل الاغتناء الفاحش على حساب توسيع الفوارق الاجتماعية الصارخة، وحيث الملك في خطابه تحدث عنهم بشكل مباشر بقوله “الذين يرفضون انفتاح بعض القطاعات، التي لا أريد تسميتها هنا، بدعوى أن ذلك يتسبب في فقدان مناصب الشغل، فإنهم لا يفكرون في المغاربة، وإنما يخافون على مصالحهم الشخصية. بل بالعكس ، فإن الاستثمار الأجنبي في هذه القطاعات، سيدعم جهود الدولة، ليس فقط في توفير الشغل، وإنما أيضا في تحفيز التكوين الجيد، وجلب الخبرات والتجارب الناجحة.” إنها نخبة تخشى الرأسمال الأجنبي والمنافسة الحرة، وتعمل كل ما في وسعها من أجل احتكار السوق الوطنية لصالحها، ولو على حساب المواطن البسيط. هذه النخبة الاقتصادية وأصحاب الشركات، أصبح واجبا عليها أن تتحول إلى مقاولات مواطنة، وأن تعتبر الاستثمارات الخارجية قيمة إضافية للاقتصاد الوطني ككل، ولو على حسابها، ولكن النفع العام سيعود على المواطن المغربي. بالعودة لعلم الاجتماع وأذكر هنا بمخاطر انغلاق النخب وعدم انفتاحها بما أوردها عالم الاجتماع الإيطالي باريتو، إذ أولى أهمية قصوى لحركية النخبة circulation des élites أي “الطريقة التي تتدخل فيها الفئات المختلفة في مجتمع ما والانتقال من مجموعة لأخرى” فنكون هنا أمام حالة من الحالتين: إما الانفتاح على النخب الجديدة وهي حالة تساعد الحاكم على الاحتفاظ بنظامه (يعطي باريتو مثال النظام البريطاني)، أو حالة الانغلاق وهي حالة تخلق شروط موضوعية للتغيير الجذري والثوري(مثال كل من الملكية المطلقة والثورة في فرنسا حسب باريتو). بقيت نخبة مهمة تطرق إليها الملك في خطاب، وهي الأخرى تحتاج إلى رجة قوية من أجل خلخلة وضعها، وهي النخبة الإدارية، فالتجربة الفرنسية من خلال دستور 1958، وخاصة مع تأثير دوغول وقع تطوران: أولهما تراجع نفوذ النخبة البرلمانية والثانية تقارب استراتيجي بين النخبة السياسية والإدارية، لكن مع حفاظ كل منهما باستقلاليته، وفي هذا السياق يسجل بيير بيرنبوم في كتابه “الطبقة المسيرة الفرنسية” الصادر سنة 1978، أن “الوصول الاندماج الكلي تاريخيا بين نخب الإدارة والسياسة ابتداء من سنة 1974 في فرنسا مع انتصار الرئيس الفرنسي آنذاك: جيسكار ديستانغ”، وذلك بتلاقي، يضيف بيرنبوم، تلاقي تعليمين عالين على درجتين ودون تمييز بينهما: درجة الكليات ومعاهد التكوين التكنولوجي التي يتوجه إليها أبناء الطبقة المتوسطة، ودرجة المدارس الكبرى كبوليتيكنيك Polytechnique ومدارس الدراسات التجارية العليا (HEC) والمدرسة الوطنية الإدارية (ENA) التي لا يلجها إلا أبناء الطبقة المسيرة. إن النخبة المغربية المقبلة الممكن أن تساير المرحلة المقبلة، لا يمكن أن تكون إلا نخبة محمد السادس أي جيل الملك.